تعديل

الشيخ محمد سعيدباصالح

الجمعة، 24 نوفمبر 2017

الإنابة

الإنابة
٦|٣|١٤٣٩هالموافق ٢٤|١١|٢٠١٧م
جامع الرحمة بالشحر
الخطيب / محمد بن سعيد باصالح
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، قال الله جل وعلا: " وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ " يأمر الله تعالى عباده بالتوبة والرجوع إليه والخضوع له قبل أن يأتيهم العذاب فلا ناصر لهم.
والإنابة هي الرجوع من الغفلة إلى الذكر، ومن الوحشة إلى الأنس، وهي تتضمن أربعة أمور: محبةَ الله، والخضوعَ له، والإقبالَ عليه، والإعراضَ عمّا سواه. فلا يستحقّ اسمَ " المنيب " إلّا من اجتمعت فيه هذه الأربع.
قال ابن القيّم رحمه الله : " من نزل في منزل التّوبة، وقام في مقامها نزل في جميع منازل الإسلام، فإذا استقرّت قدمه في منزل التّوبة نزل بعده في منزل الإنابة، وقد أمر اللّه تعالى بها في كتابه، وأثنى على خليله بها، فقال: " وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ " وقال: " إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ " وأخبر أنّ آياتِه إنّما يتبصّر بها ويتذكّر، أهل الإنابة فقال: " أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها إلى أن قال تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ " وقال تعالى: " هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ " كما أخبر تعالى أنّ ثوابه وجنّته لأهل الخشية والإنابة فقال: " وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ* هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ* مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ* ادْخُلُوها بِسَلامٍ " وأخبر سبحانه أنّ البشرى منه، إنّما هي لأهل الإنابة فقال: " وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى ".
والإنابة صفة النبيين والمؤمنين قال تعالى: " إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ " فإبراهيم عليه السلام كثير الحلم لا يحب المعاجلة بالعقوبة، كثير التضرع إلى الله والدعاء له كثير التوبة والرجوع إلى الله.
وفي الحوار الذي جرى بين شعيب عليه السلام وقومه قال: " إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ " فعبر عن تفويض الأمور إلى الله والاعتماد عليه بالتوكل وعبر عن العبادة والركون إلى الله وعكوف القلب عليه بالإنابة " عليه توكلت وإليه أنيب ".
والآيات المبثوثة في الكون الفسيح لا يكاد يراها إلا المنيب قال تعالى: " أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ".
فالمنيب كالبصير وغير المنيب كالأعمى تمر به الآيات ولا يراها ويسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرًا كأن لم يسمعها.
ووصف الله داود وسليمان عليهما السلام بالإنابة فقال: " وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ ".
وقال تعالى: " وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ ".
والهداية والتوفيق للمنيبين والضلالة والغواية لغير المنيبين قال تعالى: " قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ ".
وحين تدبر الدنيا وتقبل الآخرة تنزل الملائكة على المنيبين بالبشرى والأمان والسلام والإكرام قال تعالى:" وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ ".
ويوم تقوم الساعة تدنو الجنة من سكانها فيرون نورها وسرورها ويقال: هذه الدار داركم لخوفكم من الله وإنابتكم إليه قال تعالى: " وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ* هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ* مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ".
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، عن عبدالله بن بريدة الأسلمي عن أبيه قال: " خرج بريدة عشاء فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بيده فأدخله المسجد فإذا صوت رجل يقرأ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تراه مرائيًا؟ فأسكت بريدة, فإذا رجل يدعو فقال: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده أو قال والذي نفس محمد بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب قال: فلما كان من القابلة خرج بريدة عشاء فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بيده فأدخله المسجد فإذا صوت الرجل يقرأ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتقوله مراء؟ فقال بريدة: أتقوله مراء يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا بل مؤمن منيب لا بل مؤمن منيب. فإذا الأشعري يقرأ بصوت له في جانب المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الأشعري أو إن عبد الله بن قيس أعطي مزمارًا من مزامير داود. فقلت: ألا أخبره يا رسول الله؟ قال: بلى فأخبره فأخبرته فقال: أنت لي صديق أخبرتني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث ".
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..  

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More