خطوط وخطوات
[
14/6/1436هـالموافق 3/4/2015م ]
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، في ظل الأوضاع التي تمر بها البلد نسلط
الضوء على الخطوط العريضة للميزان الذي نزن به الأمور والخطوات الصحيحة نحو العمل
للدين وتأمين الحياة ودفع البغاة وكفاية الشرور والمكروهات.
الخط الأول: تحديد المرجعية: ما هي المرجعية الدينية التي نرجع
إليها ونصدر عنها ونلتزم توجيهاتها؟ ما هي المرجعية الأقدر على معرفة الأحكام
الشرعية؟ ما هي المرجعية الأجدر بمعرفة خير الخيرين وشر الشرين وتقدير المصالح
والمفاسد؟ إنها العلماء الربانيون الذين تشبعوا
بالعلم الشرعي وسرى الفقه في نفوسهم وأرواحهم وقضوا حياتهم مع النصوص والأحكام
الشرعية وأدركوا معاني الشريعة وعللها وأسرارها وقواعدها ومبادئها ومبانيها وتميزوا
بالقدرة على الترجيح بين المنافع والمضار المتعارضة وبرزوا في معرفة الأحق
بالتقديم عند تعارض المصالح والمفاسد واشتهروا بالعلم والفضل والورع والدين.
قال تعالى: " إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ
مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ "، وقال: " وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ "، وقال: " قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
"، وقال: " وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ", وقال: " كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ
يَعْلَمُونَ "، وقال: " قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا
تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ "، وقال: " كَذَلِكَ يَطْبَعُ
اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ " وقال: " قُلْ هَلْ يَسْتَوِي
الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ "، وقال: " وَقَالَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا
وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ "، وقال: " بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ
فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ "، وقال:" وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ
فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ "، وقال:
" وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ "، وقال:
" يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ
دَرَجَاتٍ ".
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
" قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا
شِفَاءُ الْعِيّ السُّؤَالُ ". وفي مثل هذه الظروف والأوضاع ينبغي الحذر من
أنصاف المتعلمين والمتفقهين والمتصدرين قبل أوانهم، ومن تصدر قبل أوانه فقد تصدّى
لهوانه.
الخط الثاني: الشورى: فالشورى أمان من الاستبداد الفكري
والتفرد بالرأي وأداة لتجنيب الأمة ويلات الآراء الشاذة والقرارات المتسرعة كما
أنها تكشف جوانب المشكلة وحدودها وطبيعة المرحلة وأبعادها ويُنتقَى من مجموع
الآراء أصوبُها وأصلحها وأجملها وأحسنها وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم
وهي سيد الخلق بمشاورة المؤمنين فقال تعالى: " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ
لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ
فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ".
فكان عليه الصلاة والسلام يشاور
أصحابه في أمور الحرب والسلم والقضايا العامة والأمور الخطيرة كما جرى في غزوة بدر
وأحد والخندق وكان ينزل على رأيهم كما في غزوة بدر حين أشار عليه الحباب بن المنذر
بتغيير الموقع، وكما في أحد لما كان رأي الأكثرية الخروج إلى العدو..
والشورى سمة ظاهرة من سمات المؤمنين
قال تعالى: " وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ " كما أن الاستبداد
والغرور والتفرد سمة أساسية من سمات المتكبرين " قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ
إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ".
والتفرد بالرأي هو بوابة النكبات والشرور
والهلكات..
رأي الجماعة لا تشقى البلاد به * رغم
الخلاف ورأي الفرد يشقيها !
الخط الثالث: الاجتماع لا الافتراق
والائتلاف لا الاختلاف والتوافق لا التنازع: فالتنازع سبب الفشل والضعف, والصراع
على الزعامة سبب الهلاك والهزيمة قال تعالى: " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ
يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ " وقال
تعالى: " وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ
رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ".
ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم
معاذًا وأبا موسى إلى اليمن قال: " يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا
ولا تختلفا ".
فالتفرق والتنازع، والنظر من زوايا
ضيقة ومصالح خاصة يؤدي إلى الضعف العام لمجموع الأمة وهزيمتها وانكسارها.. فالواجب
ترك المشاريع الخاصة والعمل في إطار الهدف العام وعلينا ترك المصالح الصغرى لتحصيل
المصلحة الكبرى.
