( دروس من الهجرة النبوية )
٢|١|١٤٣٩هالموافق ٢٢|٩|٢٠١٧م
جامع الرحمة بالشحر
الخطيب / محمد بن سعيد باصالح
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، وصلت الدعوة في مكة إلى طريق مسدود، ولجت قريش في عنادها وكبريائها، واشتد الأذى على المسلمين، فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الهجرة إلى المدينة، وتأخر هو صلى الله عليه وسلم حتى يأذن له ربُّه، فلما جاء الإذن الإلهي أتى بيتَ أبي بكر في نحر الظهيرة في ساعة لم يكن يأتي فيها فقال قائل لأبي بكر: هذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم متقنِّعًا. فقال أبو بكر: فداءٌ له أبي وأمي، واللهِ ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر.
فاستأذن فأذِن له فدخل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: ( أخرج من عندك ) فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله قال: ( فإني قد أُذِنَ لي في الخروج ) فقال أبو بكر: الصحبةَ بأبي أنت يا رسول الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( نعم ).
قالت عائشة: فرأيت أبا بكر يبكي! وما كنت أحسب أن أحدًا يبكي من الفرح.
فديناك بآبائنا وأمهاتنا، يا أبا بكر! نعم الصاحبُ كنتَ في العُسْرى واليُسْرى، يا خيرَ إنسان طرق الوجود بعد النبيين! يا أحبَّ أصحابِ رسول الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، هنيئًا لك ما خصك الله به من المكانة.
قالت عائشة: فجهزناهما أحثَّ الجهاز وصنعنا لهما سُفرةً في جِراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعةً من نِطاقها فربطت به على فم الجراب، فبذلك سُمِّيت ذات النطاقين، ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغارٍ في جبل ثور فكَمَنا فيه ثلاث ليال، وكان دور عبد الله بن أبي بكر جمعَ الأخبار والموافاة بها ليلًا، ودورُ عامر بن فُهَيرة تأمينَ اللبن بعد العشاء.
واستأجر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلًا من بني الدِّيل هاديًا خرِّيتًا، وهو على دين كفار قريش فأَمِنَاه، فدفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث، وانطلق معهما عامر بن فُهَيرة والدليل فأخذ بهم طريق السواحل.
دقةٌ في التخطيط والتنفيذ ومعه عنايةُ الله ومعيّتُه ونصره وتأييده وحفظُه ورعايتُه.
وإذا العنايةُ لاحظتك عيونها#
نم فالمخاوفُ كلُّهن أمانُ
قال أبو بكر: نظرتُ إلى أقدام المشركين على رءوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه فقال: ( يا أبا بكر ما ظنك باثنين اللهُ ثالثُهما ).
قال الله جل وعلا: ( إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله..
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، في الهجرة النبوية فوائد ودروس وعبر كثيرة منها: الصراعُ بين الحق والباطل صراعٌ قديم وممتد، وهو سنة إلهية نافذة، ولكن هذا الصراع معلوم العاقبة: ( كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ).
ومنها: مكرُ خصوم الدعوة بالداعية أمرٌ مستمرٌ متكرر، وعلى الداعية أن يلجأ إلى ربه وأن يثق به ويتوكل عليه ويعلم أن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله.
ومنها: دقة التخطيط فيها، ودقة الأخذ بالأسباب من ابتدائها إلى انتهائها، ومن مقدماتها إلى ما جرى بعدها، وهذا التخطيط جزء من السنّة النبوية وهو جزء من التكليف الإلهي في كل ما طولب به المسلم.
ومنها: الأخذ بالأسباب وهو أمر ضروري وواجب، ولكن لا يعني ذلك دائمًا حصولَ النتيجة، ذلك لأن هذا أمرٌ يتعلق بأمر الله ومشيئتِه، ومن هنا كان التوكل أمرًا ضروريًّا وهو من باب استكمال اتخاذ الأسباب.
ومنها: دور المرأة في نصرة الإسلام: فقد لمعت في سماء الهجرة أسماءٌ كثيرة كان لها فضلٌ كبير ونصيبٌ وافر، منها عائشةُ بنتُ أبي بكر الصديق التي حفظت لنا القصة ووَعَتها وبلّغتها للأمة، وأمُّ سلمة المهاجِرة الصبور، وأسماءُ ذات النطاقين التي ساهمت في تموين الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار بالماء والغذاء.
ومنها: فن قيادة الأرواح، وفن التعامل مع النفوس، يظهر الحب العميق الذي سيطر على قلب أبي بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة، كما يظهر حب سائر الصحابة أجمعين في سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. وهذا الحب الرباني كان نابعاً من القلب، وبإخلاص، لم يكن حب نفاق، أو نابعاً من مصلحة دنيوية، أو رغبة في منفعة أو رهبة لمكروه قد يقع، ومن أسباب هذا الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم صفاته القيادية الرشيدة، فهو يسهر ليناموا، ويتعب ليستريحوا، ويجوع ليشبعوا، كان يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم..
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..
