تعديل

الشيخ محمد سعيدباصالح

الجمعة، 20 يناير 2017

خطبة ( حب الخير للمؤمنين )

حب الخير للمؤمنين
٢٢|٤|١٤٣٨هـالموافق ٢٠|١|٢٠١٧م
جامع الرحمة بالشحر
الخطيب/ محمد بن سعيد باصالح
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، كان الظلم منتشرًا في الجاهلية، وكانت نظرة كثير من الأفراد لا تتجاوز نفسه وعشيرته، وإذا امتدت امتدّت إلى ما تمليه عليه مصالح قبيلته، فبعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم ليمحو ما تعارف عليه الناس وليرتفع بهم إلى أفق الإسلام بمبادئه وقيمه ومُثُلِه، فأقام مبادئ العدل والحرية والإخاء والوحدة وغيرها من المبادئ الإسلامية على أنقاض الظلم واستعباد الآخرين والعداء والتفرق..
وجعل كل فرد في المجتمع المسلم مسئولًا عن تحقيق ذلك، وأقام دولة الإسلام لتحافظ على ذلك كله، واستطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبني مجتمعًا متماسكًا على النحو الذي يريده الله.
ومن جوامع الكَلِم وبدائع الحِكَم وقواعد الدين التي عليها مدار الإسلام قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ).
بيّن عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث العظيم أن العلاقة بين المسلمين علاقة أخوة أساسها الإيمان وأن من أهم ما يقتضيه هذا الإيمان أن يحب المسلم أخاه المسلم وأن يحرص على كل ما من شأنه أن يجلب له خيرًا أو يدفع عنه شرًا وأن أقلَّ ما يجب عليه نحوَه أن ينزّله منزلة نفسه فيحب له مثل ما يحب لنفسه.
وحين أرسى الإسلام مبدأ الأخوة وحب الخير للمؤمنين لم يرفعه شعارًا مجردًا بل جعل له معيارًا وميزانًا يستطيع المسلم أن يحكم من خلاله على إيمانه.
وكلف الله المسلم أن يرتفع بإيمانه إلى المستوى الذي يصبح معه حب الخير للمؤمنين قيمة توجّه عمله وطبعًا من طباعه ومكوّنًا من مكونات شخصيته.
ومن مظاهر حب الخير للمؤمنين ( النصيحة ):
وهي ثمرة لحب المسلم لأخيه وشعوره بحق أخيه عليه في النصيحة، وتصبح النصيحة أوجب إذا طلبها المسلم من أخيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا استنصح أحدُكم أخاه فلينصح له ).
ومن مظاهر حب الخير للمؤمنين ( المواساة ):
فالمسلم ليس أنانيًا يعيش لنفسه فقط غير مبالٍ بما يعانيه إخوانه المؤمنون، بل يعاون أخاه عند الحاجة ويقف معه في الشدائد ويبذل له من ماله حتى تزول كربته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من نفّس عن مسلم كربةً من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربةً من كُرَب يومِ القيامة ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن سترَ مسلمًا ستَرهُ الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليس المؤمن الذي يشبع وجارُه جائع ).
ومن مظاهر حب الخير للمؤمنين ( النصرة ):
فالمسلم المستقيم لا يترك أخاه يواجه الباطل بمفرده بل يدافع عنه إذا اعتدي عليه.
وتكون نصرتُه بتمكينه من أن ينالَ حقَّه كما تكون بردعِه ومنعِه من أن يعتدِي أو يظلِم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( انصر أخاك ظالمـًا أو مظلومًا ) فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلومًا أفرأيتَ إذا كان ظالمـًا كيف أنصره؟ قال: ( تحجُزُه عن الظلم فإن ذلك نصرُه ).
فهذه بعضُ مظاهرِ حبِّ الخير للمؤمنين.
ويجب على المسلم أن يترجمَ هذا الحبَّ إلى أعمال وأقوال ومشاعر.
وقد جعل الإسلام مرتبتين يتحقق من خلالهما حبُّ الخير للمؤمنين في صورة سلوكٍ ملموسٍ ومشاهد.
المرتبة الأولى ( الإيثار على النفس ):
فأعلى مراتب حب الخير للمؤمنين أن تحب الخير لهم وتقدمهم على نفسك فيعيش المسلم مع هذه المرتبة كالشمعة تحرق نفسَها لتضيء للآخرين.
وقد أثنى الله على الأنصار حين آثروا إخوانهم المهاجرين على أنفسهم قال تعالى: ( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ).
والمرتبة الثانية ( إنزال الآخرين منزلة النفس ):
وهي مرتبة أدنى من مرتبة الإيثار وهي ما عناها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ).
ويتعلق بهاتين المرتبتين ضرورةُ كف الظلم والأذى عن المؤمنين، فمن تدنى مستواه إلى الحد الذي لا يأمن المسلمون ظلمه وأذاه فقد فقَدَ كمالَ الإيمانِ الواجب بسبب ما يمارسه على إخوانه من الظلم والأذى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ).
والله تعالى يقول في كتابه العظيم: ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، ضربَ لنا أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أروعَ الأمثلة في الإيثار وتفضيلِ المؤمن على النفس.
فمن ذلك ما حكاه أبو هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني مجهود.
فأرسلَ صلى الله عليه وسلم إلى بعض نسائِه فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء! ثم أرسلَ إلى أخرى فقالت مثلَ ذلك حتى قُلْنَ كلُّهن مثلَ ذلك!
فقال: من يُضيفُ هذا الليلةَ ؟ - رحمه الله -.
فقام رجلٌ من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله. فانطلقَ به إلى رَحْلِه فقال لامرأتِه: هل عندك شيء؟ قالت: لا. إلا قوتُ صِبياني! قال: فعلِّليهم بشيء فإذا دخل ضيفُنا فأطفئي السِّراج وأريهِ أنّا نأكل فإذا أهوى ليأكلَ فقومي إلى السِّراج حتى تطفئيه.
فقعدوا وأكلَ الضيف.
فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( قد عجِبَ الله من صنيعِكما بضيفِكما الليلة ).
وعن أنس رضي الله عنه قال: قدِمَ عبدُ الرحمن بنُ عوف المدينة فآخى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعدِ بنِ ربيع الأنصاري وكان سعدٌ ذا غِنى فقال لعبدِ الرحمن: أقاسمُك مالي نصفين وأزوّجك. قال: بارك الله لك في أهلك ومالك دلوني على السوق.
ولما طُعِنَ أميرُ المؤمنين عمرُ بنُ الخطاب رضي الله عنه قال لولده عبدِ الله بنِ عمر: انطلق إلى عائشةَ أمِّ المؤمنين فقل: يقرأُ عليكِ عمرُ السلامَ ولا تقل: أميرُ المؤمنين؛ فإني لستُ اليوم للمؤمنين أميرًا. وقل: يستأذنُ عمرُ بنُ الخطاب أن يُدفَنَ مع صاحبَيهِ. فسلّمَ واستأذنَ ثم دخل عليها فوجدها قاعدةً تبكي! فقال: يقرأُ عليكِ عمرُ بنُ الخطابِ السلامَ ويستأذنُ أن يُدفنَ مع صاحبيَهِ. فقالت: كنتُ أريدُه لنفسي ولأوثرَنّهُ به اليومَ على نفسي.
فدُفِنَ حيث أحبّ -رضي الله عنهم أجمعين-.
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More