تعديل

الشيخ محمد سعيدباصالح

الجمعة، 30 يناير 2015

خطبة الاجتماع والائتلاف



الاجتماع و الائتلاف
 [ 10/4/1436هـالموافق 30/1/2015م ]
الخطبة الأولى
أيّها المسلمون، إن من قواعد الدين العظام، وأموره الجسام، التي دلت عليها الأدلة، وأكدّتْ عليها الملّة: وجوب ائتلاف أهل الإسلام، والنهي عن التفرق والاختلاف، والسعي إلى تحقيق هذا الأصل، والعمل على تيسير السبل الموصلة إليه ما أمكن. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وهذا الأصل العظيم: وهو الاعتصام بحبل الله جميعًا، وأن لا يُتفرّق؛ هو من أعظم أصول الإسلام، ومما عظمت وصية الله تعالى به في كتابه، ومما عظم ذمّه لمن تركه من أهل الكتاب وغيرهم، ومما عظمت به وصية النبي صلى الله عليه وسلم، في مواطن عامة وخاصة ".
ولتحقيق هذا الأصل العظيم، فإنا نجد الشريعة الإسلامية قد توخت اعتبار ذلك في كثير من مضامينها وتشريعاتها.
من ذلك: صلاة الجماعة خلف إمام واحد، ولو خلف الأمراء الذين يؤخرونها عن وقتها، بعد أن يؤديها المسلم في أول وقتها، وتأمّل أيضًا في صيام المسلمين كلهم في شهر واحد، وما يكون في هذا الشهر الكريم من الترابط والتكاتف؛ بعطف الأغنياء على الفقراء، ثم اجتماعهم لأداء صلاة التراويح، ولصلاة العيد بعد انقضاء الشهر العظيم، وكذلك ما في تشريع الزكاة من حصول المحبة والأُلفة وزوال الحقد والحسد من القلوب، وكذلك ما يكون من اجتماع جم غفير من المسلمين، في موسم الحج لأداء هذه الفريضة جماعة، في منظر مهيب عجيب؛ دخل بسببه كثير ممن لا يدين بالإسلام فيه.
وتأمل أيضًا أخي الكريم في نهي الإسلام عن الغش، والكذب، والنّميمة، والهمز، واللمز، وبيع الرجل على بيع أخيه، وخطبته على خطبة أخيه، إلى غيرها من التشريعات التي لو أمعن المرء في حِكمها، وفي مقاصدها؛ لوجدها تصبُّ في تحصيل تلك المصلحة العليا، والغاية السامية النبيلة؛ وهي: حفظ الرابطة الإيمانية، وتقوية الآصرة الدينية، وتوحيد الأمة الإسلامية، وتوثيق العلاقة بين أفراد المجتمع كلهم، تحت ما يُعرف بـ( الولاء والبراء )؛ ليصبح الكيان الإسلامي كيانًا متميّزًا، متراصًّا، بعيدًا عن كلّ ما يخدش صَفْوَ تلاحمه، وتراحمه، وهذا ما أراده الله تعالى من عباده المؤمنين، وأمرهم به دينًا وشرعًا، لكن قد وقع من جراء عدم مراعاة هذا الأصل العظيم، تفرّق صفوف المسلمين، وتدابرهم، وتناحرهم، واختلافهم، مما أضعف شوكتهم، وأوهى هيبتهم في قلوب أعدائهم، حتى إنهم طمعوا فيهم بسبب ذلك، وغدوا نُهبةً للقاصي والداني، وأَضحوكةً للشامتين.
وما أشرنا إليه، من حثّ الدين الإسلامي لأهل الإسلام قاطبةً على الاعتصام بالدين الحق والاجتماع عليه، والأمر بالائتلاف، والتحذير من التفرق والاختلاف؛ لا يسعنا استعراض كل ما ورد في هذا الباب من آيات وأحاديث، وآثار؛ لطولها وكثرتها، فحسبنا منه ما يكون وصْلةً إلى المُراد، وتنبيهًا ببعضه إلى غيره، فمن هذه الآيات: قوله تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾.
وليس المراد من الاجتماع المأمور به شرعًا؛ هو مطلق الاجتماع على أيّ أمر كان، فإن هذا لا اعتبار به، بل المُراد هو: الاجتماع على الحق.
كما دلّ قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ على مبدأ التآخي بين المسلمين أجمعين؛ لما لهذا التآخي من عظيم الأثر في وحدتهم، وتعاونهم، وتساعدهم، وهي الثمرة الجنية؛ العملية للحب في الله، الذي اتخذته الوحدة الإيمانية عنوانًا على وجودها، في واقع حياة المجتمع المسلم، ورمزًا على الالتقاء حول هذه الوشيجة العريقة، التي بها ضمان تماسكه، وسلامته من التشتت، والتفرق، وإبعادًا له عن أسباب العداء، والكراهية، والاختلاف.
