تعديل

الشيخ محمد سعيدباصالح

الجمعة، 27 ديسمبر 2013

خطبة ( العدل في الإسلام )


العدل في الإسلام

24/2/1435هـ الموافق 27/12/2013م

الخطبة الأولى

أيها المسلمون، ما هو العدل؟ العدل كلمة واحدة هي الإسلام، فالعدل والإسلام وجهان لعملة واحدة؛ ومن أجل العدل أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب؛ ليقوم الناس بالقسط، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ، وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ، وَالْمِيزَانَ؛ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾.
أيها المسلمون، الآيات والأحاديث في العدل كثيرة، فمن الآيات:
قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾، وهي آية نرددها كل جمعة؛ لما فيها من الحكمة والبيان، وهي عنوان الإسلام.
والعدل مطلوب، ولو كان على النفس أو الأقربين ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾.
وفي السنة أحاديث كثيرة في الأمر بالعدل، فمن ذلك:
ما رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن نقول بالعدل أين كنَّا، لا نخاف في الله لومة لائم ".
وقال صلى الله عليه وسلم: " إنَّ المقسطين يوم القيامة على منابر من نور، عن يمين الرحمن، الذين يعدلون في حكمهم، وأهليهم، وما وُلُّوا ".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سبعة يظلُّهم الله تعالى في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: إمام عادل .. ".
قال ابن رجب: " الإمام العادل: هو أقرب الناس من الله يوم القيامة، وهو على منبر من نور على يمين الرحمن؛ وذلك جزاء لمخالفته الهوى، وصبره عن تنفيذ ما تدعوه إليه شهواته وطمعه وغضبه، مع قدرته على بلوغ غرضه من ذلك؛ فإنَّ الإمام العادل دعته الدنيا كلها إلى نفسها، فقال: إني أخاف الله رب العالمين، وهذا أنفع الخلق لعباد الله؛ فإنه إذا صلح صلحت الرعية كلها "
وقال ابن تيمية: " العدل نظام كلِّ شيء، فإذا أُقيم أمر الدنيا بعدل قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، ومتى لم تُقَم بعدل لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة ".
وقال أيضًا: " وأمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق، وإن لم تشترك في إثم؛ ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة؛ ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة. ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام ".
وللعدل صور كثيرة، وهو يدخل في كل مناحي الحياة، فمن صور العدل:
- العدل في الولايات؛ سواء كانت الولاية عامة أو خاصة؛ فيجب على كل من تولى ولاية أن يعدل فيها ويستعين بأهل الصدق والعدل، وإذا تعذَّر ذلك استعان بالأمثل فالأمثل.
- ومن صور العدل، العدل في الحكم بين الناس، سواء كان قاضيًا أو صاحب منصب أو مصلحًا بين الناس، وذلك بإعطاء كل ذي حق حقه، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾، وكذلك العدل في الصلح بين الناس، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾.
- ومن صور العدل، العدل بين الزوجات؛ في النفقة والمسكن والمبيت والكسوة، قال تعالى: ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾.
أما الميل القلبي فلا يؤاخذ به كما قال تعالى: ﴿ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾
- ومن صور العدل، العدل بين الأبناء، في الهبات والعطايا والأوقاف، قال صلى اله  عليه وسلم: " اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم ".
- ومن صول العدل، العدل في القول، فلا يقول إلا حقًّا، ولا يشهد بالباطل، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾
وقال جل وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾.
- ومن صور العدل، العدل مع غير المسلمين، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾
وفي السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي نماذج مشرقة من العدل، فمن ذلك:
أنَّ قريشًا أهمَّهم شأن المرأة التي سرقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: من يكلِّم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكلمه فيها أسامة بن زيد، فتلوَّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟! فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول الله. فلما كان العشي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب الناس، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال أما بعد، فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني - والذي نفسي بيده - لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ".
وفي عهد عمر، كان عمر رضي الله عنه يأمر عماله أن يوافوه بالموسم، فإذا اجتمعوا قال: " أيها الناس، إني لم أبعث عمالي عليكم ليصيبوا من أبشاركم ولا من أموالكم، إنما بعثتهم ليحجزوا بينكم، وليقسموا فيئكم بينكم، فمن فُعِل به غير ذلك فليقم. فما قام أحد إلا رجل واحد قام، فقال: يا أمير المؤمنين، إنَّ عاملك فلانًا ضربني مائة سوط. قال: فيم ضربته؟ قم فاقتص منه. فقام عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين، إنك إن فعلت هذا يكثر عليك، ويكون سنة يأخذ بها من بعدك. فقال: أنا لا أُقيد! وقد رأيت رسول الله يقيد من نفسه! قال: فدعنا فلنرضِه. قال: دونكم فأرضوه. فافتدى منه بمائتي دينار. كل سوط بدينارين ".
ولما أُتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتاج كسرى وسوارَيه، قال: " إنَّ الذي أدَّى هذا لأمين! فقال له رجل: يا أمير المؤمنين، أنت أمين الله يؤدون إليك ما أديت إلى الله تعالى، فإذا رتعت رتعوا ".

الخطبة الثانية

أيها المسلمون، نؤكد على أمرين:
الأمر الأول: حرمة الدم المسلم، والتورع عن الدماء؛ فإن أمرها شديد، ولما قتل أسامة ذلك الرجل الذي قال: لا إله إلا الله، عاتبه النبي صلى الله عليه وسلم معاتبة شديدة وقال: أقال: لا إله إلا الله وقتلته؟ قال: إنما قالها خوفًا من السلاح، قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم قالها أم لا؟ فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ، فقال سعد بن أبي وقاص: وأنا والله، لا أقتل مسلمًا حتى يقتله ذو البُطَين – يعني أسامة بن زيد -، فقال رجل: ألم يقل الله: ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ﴾؟ فقال سعد: قد قاتلنا حتى لا تكون فتنة، وأنت وأصحابك تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ".
وهذه القصة في إنسان الأصل فيه الكفر، وقتل عددًا من المسلمين، في معركة بين المسلمين والكفار، ومع ذلك انظر كيف عاتبه النبي صلى الله عليه وسلم على قتله؟ فكيف بإنسان الأصل فيه الإسلام؟
للأسف، صارت الشهادتان لا قيمة لها عند كثير من المسلمين؛ يقتلون المسلم وهو يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، يشترك في هذا الدول والأفراد؛ فلا الدول عندها قيمة للمسلمين, ولا الناس عندهم قيمة للمسلمين إلا من رحم ربك.
الأمر الثاني: التأكيد على سلمية الهبة الشعبية، ونرى أن نجاحها في المحافظة على سلميتها وتنظيمها، وعدم الانجرار إلى العنف والحرب، وقدرتها على إدارة الصراع وتوحيد الكلمة، وهناك محاولات غير بريئة لجرّ البلاد إلى العنف والفوضى والاحتراب الداخلي. ونحن نحذر من هذا المسلك ونعتبره محاولة للالتفاف على الهبة والقضاء عليها.
والدخول في الدماء غير محمود، وقد كان السلف يحبون أن يتمثلوا بهذه الأبيات:
الحربُ أولُ ما تكون فتيةً ** تسعى بزينتها لكل جهولِ
حتى إذا اشتعلت وشبّ ضرامُها ** ولّتْ عجوزا غيرَ ذات حليلِ
 شمطاءُ يُنكَر لونُها وتغيّرت ** مكروهةً للشم والتقبيلِ
اللهم أصلح شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم بدل حالنا إلى أحسن حال..
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..

3 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More