إعصار ساندي
[ 17/12/1433هـ الموافق 2/11/2012م ]
الخطبة الأولى
الحمد لله الكبير المتعال , إذا أراد بقوم سوءًا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال , هو الذي يريكم البرق خوفًا وطمعًا وينشئ السحاب الثقال , ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته , ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء , وهم يجادلون في الله , وهو شديد المحال .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , يحكم ولا معقب لحكمه , ويقضي ولا راد لقضائه , إذا أراد شيئًا فإنما يقول له كن فيكون .
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله , وصفيه وخليله , سيد الأولين والآخرين , وحبيب رب العالمين , آواه وهداه , وأغناه وكفاه , وقال في حقه : إنا كفيناك المستهزئين , أشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وتركنا على المحجة البيضاء ؛ ليلها كنهارها ؛ لا يزيغ عنها إلا هالك .
أمة الإسلام , آية من آيات الله , وبينة ناصعة على قدرة الله , فشل العلم في ردها , وخارت القوى عن صدها , ليس لها من دون الله كاشفة , آية تكشف عن عظمة الله وقوته ؛ فسبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة , آية تكشف عن ضعف الإنسان ؛ وخلق الإنسان ضعيفًا .
لقد تحطم الغرور الأمريكي عند أول نسمة من إعصار ساندي , ذلك الجندي المجهول الذي لطم خد أمريكا لطمة عجزت عن ردها , مع سبق المعرفة بوقوعها , فما أفلح الترقب , ولا نجح الحذر , وما نفعت التحصينات , ولا أفادت الاحتياطات , ومضت كلمة الله تتحدى أمريكا الباغية ؛ أمريكا الجائرة , كم ظلمت من أفراد وشعوب ودول وأمم , كم تجردت الأمة الإسلامية خاصة كئوس المرارة من السياسات الأمريكية الخاطئة .
أيها الأحباب في الله , لقد غفلت أمريكا عن القاهر فوق عباده , لقد غاب عن ذهن أمريكا - وهي تحسب حساباتها , وترسم خططها , وتدرس أسوأ الاحتمالات - غاب عنها أن الله يمهل ولا يهمل .
غفلت أمريكا عن دعوات المظلومين , وصيحات المشردين , وآهات الثكالى , وأنات اليتامى , وصرخات المنكوبين , نسيت أمريكا أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب ..
وساريةٍ لم تسرِ في الأرض تبتغي * محلًا , ولم يقطع بها البيدَ قاطع ُ
سرتْ حيث لم تُحدَ الركابُ ولم تُنَخْ * لوردٍ ولم يقصُر لها القيدَ مانعُ
تمرُّ وراء الليل , والليل ضاربٌ * بجثمانه , فيه سمير وهاجعُ
إذا وردتْ لم يرددِ الله وفدَها * على أهلها , والله راءٍ وسامعُ
تفتَّحُ أبواب السموات دونها * إذا قرع الأبواب منهن قارعُ
وإني لأرجو الله حتى كأنني * أرى بجميل الظن ما الله صانعُ
الله أكبر ؛ هذا جزاء الساخرين , وعاقبة الهازئين , المتطاولين على سيد الأولين والآخرين .
الله أكبر ؛ ما أعظم قدرة الله ! وما أكثر جنود الله ! الله أكبر ؛ ما أشد قوة الله ! وما أسرع كلمة الله ! الله أكبر ؛ لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه .
كانت أمريكا في الأعاصير السابقة تتعذر بهول المفاجأة , وسرعة المباغتة , وأنها لو علمت لاتقت , فجاء هذا الإعصار العلني , يمشي رويدًا , يقول : أروني قوتكم , وخذوا حذركم , وقارنوا بين قوتكم وقوة الجبار ذي القوة المتين .
لقد علمت أمريكا بالإعصار قبل قدومه , فكان ماذا ؟
إنني - أيها الأحباب في الله - يرن في أذني قول الحق تبارك وتعالى : ﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ . فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ . لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ . قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ . فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ﴾ [ الأنبياء : 11- 15 ] .
ذوقوا - معاشر الأمريكيين - بعض ما ذاق الناس , من الخوف والذعر , والحرمان والتشريد , وخراب البيوت , وذهاب الأموال والممتلكات , والحطام والدمار , وانقطاع التيار الكهربائي , وتعطل الخدمات , فطالما سمتم الناس ألوانًا من العذاب , لقد أرعبتم العالم بالبوارج العابرة للمحيطات , والطائرات الذاهبات الآيبات , فيا لله ! كم سحقت صواريخكم من المساكين ! وكم حصدت آلتكم العسكرية من الأبرياء الطاهرين ! وكم مزقت مدافعكم من بيوت المستضعفين !
ذوقوا - معاشر الأمريكيين - من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر ؛ فلقد شتمتم نبينا بأفلامكم القذرة , وآذيتمونا في ربنا ونبينا وديننا , وذبحتم إخواننا , وأفسدتم بلادنا بثقافتكم المنتنة , وعاداتكم البهيمية ,
وأعرافكم السمجة , أننا ونحن نرى الكارثة تحل بكم - مع فرَط رحمتنا - لم نشعر نحوكم بأي رحمة ؛ غير نسمات من المؤمنين , دفعتهم ظروف الحياة أو ظروف الدعوة إلى الإسلام للعيش في تلك البلاد الغريبة , نسأل الله لهم السلامة .
- أيها الأحباب في الله - إنه درس لأمريكا , فهل تعي أمريكا الدرس , أتهتدي - أيها الأحباب - أمريكا أم تكون من الذين لا يهتدون .
وصدق الله إذ يقول : ﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ . وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ﴾ [ السجدة : 21 , 22 ] .
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه , أقول ما تسمعون , وأستغفر الله العظيم لي ولكم , فاستغفروه , إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين , وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين , وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله , سيد الأولين والآخرين , صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا .
أمة الإسلام , من لضحايا بورما ؟ من يوقف المجازر الرهيبة ؟ من يوقف التطهير العرقي في بورما ؟ شعب يباد تحت مرأى ومسمع من العالم , لا قرار , لا تدخل , لا عقوبة , لا حصار , أ لأنهم مسلمون لا بواكي لهم , قرى ترحل عن بكرة أبيها , وأرواح تحصد بالمناشير والفئوس , وبالخناجر والسيوف , وبالحرق أحياء , أين العدالة الدولية ؟ بل أين منظمة المؤتمر الإسلامي ؟ أين رابطة العالم الإسلامي ؟ أين المسلمون ؟
يا أمة المليار , هل هان عليكم إخوانكم في بورما ؟ هل تعلمون ما ذنبهم ؟ ذنبهم أنهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله , ﴿ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ .
هل عجزت الدول الإسلامية في طول البلاد وعرضها عن إيقاف هذه المجازر بالضغط على القوى الكبرى ؛ سياسيًا واقتصاديًا وإعلاميًا ؟
هل وصل الذل بالدول الإسلامية إلى مستوى لا تستطيع مع الوقوف مع القضايا الإنسانية العادلة ؟
اللهم إنا نعتذر إليك مما تصنع حكوماتنا ومنظماتنا , ونبرأ إليك مما يصنع أولئك الظالمون الهمجيون .
اللهم إليك نشكو ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس , أنت رب المستضعفين وأنت ربنا .
اللهم انصر عبادك المستضعفين في بورما , اللهم أيدهم بتأييدك وانصرهم بنصرك , يا قوي يا عزيز .
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين ؛ فقد أمركم بذلك رب العالمين بقوله : ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ ..
0 التعليقات:
إرسال تعليق