أوقاتك في رمضان
٩|٩|١٤٣٩هـالموافق ٢٥|٥|٢٠١٨م
جامع الرحمة بالشحر
الخطيب / محمد بن سعيد باصالح
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، رمضان شهر شريف استمد حرمته ومكانته من نزول كلام الله تعالى فيه قال سبحانه: " شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ".
فحُقَّ لشهرٍ تنزلت فيه آيات الهداية والبيان لكل بني الإنسان أن تكون لأوقاته حرمتُها وعظمتها عندهم جميعًا.
ولهذا فإن للزمان في رمضان خصوصية وقيمة، فمن أضاع أوقاته فقد قصر وظلم نفسه، ومن قصر في رمضان فهو في بقية عمره أكثرُ تقصيرًا، وإذا غفِل عن تصرّم أوقاته وضياع ساعاتِه فهو دليل على ذهوله عن ملاحظة مراحل سفره بين انطلاقه ووصوله.
فراقب مسيرةَ عمرك وقارنه بمسيرة شهرك، وكيف قضاءُ وقتِك فيه لتعلم أين أنت؟
قال ابن القيم رحمه الله: " العبد من حين استقرت قدمه في هذه الدار فهو مسافر إلى ربه ومدة سفره هي عمره والأيام والليالي مراحل فلا يزال يطويها حتى ينتهي السفر، فالكيّس لا يزال مهتمًا بقطع المراحل فيما يقربه إلى الله ليجد ما قدّم حاضرًا، ثم الناس منقسمون إلى أقسام منهم من قطعها متزودًا بما يقربه إلى دار الشقاء من الكفر وأنواع المعاصي، ومنهم من قطعها سائرًا فيها إلى الله وإلى الدار الآخرة، وهم ثلاثة أقسام: سابقون أدوا الفرائض وأكثروا من النوافل بأنواعها وتركوا المحارم والمكروهات وفضول المباحات، ومقتصدون أدوا الفرائض وتركوا المحارم، ومنهم الظالم لنفسه الذي خلط عملًا صالحًا وآخر سيئًا وهم في ذلك متفاوتون تفاوتًا عظيمًا ".
فإذا كنتَ في شهرك وبقية عمرك من السابقين " فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ " وإن كنت فيهما من المقتصدين أصحابِ اليمين " فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ " وأما إن كنت من الظالمين المضيعين لساعاته وأوقاته فعجِّل بالرجوع وأسرع بالتوبة قبل أن يكون رمضانُ لك خصمًا والقرآنُ لك خصيمًا قال ابن رجب رحمه الله - مناديًا من أضاع أوقاتَه في رمضان - وهو لما سواها في الغالب أضيع: " يا من ضيع عمره في غير طاعة، يا من فرط في شهره بل في دهره وأضاعه، يا من بضاعته التسويف والتفريط وبئس البضاعة ! يا من جعل خصمَه القرآن وشهرَ رمضان، كيف ترجو من جعلتَه خصمَك يوم الشفاعة ! " .
إننا نبتلَى في رمضان بالاختيار بين هدى الله عز وجل وهديِ رسوله صلى الله عليه وسلم وبين نزَعات النفس ونزَعات الهوى فلا تغلبنّك الأهواء - أخي الصائم - على رأس مالك الذي هو دقائق عمرك.
أُعطيتَ مُلكًا فسُسْ ما أنت مالكُه
من لم يسُس ملكَه فالملكُ قاتلهُ
وبادر العمرَ فالساعاتُ تنهبُه
ما انقضى بعضُه لم يبقَ كاملهُ
وليس ينفع بعد الموت عضُّ يدٍ
من نادمٍ ولو انبتّتْ أناملهُ
فالله تعالى يريد منا أن نتباعد عن مساخطه وما يغضبه في أيام الصيام " لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " ويريد أقوام أباعد ممن يتبعون الأهواء والشهوات أن يباعدونا فيه عن الطاعة والتقوى بعرض الفتن على القلوب في الإذاعات والفضائيات وغيرها من ملتقيات الغفلة ومنتديات الإسفاف " يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ".
إن رمضان تلوح فيه فرصة نادرة لمريد اغتنام الأوقات واستثمار الأعمار، فرمضان عمرٌ قصير وأجلٌ محدود، له بداية منتظرة، ونهاية معروفة، فإذا نحن أضعناه فقد غبنّا أنفسنا وظلمنا أرواحنا إذ لم ننصفها من أجسادنا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ ".
