تعديل

الشيخ محمد سعيدباصالح

الجمعة، 19 يناير 2018

الملك الصالح ذو القرنين

( الملك الصالح ذو القرنين )
٢|٥|١٤٣هـالموافق ١٩|١|٢٠١٨م
جامع الرحمة بالشحر
الخطيب / محمد بن سعيد باصالح
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، كان ذو القرنين ملكًا صالحًا، أعطاه الله من القوة وأسباب المُلك والفتوح ما لم يعطِ غيرَه، وذكر الله من حسن سيرته ورحمته وقوة ملكه وتوسعه في المشارق والمغارب ما يحصل به المقصود التام من أخذ العبرة من سيرته ومعرفة أحواله، فأخبر أنه أعطاه من كل شيء سببًا يحصل به قوةُ الملك، وعلمُ السياسة وحسنُ التدبير، والسلاحُ المُخْضِع للأمم، وكثرةُ الجنود، وتسهيلُ المواصلات.. ومع ذلك فقد اجتهد في الأخذ بالأسباب.
بدأ ذو القرنين يجاهد بجيشه حتى وصل إلى محلٍ إذا غربت فيه الشمس: " وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ " أي: رآها في رأي العين كأنها تغْرب في مياه طينية لونها أسود، ووجد عند ذلك المحل قومًا، منهم المسلم والكافر، والبر والفاجر، فخاطبه الله على لسان نبيِّ قومِه: " قُلْنَا يا ذَا القَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا. قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا. وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالحًا فَلَهُ جَزَاءً الحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ".
" ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا " أي: ثم عمل بالأسباب التي أُوتِيَها، فبعدما أخضع أهل المغرب رجع يفتح أقطار الأرض، حتى وصل إلى محل يسمى (مَطلِعَ الشمس)، وهذا منتهى ما وصل إليه الفاتحون.
 " وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا " أي: لا ستر لهم عن الشمس، لا ثياب ينسجونها ويلبسونها، ولا بيوت يبنونها ويأوون إليها، فالقوم الذين في أقصى المشرق بهذه الصفة والوحشية منقطعون عن الناس، حالهم كحال الوحوش، والمقصود أنه وصل إلى مكان بعيد عن المدنية والعمران، لم يصل إليه أحد.
ثم توجه إلى منطقة أخرى " حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ " بلغ فجوة تشكِّل محلًا متوسطًا بين سلسلتي جبال عظيمة شاهقة متواصلة، فوجد عند تلك الفجوة قومًا لا يكادون يفقهون قولًا؛ لبُعد لغتهم، وقلة علمهم، وضعف اتصالهم بالأمم.
فاستغاثوا بذي القرنين واشتكَوا بأنهم شعب ضعيف، تُغير عليهم قبائل متوحشة، تدعى يأجوج ومأجوج، يفسدون في أرضهم " قَالوا يا ذَا القَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا، قَال مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ " مِن خراجكم، والخراج: ضريبة مقابل الحماية..
فأخبرهم أن الحل ببناء ردم عظيم " أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا " بين سلاسل تلك الجبال، وأرشدهم إلى كيفية بنائه فقال: " آتُونِي زُبَرَ الحَدِيدِ " أي: استخرِجوا واجمعوا لي جميع قطع الحديد من صغار وكبار، واركموه بين السدين، ففعلوا ذلك حتى كان الحديد تُلولًا عظيمة موازنة للجبال، و " سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ " أي: اختار أنسب جبلين متصادفَين (متقابلَين) في سلسلة الجبال لبناء أساس الردم بينهما.
قال: " انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَال آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا " أي: أشعلوا نارًا عظيمة بحيث تحمى قطع الحديد فتصبح كأنها نار، ثم أمر بالقطر (النحاس المصهور) وجعل يسيِّله بين قطع الحديد المحمى، فالتحم بعضها ببعض، وتغلغل النحاس بين قطع الحديد، لتشكِّل الحاجز، فحصل بذلك المقصود من حبس قبائل يأجوج ومأجوج، ولهذا قال: " فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ " أي: يصعدوا ذلك الردم، " وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا " أي: ثقب الردم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله..
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، كان ذو القرنين حريصًا على بذل الأسباب وعدم الركون إلى الأحلام والتواكل وتمني حصول الكرامات بل كان يُتبِع السبب بالسبب.
فلما أخبروه أن يأجوج ومأجوج يهاجمونهم ويسفكون الدماء ويستحلون الأموال وأنهم لا قدرة على محاربتهم وضع لهم حلًا وبذل الأسباب لمعالجة هذه المشكلة وهذا دأب المسلم أن لا يقف عاجزًا أمام التحديات بل يبحث عن حلول ويستعين بالأسباب المادية ويعتمد على الله في تحقق النتائج.
وما نعانيه اليوم من تدهور العملة اليمنية وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وسوء الأوضاع بحاجة إلى اجتماع أرباب العقول النيرة والخبرة الواسعة من ذوي الاختصاص لوضع حلول مناسبة ومعالجة المشكلات وفق أسس علمية صحيحة، فبالصدق والأمانة والنية الصالحة والإدارة الناجحة نستطيع التغلب على المعوِّقات وتجاوز التحديات..
نسأل الله أن يبدل حالنا إلى أحسن حال..
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More