ولما للاجتماع، والأُلفة، وترك التفرق، من منـزلة عظيمة، ورُتبة شريفة؛ فقد أمر الله تعالى به الأنبياء والمرسلين، كما أمر به خاتم المرسلين، فقال سبحانه: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾.
والآيات القرآنية الواردة في سياق التنويه بالاجتماع على الحق كثيرةٌ، كمثل قوله تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾، وقوله عز وجل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾. 
ولا شك أن للتفرق أسبابًا كثيرةً، يرجع بعضها إلى حرص أعداء المسلمين على بذر شجرة الشقاق والاختلاف بينهم، ورعايتها، وإبعادهم عن دينهم، بإثارة الشبهات حوله، ونشرها بينهم.
ومن تلكم الأسباب: البدع التي شوهت جمال الإسلام، ونقاءه، ونخرت في وحدته، وأسهمت في تفريق الأمة.
ومن أعظم أسباب التفرق والاختلاف أيضًا: الجهل، وهو سببُ مخالفة الكثير من الأمم لأنبيائهم، وإعراضهم عنهم.
ومفاسد الجهل لا تُحصى، ومن أشدها: القول على الله بلا علم.
ولا نُغْفِلُ في هذا المقام أن ننبه إلى خطورة اتباع الهوى، وأنه من أشد عوامل تشتت الأمة، وإعراضها عن قبول الحق.
ومن أسباب الاختلاف: الاعتداد الزائد بالعقل، وتقديمه على النصوص الشرعية، فوقع أصحاب هذا المسلك في آراء باطلة، وأخطاء جسيمة؛ فرّقَتْهُم، وأوجدتْ بينهم العداوة والبغضاء، والخصومات الصارمة، فتخبطوا، وارتابوا، وغلبت عليهم الحيرة.
ويزداد الحال سوءًا، وتتسع هوة الاختلاف، ودائرة الصراع؛ حينما تتعصب كلّ طائفة لرأيها الباطل، ويعرضون عن الحق والهدى، بلا تعقُّل ولا إدراك لسوء عواقب أفعالهم تلك، ولا شك أن هذا يتنافى مع الشرع الحكيم، الذي قضى بوجوب الانصياع للحق، وتجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.
وهذا الداء العضال قد استحكم في الناس اليوم، حتى فتك بكثير منهم، وأضلهم عن الحق بعد إذ جاءهم، وإن السبيل إلى علاج هذا الداء، هو لزوم الجماعة؛ وتحكيم الكتاب والسنة، مع الإخلاص وتجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، والسعي إلى طلب العلم الشرعي من أهله الموثوقِين، وتحري الحق، والالتزام بالدليل، وتجنب الشذوذ
فهذه بعض الوسائل التي تعين -بإذن الله- على تماسك المجتمع المسلم، وترابطه، واستتبابه، وبها يحصل المراد من الأُلفة، والمحبة، واجتماع الكلمة، ولزوم الجماعة التي أمر الشرع بلزومها؛ وتتهيأ لأمُة الإسلام ويتحقق لها نصرها الموعود، وأملها المنشود.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم..
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، تمر البلد بمرحلة خطيرة من الانفلات الأمني والفتن والشرور والتفرق والاختلاف والنزاعات والصراع، وفي هذه الفتن يجب على المسلم التمسك بالجمل الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، ومنها:
الرد إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عند الاختلاف، قال تعالى: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾.
والاعتصام بجماعة المسلمين وعدم الشذوذ عنها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يد الله مع الجماعة ".
والرجوع إلى أهل العلم الناصحين، ومشاورتهم، ومراجعتهم في القضايا العامة قال تعالى: ﴿ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾.
والتعاون على حفظ دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم.
والحلم والتأني وترك العجلة في الأمور؛ فالعجلة من الشيطان.
قد يدرك المتأني بعض حاجته ** وقد يكون مع المستعجل الزللُ !
والثقة بالله وبوعده وبنصره.
والتحري في نقل الأخبار وروايتها والتفكير فيها هل تصلح للنشر والإذاعة أو لا قال تعالى:﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More