كونوا جميعًا يا بَنيّ إذا اعترى *
خطْبٌ ولا تتفرقوا آحادًا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرًا *
وإذا افترقن تكسرت أفرادًا
الخط الرابع: طاعة الله ورسوله وكثرة
العبادة والدعاء والثقة بنصر الله: فالنصر لا يتحقق بالأماني والأغاني ولا بالمفاخرات
والمباهاة وإنما يتحقق بطاعة الله ورسوله وكثرة الدعاء والصلاة والصدق مع الله
والصبر والتقوى.. قال تعالى: " وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا
رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ
الْكَافِرِينَ "، وقال تعالى: " وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ
رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا
وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا
أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ
أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ".
ويومَ بدر نظر نبي الله صلى الله عليه
وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا فاستقبل نبي الله صلى
الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه وجعل يهتف بربه: " اللهم أنجز لي ما وعدتني
اللهم آتني ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض.
فما زال يهتف بربه مادًا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه من منكبيه فأتاه أبو بكر
فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه فقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك
إنه سينجز لك ما وعدك ".
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
" لقد رأيتُنا ليلة بدر وما فينا إنسان إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه
وسلم فإنه كان يصلي إلى شجرة ويدعو حتى أصبح ".
هذا هو عنوان العبودية وطريق النصر الأكيد،
وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم.
أما الشعارات والأصوات العالية
بعيدًا عن رحاب العبودية وكهف الصلاة وروحانية الدعاء فإنها تتبخر سريعًا.
أين الشعارات أين المالئون بها
الدنيا * لَكَم زوّروا التاريخ والكتبا !
فلا خيول بني حمدان راقصة زهوًا * ولا المتنبي
مالئٌ حلبا !
وقبر خالد في حمص تلامسه * فيرجف
القبر من زوّاره غضبًا
يا رُبّ حيٍّ رخام الأرض مسكنه * ورُبَّ
ميتٍ على أقدامه انتصبا !
الخط الخامس: التثبت والتحري في نقل
الأخبار وروايتها:
والنظر فيما يصلح للنشر وما لا يصلح؛ حتى لو كان صحيحًا، والحذر من الإشاعات قال
تعالى: " يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا
أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ
"، وقال تعالى: " وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ
أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ
لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ".
نسأل الله أن يرد كيد الكائدين في
نحورهم..
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم
لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة
الثانية
أيها المسلمون، هناك تنبيهات:
التنبيه الأول: ما حصل من
السلب والنهب للممتلكات العامة هنا وفي المكلا أمر مؤسف جدًا. وشيء يتنافى مع
ديننا وقيمنا ومبادئنا وأخلاقنا، يتنافى مع الأمانة التي كانت وما زالت سمةً لنا
وعنوانًا علينا، يتنافى مع ما هو مطلوب في الأزمات من التعاون والتكاتف والتآزر،
يتنافى مع القيم الإنسانية، ويجسد الأنانية والأثرة وحبَّ النفس في أسوأ صورها..
يجب على من قام
بهذه الأعمال المشينة أن يتوب إلى الله مما فعل ويستغفرَ الله ويرد ما أخذه من
أموال عامة أو خاصة.
التنبيه
الثاني:
ندعو إلى توحيد الصف وتوحيد الكلمة والتعاون على البر والتقوى، والتكاتف، وأن يحمل
القوي الضعيف ويساعد الغني الفقير، ففي الأزمات يُمتحَن الإيمان قال تعالى: "
فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ *
أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا
ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا
بِالْمَرْحَمَةِ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ".
التنبيه الثالث: ندعو إلى التعاون على حماية البلاد وتأمينها بتشكيل
لجان شعبية للحماية والحراسة ومنع الفوضى والانفلات الأمني وتأمين حاجيات الناس
ومصالحهم وحراسة المرافق العامة وأن نكون يدًا واحدةً ضد المخربين والمعتدين ويجب
أن نكون إيجابيين ونأخذ بزمام المبادرة ولا ننتظر حتى تتفاهم الأمور ويستفحل
الشر.. نسأل الله أن يحمي البلاد من العدوان والبغي وأن يصرف عنا كل مكروه ويحمينا
من كيد الكائدين ومكر الماكرين.. ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين
0 التعليقات:
إرسال تعليق