تعديل

الشيخ محمد سعيدباصالح

الخميس، 24 يناير 2013

الرقابة التربوية


الرقابة التربوية
المكان : جامع الرحمة بالشحر
الزمان : 13/3/1434هـ الموافق 25/1/2012م

الخطبة الأولى
أمة الإسلام : في زمن العولمة ، والفضائيات والانترنت والهواتف الذكية أصبحت أعباءُ التربيةِ والتوجيه أكثرَ ثقَلًا ، وأعظمَ مسئوليةً ، وأكبر همًا .
فكيف نحن مع من ولانا الله أمرهم ؟ كيف نحمي أولادنا ؟ كيف نصون أخلاقهم ونبني قيمهم ومبادئهم ؟ كيف نغرس الفضيلة في نفوسهم ونزيد الإيمان في قلوبهم ؟ كيف نحبب إليهم الإيمان ونزينه في قلوبهم ونكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان ؟ كيف نتعامل مع هذه الثورة الألكترونية ؟ كيف ندفع بالأولاد نحو الاستفادة من إيجابيات هذه الوسائل الحديثة ونحد من سلبياتها ؟
أيها المسلمون , إن غياب الدور التربوي للأب ومنح الولد ثقة زائدة ربما دمرت حياة الولد والوالد معًا ؛ ذلك أن الولد في هذه المرحلة العمرية ضعيف العقل , قليل الخبرة , متشوف إلى المغامرات والاكتشافات , وهو أحوج ما يكون إلى التوجيه والتقويم في قالب من الحكمة والتوجيه البناء والرفق الأدبي والكلمة الطيبة .
أيها المسلمون , قبل أن نتكلم على الرقابة التربوية يحق لنا أن نسأل عن مدى حاجة الأطفال إلى الجوالات ؟ ما هي الحاجة الحقيقية للجوال بالنسبة لطفل في التعليم الأساسي ؟ من ذا الذي يتصل عليه ؟ كم عدد الاتصالات في اليوم ؟ هل هناك حاجة حقيقية للجوال أو أنها مجرد موضة ؟
علينا أولًا أن نسعى إلى ترشيد الاستعمال , فلا نشتري جوالًا إلا إذا كانت هناك حاجة حقيقية له , فالجوالات إنما صنعت للتواصل ويحتاجها من عنده أعمال وارتباطات , والشخص الذي ليست عنده ارتباطات ولا عنده أعمال تتطلب الاتصال السريع فهذا لا يحتاج إلى جوال , وليس كل أحد يحتاج إلى جوال , ثم إذا تحققت الحاجة إلى الجوال فنشتري جوالًا يؤدي الغرض المقصود منه وهو الاتصال دون التصوير والفيديو , ما حاجة الطفل إلى جوال فيه خدمة تصوير وتحميل مقاطع فيديو وكلمة مرور .  
عباد الله , تشتد الحاجة في هذا الزمن إلى الرقابة المتوازنة على الأولاد بعيدًا عن التجسس والشك والريبة , رقابة تربوية تقوم على الملاحظة الدقيقة والتوجيه والتقويم والتعديل , رقابة يعرف الأب من خلالها أين يذهبُ الولد , ومن يصاحب ويجالس , وماذا تحوي غرفته من أجهزة وكتب وأشرطة ، وماذا يحوي جواله من مقاطع وصور ومذكرات ، وما مواقع الانترنت التي يزورها , ومن أصحابه الذين يتواصل معهم ، كل هذا بأسلوب يجعل الولد لا يفقد شخصيتَه ومسئوليتَه عن نفسه ، ولا يقيدُ حريتَه المحدودة بالمباح .
فإذا ما رأى على ابنه أو بنته ملحوظة أو خطأ ، أو أبصره واقعًا في تقليعة غريبة مريبة غير لائقة ناقشه بهدوء وعقلانية ، محاولًا إقناعه بما فيه مصلحته ، وبما يحفظ عليه دينه وخلقه ، بعيدًا عن التقريع والتجريح الذي قد ينفر الولد من والده ، ويحمله على التمادي في الخطأ أو مضاعفته .
والسنة الشريفة حافلة بالنماذج التربوية , ففي الصحيحين عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تَمْرَةً مِنْ تَمْر الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا في فِيهِ ، فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : « كَخْ , كَخْ , إرْمِ بِهَا ، أمَا عَلِمْتَ أنَّا لا نَأكُلُ الصَّدَقَةَ » , هكذا بكل لطافة , وبأسلوب يتناسب مع الأطفال .
وفي الصحيحين أيضًا عن عمر بن أَبي سلمة ربيبِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : « كُنْتُ غلاَماً في حجر رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَتْ يَدي تَطِيشُ في الصَّحْفَةِ ، فَقَالَ لي رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : يَا غُلامُ ، سَمِّ الله تَعَالَى ، وَكُلْ بيَمِينكَ ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ . قال عمر بن أبي سلمة : فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتي بَعْدُ » .