وقد يكون الإنسان صحيحًا لكنه غير متفرغ لانشغاله بأمر المعاش وقد يكون متفرغًا لغناه ولكنه غير صحيح فإذا اجتمع له الصحة والفراغ فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون، نعوذ بالله من الغبن والخسارة وفوات الأجر..
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم..
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، إن رمضان ميزان ومقياس نقيس به مدى الغبن الحاصلِ في الأعمار والأوقات، فهناك من يُغبَن في عشره الأُوَل على أمل أن ينشط في أوسطه أو آخره، فيقصِّر في نوال الفضل، وهناك من ينشط في أوله ويكسل في أوسطه وآخره، انشغالًا عن الطاعات أو استثقالًا للعبادات، وهناك من يَغبِن نفسَه الشهرَ كلَّه فيخرج منه كما دخل فيه، بل ربما أسوأ مما دخل فيه، لأنه هجر القرآن في شهر القرآن، وأفطر قلبه وإن صام بدنُه، وترك السهر في عبادة الله وسهر في وادي الغفلة ودوَّنَ اسمَه في ديوان الغافلين.
يا مُذهبًا ساعاتِ عمرٍ ما لها
عِوَضٌ وليس لفوتِها إرجاعُ
أنفقتَ عمركَ في الخسار وإنه
وجعٌ ستأتي بعده أوجاعُ
إن شهر الصيام مقياس وميزان يمكننا به أن نقترب من المنزلة التي نحب أن نضع أنفسنا فيها في سائر عمرنا، ولا شك أن منزلة السابقين هي التي تشرئب إليها الأفئدة وتمتد إليها الأعناق فيمكننا أن نعرِّض أنفسنا لها ونعرض أنفسنا عليها في رمضان أداءُ للفرائض كاملة وإكثارًا من النوافل مع اجتناب المحرمات وترك المكروهات فإذا نجحنا في استغلال أوقات الشهر الكريم في ذلك فلعل النفس تتوطن به على الانتظام في مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم أعتق رقابنا من النار واجعلنا من عتقاء شهر الصيام، اللهم إنا نسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لنا..
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..
٩|٩|١٤٣٩هـالموافق ٢٥|٥|٢٠١٨م
جامع الرحمة بالشحر
الخطيب / محمد بن سعيد باصالح
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، رمضان شهر شريف استمد حرمته ومكانته من نزول كلام الله تعالى فيه قال سبحانه: " شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ".
فحُقَّ لشهرٍ تنزلت فيه آيات الهداية والبيان لكل بني الإنسان أن تكون لأوقاته حرمتُها وعظمتها عندهم جميعًا.
ولهذا فإن للزمان في رمضان خصوصية وقيمة، فمن أضاع أوقاته فقد قصر وظلم نفسه، ومن قصر في رمضان فهو في بقية عمره أكثرُ تقصيرًا، وإذا غفِل عن تصرّم أوقاته وضياع ساعاتِه فهو دليل على ذهوله عن ملاحظة مراحل سفره بين انطلاقه ووصوله.
فراقب مسيرةَ عمرك وقارنه بمسيرة شهرك، وكيف قضاءُ وقتِك فيه لتعلم أين أنت؟
قال ابن القيم رحمه الله: " العبد من حين استقرت قدمه في هذه الدار فهو مسافر إلى ربه ومدة سفره هي عمره والأيام والليالي مراحل فلا يزال يطويها حتى ينتهي السفر، فالكيّس لا يزال مهتمًا بقطع المراحل فيما يقربه إلى الله ليجد ما قدّم حاضرًا، ثم الناس منقسمون إلى أقسام منهم من قطعها متزودًا بما يقربه إلى دار الشقاء من الكفر وأنواع المعاصي، ومنهم من قطعها سائرًا فيها إلى الله وإلى الدار الآخرة، وهم ثلاثة أقسام: سابقون أدوا الفرائض وأكثروا من النوافل بأنواعها وتركوا المحارم والمكروهات وفضول المباحات، ومقتصدون أدوا الفرائض وتركوا المحارم، ومنهم الظالم لنفسه الذي خلط عملًا صالحًا وآخر سيئًا وهم في ذلك متفاوتون تفاوتًا عظيمًا ".