٢|١|١٤٣٩هالموافق ٢٢|٩|٢٠١٧م
جامع الرحمة بالشحر
الخطيب / محمد بن سعيد باصالح
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، وصلت الدعوة في مكة إلى طريق مسدود، ولجت قريش في عنادها وكبريائها، واشتد الأذى على المسلمين، فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الهجرة إلى المدينة، وتأخر هو صلى الله عليه وسلم حتى يأذن له ربُّه، فلما جاء الإذن الإلهي أتى بيتَ أبي بكر في نحر الظهيرة في ساعة لم يكن يأتي فيها فقال قائل لأبي بكر: هذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم متقنِّعًا. فقال أبو بكر: فداءٌ له أبي وأمي، واللهِ ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر.
فاستأذن فأذِن له فدخل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: ( أخرج من عندك ) فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله قال: ( فإني قد أُذِنَ لي في الخروج ) فقال أبو بكر: الصحبةَ بأبي أنت يا رسول الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( نعم ).
قالت عائشة: فرأيت أبا بكر يبكي! وما كنت أحسب أن أحدًا يبكي من الفرح.
فديناك بآبائنا وأمهاتنا، يا أبا بكر! نعم الصاحبُ كنتَ في العُسْرى واليُسْرى، يا خيرَ إنسان طرق الوجود بعد النبيين! يا أحبَّ أصحابِ رسول الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، هنيئًا لك ما خصك الله به من المكانة.
قالت عائشة: فجهزناهما أحثَّ الجهاز وصنعنا لهما سُفرةً في جِراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعةً من نِطاقها فربطت به على فم الجراب، فبذلك سُمِّيت ذات النطاقين، ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغارٍ في جبل ثور فكَمَنا فيه ثلاث ليال، وكان دور عبد الله بن أبي بكر جمعَ الأخبار والموافاة بها ليلًا، ودورُ عامر بن فُهَيرة تأمينَ اللبن بعد العشاء.
واستأجر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلًا من بني الدِّيل هاديًا خرِّيتًا، وهو على دين كفار قريش فأَمِنَاه، فدفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث، وانطلق معهما عامر بن فُهَيرة والدليل فأخذ بهم طريق السواحل.
دقةٌ في التخطيط والتنفيذ ومعه عنايةُ الله ومعيّتُه ونصره وتأييده وحفظُه ورعايتُه.
وإذا العنايةُ لاحظتك عيونها#
نم فالمخاوفُ كلُّهن أمانُ
قال أبو بكر: نظرتُ إلى أقدام المشركين على رءوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه فقال: ( يا أبا بكر ما ظنك باثنين اللهُ ثالثُهما ).
قال الله جل وعلا: ( إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله..
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، في الهجرة النبوية فوائد ودروس وعبر كثيرة منها: الصراعُ بين الحق والباطل صراعٌ قديم وممتد، وهو سنة إلهية نافذة، ولكن هذا الصراع معلوم العاقبة: ( كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ).
ومنها: مكرُ خصوم الدعوة بالداعية أمرٌ مستمرٌ متكرر، وعلى الداعية أن يلجأ إلى ربه وأن يثق به ويتوكل عليه ويعلم أن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله.
ومنها: دقة التخطيط فيها، ودقة الأخذ بالأسباب من ابتدائها إلى انتهائها، ومن مقدماتها إلى ما جرى بعدها، وهذا التخطيط جزء من السنّة النبوية وهو جزء من التكليف الإلهي في كل ما طولب به المسلم.
ومنها: الأخذ بالأسباب وهو أمر ضروري وواجب، ولكن لا يعني ذلك دائمًا حصولَ النتيجة، ذلك لأن هذا أمرٌ يتعلق بأمر الله ومشيئتِه، ومن هنا كان التوكل أمرًا ضروريًّا وهو من باب استكمال اتخاذ الأسباب.
ومنها: دور المرأة في نصرة الإسلام: فقد لمعت في سماء الهجرة أسماءٌ كثيرة كان لها فضلٌ كبير ونصيبٌ وافر، منها عائشةُ بنتُ أبي بكر الصديق التي حفظت لنا القصة ووَعَتها وبلّغتها للأمة، وأمُّ سلمة المهاجِرة الصبور، وأسماءُ ذات النطاقين التي ساهمت في تموين الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار بالماء والغذاء.
ومنها: فن قيادة الأرواح، وفن التعامل مع النفوس، يظهر الحب العميق الذي سيطر على قلب أبي بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة، كما يظهر حب سائر الصحابة أجمعين في سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. وهذا الحب الرباني كان نابعاً من القلب، وبإخلاص، لم يكن حب نفاق، أو نابعاً من مصلحة دنيوية، أو رغبة في منفعة أو رهبة لمكروه قد يقع، ومن أسباب هذا الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم صفاته القيادية الرشيدة، فهو يسهر ليناموا، ويتعب ليستريحوا، ويجوع ليشبعوا، كان يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم..
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..
0 التعليقات:
إرسال تعليق