تعديل

الشيخ محمد سعيدباصالح

الأربعاء، 21 يناير 2015

قيام الليل - إغاثة سوريا



قيام الليل – إغاثة سوريا
[ 25/3/1436هـالموافق 16/1/2015م ]
الخطبة الأولى
عباد الله، حينما اشتدت على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – البلايا والرزايا ، إذا بهذا القرآن يسوق له طريق النصر، ويوضح له معالم الطريق، ليبدأ منه، وينتهي إليه ( ياأَيُّهَا الْمُزَّمّلُ * قُمِ الَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتّلِ الْقُرْءانَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً * إِنَّ نَاشِئَةَ الَّيْلِ هِىَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً) ، إنه قيام الليل ، والوقوف بين يدي رب العالمين ، تناديه وتناجيه عند اشتداد الظلام ، وهجوع النوام ... في زمن الشدائد والمحن، والبلايا والفتن ، وإعواز المعين والرفيق، كم يشعر العبد بحاجة إلى ما يمسح هذه الأحزان، ويزيل من قلبه الاشجان ، ويرقب تأييد رب رحيم رحمن ، فيأتيه قيام الليل خير معين .
المتهجدون ... جرت دموعهم على خدودهم، وتقطرت في محاريبهم خوفًا واشتياقًا، فأشرف عليهم الجليل، وقال: يا جبريل: نادِ فيهم: ما هذا البكاء الذي أسمع؟! وما هذا التضرع الذي أرى منكم؟! هل أخبركم عني أحد أن حبيبًا يعذب أحباءه؟! أو ما علمتم أني كريم؟! فكيف لا أرضى؟! أيشبه كرمي أن أرد قومًا قصدوني؟! أم كيف أذل قومًا تعززوا بي؟!
المتهجدون ...لو رأيتهم -أيها البطال- قد هدّ أجسامهم الوعيد ، وغير ألوانهم السهر الشديد، يتلذذون بكلام الرحمن، ينوحون به على أنفسهم نوح الحمام، يرون أن من أعظم نعم محبوبهم عليهم أن أقامهم وأنام غيرهم، واستزارهم وطرد غيرهم، هم من أحسن الناس وجوهًا لأنهم خلوا بربهم ففاض عليهم من نوره.
القائمون ...يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا، يقومون الليل على أطرافهم، فمرة رُكعًا، ومرةً سجَّدًا، يناجون ربَّهم في فكاك رقابهم، م يملّوا طول السهر لِما خالط قلوبهم من حسن الرجاء.
المتهجدون .... أي سر كشفوه في الليل حتى أحبوه وعشقوه ، وفضلوا ظلمته على وضح النهار؟! حتى يقول احدهم: منذ أربعين سنة ما أحزنني إلا طلوع الفجر .
المتهجدون ... أخرجوا النور من قلب الظلمة، وصاغوا حلل الفجر من خيوط الليل! و ارتفعت هممهم إلى ذي العرش، وافترشوا أقدامهم بين يدي مليكهم في مناجاته، ورددوا كلامه بأصوات محزونة .
إن قيام الليل -عباد الله- عبادةٌ تصل القلب بالله، وتجعله قادرًا على مقاومة مغريات الحياة، وعلى مجاهدة النفس في وقت هدأت فيه الأصوات، ونامت فيه العيون، ولذا كان قيام الليل من مقاييس العزيمة الصادقة، وسمات النفوس الكبيرة : (كَانُواْ قَلِيلاً مّن الَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَـارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ). ومن تدبر القرآن أثناء هجوع الناس أحسَّ بتقصيره، وندم على تفريطه، فسالت منه عبرات الندم والتوبة، وفاضت عيناه ، وحشره رب العزة والجلال في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله،
عباد الله، قيام الليل حياة للبدن، ونور في القلب، وضياء في البصر، وقوة في الجوارح، وإن الرجل إذا قام من الليل متهجدًا أصبح يجد لذلك فرحًا في قلبه، وإذا غلبته عيناه فنام عن حزبه أصبح حزينًا منكسرَ القلب .
معاشر الدعاة، إن فسيلة الدعوة إلى الله إن لم تُتعهد بدموع ليل الدعاة أنبتت زرعًا خاوي العزيمة، فاتر الهمة، يبيت مصفرًا ثم يكون حطامًا، فتكاليف الدعوة إلى الله لا يستوعبها إلا أولئك القوم الذين اشتدت صلتهم بالله، وقويت أواصر المحبة بينهم وبينه، يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا، تتسابق دموعهم على خدودهم لسان حالهم : ( وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى )، إن الاستعانة بالقيام وتلاوة الليل سبب جذري للنصر في حياة الدعاة والمجاهدين، والنفس أبدًا في حاجة إلى وقت تخلو فيه بربها، تنعزل فيه عن ضجة الحياة وصخبها، إن من عجيب أمر قيام الليل أن الله افترضه على المسلمين اثني عشر شهرًا كاملة بادئ الأمر، ينصبون فيها أقدامهم نصف الليل أو ثلثه أو ثلثيه، وهي مدة طويلة، ولكنها ضرورية، لحمل هذه الأمانة، وتحمل مشقة المسيرة، حتى أنجبت هذه الفترة أبا بكر وعمر وعثمان وعليًّا وسعدًا وزيدًا وحمزة والمقداد وابن عباس وابن مسعود ومعاذًا وأضرابهم -رضوان الله عليهم-، كلهم تربى في مدرسة التهجد والقيام،
