تعديل

الشيخ محمد سعيدباصالح

الجمعة، 13 يناير 2017

خطبة ( الوحدة الإسلامية )

الوحدة الإسلامية
[ ١٥|٤|١٤٣٨هالموافق ١٣|١|٢٠١٧م ]
جامع الرحمة بالشحر
الخطيب/ محمد بن سعيد باصالح
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، قال الله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ).
أمة الإسلام، كان المؤمنون يتعرضون لحملات من التشكيك من قِبَل اليهود والنصارى، بهدف إضعاف إيمانهم وصرفهم عن عقيدتهم وإغراقهم في الشهوات والمطامع، فجاءت هذه الآيات لتبين لهم أن السبيل الذي يمكّنهم من الصمود في وجه حملات التشكيك والتفريق يتمثل في ثلاثة أمور:
الأمر الأول: صلاحُ الذات والاستقامةُ على أمر الله:
ويكون ذلك بتعميق معنى الإيمان في النفوس وتعهُّدِه بالرعاية حتى ينموَ ويُثمرَ حالةً من التقوى التي تمثل الطاعة المطلقة لله تعالى، والانقياد الكامل لتعاليم الشريعة، والثبات الدائم على المبادئ الإٍسلامية، مهما كانت الظروف والمتغيرات، فهي التي تجعل الإنسان ينطلق في فكره وعمله وعاطفته وعلاقاته، من خلال مراقبة أمر الله تعالى في مختلف شئون حياته، وفي هذا يقول ابن مسعود رضي الله عنه: " تقوى الله أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر ".
فإذا كان كل فرد على هذا المستوى من الإيمان والاستقامة، فإن المجتمع سيكون قادرًا على مقاومة أنواع الشرور، ومهيئًا للصمود في وجه التحديات.
الأمر الثاني: الاعتصام بحبل الله:
والاعتصام بحبل الله يعني الوحدة القائمة على المبادئ والقيم التي أرسى القرآن الكريم دعائمها، وليست كأي تجمع ينشأ وفق رؤية بشرية محدودة، ويهدف لتحقيق مطالب دنيوية معينة؛ لأن المجتمعين من أجل مصالح دنيوية سرعان ما يختلفون وتنقلب مودتهم عداوة.
وقد حث القرآن الكريم على  التعاون الإيجابي مهما كان محدودًا، فقال تعالى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) وذلك لأن التعاون يحمي الفرد من الضياع ويرتقي بمستوى العلاقة بين أبناء المجتمع، ويعتبر سلاحًا فعالًا لصد الأعداء والمتربصين.
وفي المقابل نهى الله تعالى عن التفرق؛ لأنه يؤدي إلى التنازع والفشل وضعف الموقف كما قال الله تعالى: ( وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ).
ولكي تكون الصورة أكثر وضوحًا ذكّر الله تعالى المسلمين بما كان عليه العرب قبل الإسلام من الفرقة والعداوة والتمزق والضعف، وكيف أصبحوا أمة متآلفة بعدما جمعهم الإسلام في إطار واحد؛ ليقارنوا بين الحالين، ويدركوا الفرق بين سوء العداوة ونعمة المحبة، ويجتنبوا أسباب الفرقة والتخاذل، ويُقبِلوا على دواعي الألفة والتعاون.
وليس معنى الوحدة إلغاء التنوع الذي فطر الله الناس عليه، بحيث يصبح الناس نسخًا مكررة عن بعضهم، ولكنه يعني أن على المسلمين أن يتلمسوا الركائز التي تقوم عليها وحدتهم، من خلال معرفة مواطن الوفاق للتعاون فيها، واكتشاف عناصر الخلاف للتفاهم عليها، في ضوء ما شرح القرآن من أساليب وقواعد للحوار، من أجل الوصول إلى الحقيقة، بعيدًا عن الاستغراق في الخلافات بدوافع العُقَد الطائفية والعِرقية المشبّعة بالحقد والضغينة، وردود الأفعال السلبية.
الأمر الثالث: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيلة من وسائل حماية الدين وصيانة الشريعة ووقاية المجتمع من التصدع، وتقويم الأخلاق والسلوك، لهذا يعد إحدى الفرائض التي حكم الشارع بوجوبها، وأدرك العقل ضرورتها؛ لما لها من أثر في صلاح الفرد وحفظ كيان الأمة من الانحراف، فبالأمر بالمعروف يعم الخير وتنتشر الفضيلة، وبالنهي عن المنكر يختفي الشر وينحسر الفساد.