عباد الله , إن ضعف الرقابة على الولد خاصة فيما يستطيع معه الاستقلالية والخصوصية يجر إلى عواقب وخيمة قد لا يفيق المرء من أثرها إلا بعد وقوعها , فكم من ولد ضاع بسبب السرية التامة التي يفرضها على أجهزته من هاتف أو حاسوب , فلنتق الله عباد الله , ولنستشعر مسئوليتنا في أولادنا فإنهم أغلى من المال ، وأكثر ربحًا من الدنيا التي طالما ركضنا خلفها ووهبناها أوقاتنا في وقتٍ بخِلنا فيه بهذه الأوقات على فلذات أكبادنا .
إن أولادَنا هم ثمرة كدّنا ، وجلوسُنا معهم في البيت يشعرهم بالطمأنينة ، وهم بحاجة إلى التوجيه والتقويم , بحاجة إلى القصة الهادفة , بحاجة إلى أب يحكي لهم تجربته في الحياة , بحاجة إلى أب يبني عقولهم وقلوبهم ومشاعرهم , بحاجة إلى أب يعطف عليهم , بحاجة إلى أب يغرس فيهم معاني الإيمان , بحاجة إلى أب يشاركهم حياتهم , بحاجة إلى أب يروي لهم من سير الخالدين , ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ﴾ .
الخطبة الثانية
أمة الإسلام , يتوجب علينا في هذا العصر أن نعتمد بعد الله - جل في علاه - على التربية الذاتية لأولادنا وبناتنا حتى لا نتكلّف عسيرًا عند المتابعة , تربية تبدأ مع الولد منذ ولادته ونشأته نبين له من خلالها الحلال والحرام والثواب والعقاب ، تربية تجعله يخاف الله ويراقبه في حركاته وسكناته ، ثم نحمّله مسئولية الفصل بين الحق والباطل فيما يواجهه في حياته ، مع القربِ منه وإسعافِه بالمشورة والرأي عندما يستوجب الأمر ذلك ، وتنبيهه على الخطأ ، أو وقايته منه حينما تضعف نفسه في بعض المواقف .
فنحن في بحر متلاطم يستلزم أن يكون من يحاول النجاة سباحًا ماهرًا يستطيع أن ينفذَ بجلده من الرياح والأعاصير والعواصف التي تحيط به من كل صوب وتزدادُ بتقدم الليالي والأيام .
عباد الله , ومما يعين على تربية الولد ويخففُ من مسئولية الرقابةِ ربطُه بالجلساء الصالحين ، وبحلقات المساجد المباركة فإن في ذلك عصمةً له من كثير من الزلل والخلل .
ومما يعين على ذلك أيضًا الدعاءُ , ذلك السلاح الذي غفل عنه الكثير ، فالدعاء للولد حافظٌ له بإذن الله عاجلًا أم آجلًا من المكاره والشرور والسقطات .
ومما يعين على التربية أيضًا ربط الولد بالصلاة ربطًا روحيًا تجعله لا يقدّم عليها شيئًا ، ويسعى إليها ذاتيًا بكل طواعية ، فإن سلمت الصلاة من التقصير نجا بإذن الله .
ومما يعين على التربية استشعار القدوة في نفس الأب فاحذر أن تأتيَ أمرًا تنكره على ولدك أو تفعلَ ما تنهاه عنه .
ومما يحفظ الولد - بإذن الله - إشغاله بالمفيد من القراءة والحفظ ورصد الجوائز لذلك تشجيعًا وتحفيزًا له .
ومما يعين على التربية الاطلاع على تطورات التقنية الحديثة ، والاستعانة بالخبراء والعارفين في وضع الحمايات اللازمة في الأجهزة حذرًا من الدخول إلى المواقع المريبة والخادشة للحياء .
فلنتق الله عباد الله , ولنعمل جميعًا بقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - : « كُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتهِ : الإمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، والرَّجُلُ رَاعٍ في أهْلِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالمَرْأةُ رَاعِيَةٌ في بيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالخَادِمُ رَاعٍ في مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ » .
ألا صلوا وسلموا ..




4 التعليقات:

جزاك الله خيرا شيخنا القدير ....

جزاك الله خيرا وزداك الله علما وفهماً وهدىً وبصيرة

وخيرًا جزاك أبا محمد الغالي وعلمًا زادك وفهمًا وهدىً وبصيرة

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More