فإذا كنتَ في شهرك وبقية عمرك من السابقين " فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ " وإن كنت فيهما من المقتصدين أصحابِ اليمين " فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ " وأما إن كنت من الظالمين المضيعين لساعاته وأوقاته فعجِّل بالرجوع وأسرع بالتوبة قبل أن يكون رمضانُ لك خصمًا والقرآنُ لك خصيمًا قال ابن رجب رحمه الله - مناديًا من أضاع أوقاتَه في رمضان - وهو لما سواها في الغالب أضيع: " يا من ضيع عمره في غير طاعة، يا من فرط في شهره بل في دهره وأضاعه، يا من بضاعته التسويف والتفريط وبئس البضاعة ! يا من جعل خصمَه القرآن وشهرَ رمضان، كيف ترجو من جعلتَه خصمَك يوم الشفاعة ! " .
إننا نبتلَى في رمضان بالاختيار بين هدى الله عز وجل وهديِ رسوله صلى الله عليه وسلم وبين نزَعات النفس ونزَعات الهوى فلا تغلبنّك الأهواء - أخي الصائم - على رأس مالك الذي هو دقائق عمرك.
أُعطيتَ مُلكًا فسُسْ ما أنت مالكُه
من لم يسُس ملكَه فالملكُ قاتلهُ
وبادر العمرَ فالساعاتُ تنهبُه
ما انقضى بعضُه لم يبقَ كاملهُ
وليس ينفع بعد الموت عضُّ يدٍ
من نادمٍ ولو انبتّتْ أناملهُ
فالله تعالى يريد منا أن نتباعد عن مساخطه وما يغضبه في أيام الصيام " لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " ويريد أقوام أباعد ممن يتبعون الأهواء والشهوات أن يباعدونا فيه عن الطاعة والتقوى بعرض الفتن على القلوب في الإذاعات والفضائيات وغيرها من ملتقيات الغفلة ومنتديات الإسفاف " يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ".
إن رمضان تلوح فيه فرصة نادرة لمريد اغتنام الأوقات واستثمار الأعمار، فرمضان عمرٌ قصير وأجلٌ محدود، له بداية منتظرة، ونهاية معروفة، فإذا نحن أضعناه فقد غبنّا أنفسنا وظلمنا أرواحنا إذ لم ننصفها من أجسادنا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ ".
وقد يكون الإنسان صحيحًا لكنه غير متفرغ لانشغاله بأمر المعاش وقد يكون متفرغًا لغناه ولكنه غير صحيح فإذا اجتمع له الصحة والفراغ فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون، نعوذ بالله من الغبن والخسارة وفوات الأجر..
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم..
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، إن رمضان ميزان ومقياس نقيس به مدى الغبن الحاصلِ في الأعمار والأوقات، فهناك من يُغبَن في عشره الأُوَل على أمل أن ينشط في أوسطه أو آخره، فيقصِّر في نوال الفضل، وهناك من ينشط في أوله ويكسل في أوسطه وآخره، انشغالًا عن الطاعات أو استثقالًا للعبادات، وهناك من يَغبِن نفسَه الشهرَ كلَّه فيخرج منه كما دخل فيه، بل ربما أسوأ مما دخل فيه، لأنه هجر القرآن في شهر القرآن، وأفطر قلبه وإن صام بدنُه، وترك السهر في عبادة الله وسهر في وادي الغفلة ودوَّنَ اسمَه في ديوان الغافلين.
يا مُذهبًا ساعاتِ عمرٍ ما لها
عِوَضٌ وليس لفوتِها إرجاعُ
أنفقتَ عمركَ في الخسار وإنه
وجعٌ ستأتي بعده أوجاعُ
إن شهر الصيام مقياس وميزان يمكننا به أن نقترب من المنزلة التي نحب أن نضع أنفسنا فيها في سائر عمرنا، ولا شك أن منزلة السابقين هي التي تشرئب إليها الأفئدة وتمتد إليها الأعناق فيمكننا أن نعرِّض أنفسنا لها ونعرض أنفسنا عليها في رمضان أداءُ للفرائض كاملة وإكثارًا من النوافل مع اجتناب المحرمات وترك المكروهات فإذا نجحنا في استغلال أوقات الشهر الكريم في ذلك فلعل النفس تتوطن به على الانتظام في مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم أعتق رقابنا من النار واجعلنا من عتقاء شهر الصيام، اللهم إنا نسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لنا..
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..
0 التعليقات:
إرسال تعليق