جريمة
نهب المال العام والخاص
[
21/6/1436هـالموافق 10/40/2015م ]
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، إنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع
إلا بتوبة، وإن ما نمر به من الكرب هو بسبب ذنوبنا وبُعدنا عن ديننا.. قال أحكم
الحاكمين وأصدق القائلين:" ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا
كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
".
الفساد بكل أنواعه وأشكاله، بكل صوره
وآثاره وظلاله.. الفتن المحيرة، الحروب المدمّرة، الاضطرابات المزعزِعة، الفوضى
المروِعة.. كلها إفرازات للظلم؛ ظلم النفس بفعل الذنوب، وظلم الآخرين بالعدوان
عليهم في أنفسهم وأموالهم وممتلكاتهم..
لما انتهكت الحرمات وشاع الظلم والرُّشا
والفساد السياسي والمالي والإداري والقضائي وتفشت الانحرافات السلوكية والاختلالات
الاجتماعية جاءت العقوبة في صور شتى.. كل عقوبة مقابلة لذنب معين..
قال سيد الخلق صلى الله عليه وسلم:
" يا معشر المهاجرين، خصال خمس، إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم
تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن
مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة
وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء ولولا البهائم
لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم فأخذوا
بعض ما كان في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل ويتحرّوا فيما أنزل الله
إلا جعل الله بأسهم بينهم ".
الأمراض القاتلة والأوبئة المستعصية
مقابل ظهور الفاحشة والإعلان بها؛ يعني مقابل الفساد الأخلاقي.
والفقر والفاقة وشدة العيش وظلم
السلاطين مقابل التطفيف والغش في المعاملات؛ يعني مقابل الفساد المالي.
وانحباس الغيث من السماء مقابل حبس
الزكاة. ولولا البهائم المرحومة ما نزلت عليهم قطرة من السماء!
وتسلط الأعداء والاستيلاء على
الثروات والممتلكات مقابل نقض العهد..
والفتن والحروب والصراعات مقابل ترك
الحكم بكتاب الله..
فما هو المخرج؟
المخرج هو في الرجوع إلى الله والتوبة من
الذنوب كلها..
خلِّ الذنوب صغيرَها * وكبيرَها ذاك
التقى
واصنعْ كماشٍ فوق أر * ض الشوك يحذر
ما يرى
لا تحقرنّ صغيرةً * إن الجبال من
الحصى
المخرج هو في الرجوع إلى الله أفرادًا
وشعوبًا وحكومات، العودة إلى ديننا الحنيف ومنهجنا الشريف وأخلاقنا العالية ومبادئنا
السامية.. العودة الشاملة بالتوبة من الذنوب الفردية والجماعية، التوبة من الفساد
السياسي والمالي والإداري، التوبة من السلبية القاتلة والفردية المهلكة والأنانية
المقيتة، التوبة من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ على يد الظالم
ومنعه من الظلم فردًا كان أو مؤسسة أو قبيلة أو عصابة أو جماعة..
" لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي
عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ".
هذه حكمة من حكم الابتلاء..
إن من رحمة الله تأديب الناس بالعذاب
الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون إلى ربهم، لعلهم يصلحون حالهم ويتداركون
تفريطهم في جنب الله " وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ
الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ "..
يمسّنا العذاب الأدنى حتى لا نطغى
ولا ننسى.. يمسنا العذاب الأدنى حتى نتوب فننجو من العذاب الأدهى.
" أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ
فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ
".
إنها فتن تصيب المذنبين كل عام مرة
أو مرتين بسبب تقصيرهم لعلهم يتوبون أو يذكرون..
ومن حكم الابتلاء: اتخاذ الشهداء وتصفية الصف الإسلامي
من الخونة والمنافقين والكاذبين وتربية المؤمنين على معاني الإيمان وقيمه وغرس تلك
المعاني في القلوب وتطهير النفوس من الخلل والقصور والعيوب.
" إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ
مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ
وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ
لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ
الْكَافِرِينَ ".
ومن حكم الابتلاء: محق الكافرين ودفع المبطلين وحماية
جناب الدين..
" وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ
بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ "، " وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ
النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ
يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ
اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ "، " وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ
وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ".