وقد بين الله تعالى في القرآن أن التخلي عن هذا المبدأ كان أحد أسباب فساد بني إسرائيل وتفرقِهم وغضبِ الله عليهم فقال تعالى: ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ. كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ).
لهذا حذّر المسلمين من الوقوع فيما وقعوا فيه فقال: ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ).
ولأهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تصحيح مسار الأمة وضع الإسلام أحكامًا وتشريعات تبين كيفيته، حتى لا يتحول إلى فوضى وتأتي نتائجه عكسية فقال تعالى: ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ).
ومن الحكمة أن يأتي الأمر والنهي متدرّجًا حسب ما تقضي به الأحوال، بحيث لا يؤدي إنكار المنكر إلى مفسدة أعظم منه.
ويشترط أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر على درجة كافية من المعرفة بالشريعة الإسلامية والوعي بأوضاع المجتمع، وظروف الأفراد والجماعات ليتمكن من تشخيص المنكر والمعروف حتى لا يأمر بما يظنه معروفًا وهو منكر، أو ينهى عن ما يظنه منكرًا وهو معروف.
ومن أشكال المعروف: الاعتصامُ بحبل الله، والتوكُّلُ عليه، وحسنُ الظن به، وبرُّ الوالدين، والصبرُ عند البلاء، والعفة، والحلمُ عند الغضب، وإنصافُ الناس، وإصلاحُ النفس عند ميلها إلى الشر، والزهدُ في الدنيا، والصدق، والأمانة، والتواضع، والتعاون، والكلام الحسن.
ومن أشكال المنكر: السعيُ للفرقة، والغصب، والحسد، والتعصب، والطمع، والظلم، والبغي، والعدوان، والكذب، والخيانة، والغش، والتكبر، والغيبة، والربا، والزنا، والسرقة، وشربُ الخمر، وأكلُ الميتة، ولحمِ الخنزير وتعاطي المخدِّرات، والسباب، والشتائم، والرشوة، والعبث بالمال العام، وعقوق الوالدين، وقطيعة الرحم..
أقول قولي هذا وأستغفر الله..
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، هذه أيام امتحانات، فحثوا أولادكم على المذاكرة والجد والاجتهاد ووفّروا لهم الجو المناسب للمذاكرة والمراجعة.
وندعو الطلاب إلى بذل المزيد من الجهد والاهتمام والحرص على تحقيق أفضل المستويات وأعلى الدرجات، والاستعانة على العلم بالأسباب المادية والمعنوية ومن ذلك: الدعاء، ولزوم الطاعة، والبعد عن الذنوب والمعاصي، والمبالغة في بر الوالدين، والصدقات، وتحري الرزق الحلال، وتحري الدرجة الحلال، وترك الغش والخداع والتزوير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من غش فليس منا ".
وإذا استصعب عليك أمر فسل الله التسهيل؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اللهم لا سهلَ إلا ما جعلتَه سهلًا وأنت تجعلُ الحَزْنَ - إذا شئتَ - سهلًا ".
وكان ابن تيمية إذا أشكلت عليه المسائل يقول: يا معلّم إبراهيم علمني ويكثر الاستعانة بذلك اقتداءً بمعاذ بن جبل - رضي الله عنه -.
قال مالك بن يُخامِر: لما حضرتُ الوفاةُ معاذَ بنَ جبل بكيت فقال: ما يبكيك؟ قلت: والله ما أبكي على دنيا كنت أُصيبها منك ولكن أبكي على العلم والإيمان اللَّذَينِ كنتُ أتعلَّمُهما منك. فقال معاذ: إن العلمَ والإيمانَ مكانَهما، من ابتغاهما وجدهما، اطلب العلم عند أربعة: فذكر هؤلاء الأربعة - ومنهم ابن مسعود وأبو الدرداء وأبو موسى الأشعري - ثم قال: فإن عجَـز عنه هؤلاء فسائرُ أهل الأرض عنه أعجز فعليك بمعلّم إبراهيم!
قال: فما نزلتْ بي مسألةٌ عجَزتُ عنها إلا قلتُ يا معلِّم إبراهيم!
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More