إنها وسام الشرف والرفعة قال -عليه الصلاة والسلام-: " شرف المؤمن قيامه بالليل " أخرجه الحاكم وحسنه الالباني .
وهو دأب الصالحين قبلكم وباب عظيم من أبواب الخير ، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أدلك على أبواب الخير؟! الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل". أخرجه أحمد وصححه الالباني.
عبد الله .. اذا لم تقدر على قيام الليل فاعلم ان ثمة قيود منعتك من نيل ذلك الشرف ، قيل لعبد الله بن مسعود: ما نستطيع قيامَ الليل، قال: "قيّدتكُم خطاياكم، لو صدقتُم الله لأعانكم، ألم تسمعوا الله يقول: (وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـاكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَـاعِدِينَ) .
يا رجال الليل جدّوا * رُبّ داع لا يُرَدُّ
لايقوم الليل إلا * من له عزم وجِدُّ
غار وجه الصبح يا من * ليلهم نور ووردُ
واغنموا الأسحار فيه * رتلوا الذكر أعدّوا
يا الذي أشجاه حزن * والذي أبكاه فقدُ
قم وناجِ الله دمعًا * يستقي رِيّاه خدُّ
خير ساعات الدياجي * ترقد الدنيا فتبدو
خلوة يذكي سناها * والمدى ربٌ وعبدُ
فيا عبد الله، لو سرت عن هواك خطوات لاحت لك الخيام... ولو هجرت فراشك من الليل لاستقبلتك الحور العين ... ولو صدقت العزم لأقامك الله بين يديه في الليل. قلت ما سمعتم واستغفر الله .
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، هناك.. في مخيمات اللاجئين السوريين الآلام المُرة والمعاناة.. الصقيع، والبرد، والعواصف الثلجية.. يموت الأطفال من شدة البرد ويتجمدون.. هناك حيث الصرخات الأليمة، والبكاء المرير.. مشاهدُ مؤلمة، وآهاتٌ حزينة تشق هدوء الشتاء، وزفراتٌ من قلوب مكلومة ليس لها إلا الله سبحانه.. طفلان يبكيان ويتجاذبان أطراف الغطاء كل يريد أن يغطّي نفسه في ليل بارد طويل!.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ماتَ الصغيرُ من الشتاءِ وبردِه ** من جوعِه، من قسوةِ الحرمانِ
مات الصغيرُ ولا عزاءَ لأمةٍ ** رضِيَتْ بكأسِ الذلِّ والخسرانِ
مجموعةٌ من الأطفال ما لهم من البرد من واق إلا نعالٌ بالية، وامرأة عندهم تصيح بأعلى صوتها: لم يلبسوا أحذية تدفئ أقدامهم، أين العرب؟! أعجَزوا عن شراء أحذية؟!
وطفلٌ نائمٌ ليس بينه وبين الجليد إلا سجادةُ صلاةِ خفيفة وفوقه مثلها، ليجمِّد البرد قلبَه الطاهر..
نرى الأطفالَ جمّدهم صقيعٌ ** فلا صوتٌ.. تجمّدت القلوبُ!
إلهي من لهم إلاّكَ؛ فالطُفْ ** فإن قلوبَنا - كمـدًا - تذوبُ!
إن حال الأطفال السوريين يُبكي الحجر قبل البشر، وجوهٌ شاحبة، وأبصارٌ زائغة شاخصة، ونظراتٌ حائرة خائفة، وعيونٌ دامعة، يتجمد الدم في عروقهم خلال الليل بعدما غمرت مياه الأمطار خيامهم، وأسلمتهم إلى العراء.
فأغيثوا إخوانكم، وقفوا معهم في مصابهم، وتذكروا بما أحسستم به من برد الليالي الماضية أن نساءهم وأطفالهم في العراء، تحت أرض سالت بالمياه ثم تجمدت، وأمام رياح باردة تلسع وجوههم، ولا ثمة كساء ولا غطاء ولا طعام ولا دواء، قد ضاقت الحيلة برجالهم فاستسلموا للمقدور، وبكت نساؤهم حتى جفت مآقيهن من البكاء، وأما الأطفال فقد جمدهم البرد وهولُ المصاب عن الكلام والبكاء، ولكن نظراتهم تصيب القلوب بسهام قاتلة، لمن كان له قلب فيه رحمة، وإنما يرحم الله تعالى من عباده الرحماء.. فأغيثوا إخوانكم وتصدقوا عليهم، وكونوا كأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حين جاءهم جماعة من المسلمين عليهم آثار الفقر والحاجة، فنظر الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم فرأى ثيابًا غير كافية للستر والحماية من الحر والبرد، وبالية قد تقطعت من البِلى، ونظر إلى أقدامهم حافيةً بلا نعال تقيهم الحر والحجارة، فمتعّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لِمَا رأى بهم من الحاجة، فقام صاحب القلب الرحيم وألقى في الناس خطبة قال فيها: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ.. ﴾, ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ.. ﴾ تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ - حَتَّى قَالَ - وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ. قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى صار كَومان من طعام وثياب فتهلل وجهُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيءٌ ».. تصدقوا بما تستطيعون فكل إنسان في ظل صدقته يوم القيامة، تصدقوا عسى أن تشفع لكم صدقاتكم يوم القيامة.. 

1 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More