تعديل

الشيخ محمد سعيدباصالح

الجمعة، 26 يناير 2018

الأمانة

الأمانة
٩|٥|١٤٣٩هـالموافق ٢٦|١|٢٠١٨م
جامع الرحمة بالشحر
الخطيب / محمد بن سعيد باصالح
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، الأمانة من أبرز أخلاق الرّسل عليهم الصّلاة والسّلام، فنوح وهود وصالح ولوط وشعيب يخبرنا اللّه عزّ وجلّ عنهم أنّ كلّ رسول منهم قال لقومه: ( إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ).
ورسولنا محمّد صلى الله عليه وسلم كان في قومه قبل الرّسالة وبعدها مشهورًا بينهم بالأمين.
وجبريل عليه السّلام أمين الوحي، وقد وصفه اللّه بذلك في قوله: ( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ).
والمجالات الّتي تدخل فيها الأمانة كثيرة منها: الدِّينُ والأعراض والأموال والأجسام والأرواح والمعارف والعلوم والوِلايةُ والوِصاية والشَّهادة والقَضاء والكِتابة ونقل الحديث والرّسالات والسّمع والبصر وسائر الحواسّ.
قال تعالى في الأمر بالأمانة في الودائع والأموال والحقوق: ( وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ) أي إذا كنتم مسافرين وتداينتم بدين إلى أجل معين ولم تجدوا من يكتب فليكن مقام الكتابة رهن يسلمه المدين إلى صاحب الحق فإذا وثق بعضكم ببعض فلا بأس في أن لا تكتبوا أو أن لا تُشهدوا شاهدين وليتق المؤمن اللهَ ربَّه.
وقال تعالى: ( وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِمًا ) يخبر الله تعالى عن خيانة اليهود ويحذر المؤمنين من الاغترار بهم فمنهم جماعة أمناء يؤدون ما ائتمنوا عليه حتى ولو كان مالًا كثيرًا ومنهم دون ذلك في الأمانة فلا يؤدون ما ائتمنوا عليه إلا بالملازمة والإلحاح لاستخلاص الحق منهم حتى لو كان دينارًا واحدًا.
وقال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) وأداء الأمانات يشمل جميع الأمانات الواجبة على الإنسان من حقوق الله وحقوق العباد.
وقال تعالى: ( وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ ) أي إذا ائتمنوا لم يخونوا أماناتهم بل يؤدونها إلى أهلها وإذا عاهدوا أو عاقدوا أوفَوا بذلك ولم يخونوا ولم يغدروا وبقوا محافظين على عهودهم وأماناتهم وعقودهم.
وقال تعالى في أداء الفرائض والواجبات والتكاليف الشرعية: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) ينهى تعالى المؤمنين أن يخونوا الله بارتكاب الذنوب أو يخونوا الرسول بترك سنته وارتكاب معصيته أو يخونوا أماناتهم في أعمالهم التي ائتمن الله العباد عليها وهي الفرائض وهي تشمل أمانة الإنسان نحو الناس في تعامله معهم كالمكيال والميزان وأداء الشهادة بالحق والصدق ونحو ذلك.
وقال تعالى: ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا ) أي عرضنا التكاليف من أوامرَ ونواهٍ على السموات والأرض والجبال فلم يطقن حملها وأشفقن منها مخافة التقصير في أمر الله وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولًا.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان ) فهذه ثلاث علامات على النفاق الأصغر وهي: الكَذِبُ في الحديث وإخلاف الوعود وخيانة الأمانات.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع: ( اتّقوا اللّه في النّساء؛ فإنّكم أخذتموهنّ بأمانة اللّه..) أي أن الله ائتمنكم عليهن فيجب حفظ الأمانة وصيانتها بمراعاة حقوقها.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك) أي كن أمينًا في كل حال ولا تقابل الخيانة بالخيانة.
وقال صلى الله عليه وسلم: ( إذا حدّث الرّجل الحديث ثمّ التفت فهي أمانة)
أي: إذا أخبر رجل رجلًا بخبر ثم التفت فهذه قرينة تدل على أنه لا يحب إفشاء هذا الخبر فهي أمانة فيجب المحافظة عليها ولا يجوز نشر الخبر، فالتفاته يقوم مقام قوله لا تفش هذا الخبر.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين ) أي الإمام يتحمل سهو المأمومين كما يتحمل الضامن ديون المدينين، والمؤذن مؤتمن على صلاة الناس وصيامهم وسحورهم.
وقال صلى الله عليه وسلم: ( المستشار مؤتمن ) أي أمين فلا يجوز له أن يخون من استشاره بكتمان مصلحته.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن إضاعة الأمانة من علامات قرب قيام الساعة وذلك بتوسيد الأمر إلى غير أهله.
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More