أيها المسلمون، إن مما تجب التوبةُ منه وإنكارُه
ومنعُه ومقاومتُه النهبَ الذي شمل الأموال العامة والخاصة والعدوانَ على المرافق
العامة والخاصة..
لقد أصيب الناس بالصدمة وهم يشاهدون
بلد الأمانة والرحمة والتكافل ينهب!
فجأةً.. غاب الإيمان عن بلد الإيمان وعادت
أخلاق الجاهلية وعدنا إلى السلب والنهب أيام الجاهلية الأولى، من استولى على شيء
حازه..
فجأةً.. امتلأت مواقع الأخبار بأخبار
النهب المخزية وصور النهّابين المشينة، والحرائق والنيران تلتهم ما تبقى مما لا
يقبل النقل والتحويل والحيازة..
فجأة.. ظهرت عصابات السلب ورفاق النهب,
المتعاونون على الإثم والعدوان والغصب، وتمزق رداء الحياء وشيعت الأخلاق والقيم في
أعظم جنازة.
لقد ذاب الوازع الديني وغاب الوازع
الأخلاقي وتبين بوضوح الخلل الكبير الذي أصاب المجتمع والدور الكبير الذي ينتظر
الدعاة والمربين والمصلحين.
إنها أفعال مشينة وتصرفات مخزية تجب
التوبة منها ويجب رد الأموال المنهوبة فإنها لا تحل لمن أخذها بل هي حرام، وسيبقى
عارها على فاعليها إلا من تاب ورد ما أخذ، قال الله جل وعلا: " وَلَا تَأْكُلُوا
أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ "
وقال صلى الله عليه وسلم: " من
انتهب نهبة فليس منا " فالنهب دليل على ضعف الإيمان ورقة الدين وخفة الورع.
وقال عليه الصلاة والسلام " لا يزني
الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين
يسرق وهو مؤمن ولا ينهب نهبة ذاتَ شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو
مؤمن ".. وفي البخاري نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النهبى..
وفيه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال: " إني
من النقباء الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.. بايعناه على أن لا نشرك بالله
شيئًا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا ننتهب ولا نعصي،
بالجنة إن فعلنا ذلك ( يعني ولنا الجنة مقابل الوفاء بذلك ) فإن غشِينا من ذلك شيئًا
كان قضاء ذلك إلى الله ".
فيجب رد الأموال المنهوبة ولا تتحقق
التوبة إلا بذلك سواء كان المنهوب نقدًا أو عينًا من مرفق عام أو محل خاص أو بيت
أو غير ذلك..
اللهم ردنا إليك ردًا جميلًا ولا
تؤاخذنا بما فعل السفهاء منها.
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، هنا ثلاثة
تنبيهات:
التنبيه الأول:
التحذير من الاحتكار: نحذّر من احتكار الأقوات والوقود
وضروريات الحياة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحتكر إلا خاطئ
" أي مذنب.
وعن مالك -
رحمه الله - أنه بلغه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " لا حُكْرةَ في سوقنا،
لا يعمد رجال بأيديهم فضول من أذهاب إلى رزق من رزق الله نزل بساحتنا فيحتكرونه علينا
".
وعن مالك -
رحمه الله - أنه بلغه أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان ينهى عن الحُكْرَة.
التنبيه
الثاني: التعاون على الحماية والدفاع: ندعو جميع أهل
البلد إلى التعاون على حماية البلد وحفظ أمنها والدفاع عن المصالح العامة
والخاصة..
أيها الناس، دافعوا
عن بلادكم وحافظوا على مصالحكم من المفسدين والمخربين، ولا تنتظروا حماية من أحد..
واعلموا أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها " وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ
تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا ".. واختاروا قيادة موحدة،
حكيمة، مخلصة لدينها ووطنها، أمينة لا تشتري بعهد الله ثمنًا قليلًا..
التنبيه
الثالث: إغاثة أهل عدن: الناس في عدن في ظروف صعبة ووضع حرج
- كما لا يخفى على أحد - فندعو رجال الخير والمؤسسات الخيرية والناس جميعًا أن
يغيثوا إخوانهم بما يستطيعون.. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وكفانا الفتن ما
ظهر منها وما بطن..
0 التعليقات:
إرسال تعليق