تعديل

الشيخ محمد سعيدباصالح

الجمعة، 16 مارس 2018

الرشوة وأخواتها

الرشوة وأخواتها
٢٨|٦|١٤٣٩هـالموافق ١٦|٣|٢٠١٨م
جامع الرحمة بالشحر
الخطيب / محمد بن سعيد باصالح
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، فتنة المال من أعظم الفتن، تفسد الدين، وتميت الضمير، وتقضي على المروءة، وتحول الإنسان شيطانًا مريدًا، فمن أجل المال يترك الصلاة، ويقطع الأرحام، ويعادي الصديق، ويوالي العدو، ويتلون كالحرباء..

ولا خير في ود امرئ متلون #
إذا الريح مالت مال حيث تميل

والمال محل الطمع، فمن أجل المال أكلوا المواريث فظلموا الأطفال والنساء وأكلوا أموال اليتامى واستولوا على الأوقاف وحولوها إلى أملاك خاصة.
ومن أجل المال نافق أصحاب المبادئ وباعوا ضمائرهم فأضاعوا مصالح الدين والدنيا من أجل مصالحهم الخاصة.
ومن أجل المال مالت أحكام القضاء وتحولت الوظائف العامة إلى دكاكين تجارة.
ومن الفساد المالي الذي حرمه الإسلام أشد تحريم وحذر من عاقبته وعذابه الأليم: الرشوةُ والاختلاس وهدايا العمال (يعني الموظفين في الوظائف العامة).
قال تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
وتدلوا بها إلى الحكام يعني الرشا التي تدفع للقضاة لإبطال الحق أو إحقاق الباطل.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي) وفي رواية: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي في الحكم).
والرشوة لا تختص بالقضاء بل تشمل كل الوظائف العامة ثم الرشوة قد تكون مباشرة وقد تكون غير مباشرة كالهدايا المقدمة للأمراء والموظفين ولهذا جاء في الحديث: (هدايا العمال غلول).
عن أبي حميد الساعدي قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا على الصدقة, فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي إليّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بال الرجل نستعمله على العُمالة مما ولانا الله فيقول هذا لكم وهذا أهدي إلي! فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر هل يهدى إليه شيء أم لا؟ والذي نفس محمد بيده لا يأخذ أحد منكم شيئًا بغير حقه إلا لقي الله وهو يحمله يوم القيامة، إن كان بعيرًا له رُغاء، وإن كان بقرةً لها خُوار، أو شاةً تَيْعَر. ثم رفع يديه حتى رأينا عُفرة إبطيه ثم قال: اللهم هل بلغت. قالها ثلاثًا.
فأشار النبي صلى الله عليه وسلم أنه لولا الطمع في وضعه من الحق ما أهدي إليه؛ فإن الهدية للعامل لا تكون إلا لشكر معروف أو للتحبب إليه أو للطمع في وضعه من الحق.
وقال تعالى في تحريم الغلول: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما فتح الله خيبر انطلقنا إلى الوادي ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد له يقال له مِدْعَم فلما نزلنا الوادي رُمي بسهم فمات فقلنا: هنيئًا له بالشهادة يا رسول الله فقال: (كلا والذي نفسي بيده, إن الشملة التي أخذها يوم خيبر لتلتهب عليه نارًا أخذها من المغانم لم تصبها المقاسم) ففزع الناس فجاء رجل بشراك أو شراكين فقال يا رسول الله أصبتُ يوم خيبر فقال:(شراك أو شراكان من نار).
فكونهم خرجوا غزاة في الجهاد في سبيل الله ومقاتلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشفع لهم في أخذ المال بغير حق فكيف بغيرهم!
والغلول: هو الخيانة من المغنم والسرقة من الغنيمة قبل القسمة وكل من خان شيئًا في خُفية فقد غَلّ.
جاء نصراني إلى الإمام الأوزاعي - وكان يسكن بيروت - فقال: إن والي بعلبك ظلمني
وأريد أن تكتب في إليه وأتاه بقلة عسل فقال له: إن شئت رددت عليك قلتك وأكتب إليه وإن شئت أخذتها ولا أكتب! فقال النصراني: بل اكتب لي وارددها فكتب له: أن ضع عنه من خراجه.
فشفعه الوالي فيه وحط عنه من جزيته ثلاثين درهما..
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم..
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، لقد تساهل بعض الناس في الرشوة وأصبحوا يسمونها بغير اسمها لتسهيل أمرها وتمريرها وهي جريمة كبيرة تفسد المجتمع كله فتنعدم الأمانة في العمل ويصبح الحق باطلًا والباطل حقًا والبريء مجرمًا والمجرم بريئًا وتذهب أموال الناس وحقوقهم ومصالحهم ويُوسد الأمر إلى غير أهله وتكثر الاختلالات القضائية والمالية والإدارية والفنية وتفسد الحياة برمتها.
وأي دولة لا تحارب الرشوة بصرامة فهي دولة فاشلة مهما اجتهدت في وضع الخطط والحلول والمعالجات لأن المرتشي يبحث عن مصلحته لا عن مصلحة الوطن وهو مستعد أن يضحي بكل شيء مقابل أن يحصل على نصيبه من الرشوة.
فندعو إلى محاربة الرشوة في جميع المرافق الحكومية لكي يحل الصدق والأمانة والمصلحة العامة محل الكذب والخيانة والمصالح الخاصة.
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More