تعديل

الشيخ محمد سعيدباصالح

الجمعة، 27 أكتوبر 2017

المفلس الحقيقي

المفلس الحقيقي
٧|٢|١٤٣٩هالموافق ٢٧|١٠|٢٠١٧م
جامع الرحمة بالشحر
الخطيب/ محمد بن سعيد باصالح
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس تعليمًا، ومن حسن تعليمه أنه كان جالسًا يومًا بين أصحابه، فأراد أن يبين لهم خطورة الخوض في الدماء والأموال والأعراض, فسألهم: " أتدرون ما المفلس؟ " قالوا: المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له ولا متاع. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاته وصيامه وزكاته، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا, وأكل مال هذا, وسفك دم هذا, وضرب هذا, فيقعد فيَقتَص هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقتَص ما عليه من الخطايا أخذ من خطاياهم فطُرِح عليه ثم طُرِح في النار ".
عبادَ الله، في هذا الحديث وجوه من التعليم، وفيه تنبيه على خطورة المظالم بين الناس، وهو أمرٌ يغفل عنه كثيرٌ من الناس، حتى العبّاد المتنسِّكين.
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قادرًا على طرح الخبر على أصحابه ابتداء بدون سؤال، لكنه اختار طريقة السؤال والجواب لكثرة فوائدها، من إثارة الانتباه والتشويق للعلم واستخراج ما عند المتعلمين من العلم.
وفي الحديث ضربُ الأمثال، وتقريبُ المعاني..
فهذا الرجل الذي عمل أعمالًا صالحة كثيرة، وظلم الآخرين يشبه المفلس الذي لا درهم له ولا دينار، ويشبه التاجر الذي جنى أرباحًا كثيرة، وفي نفس الوقت تحمّل ديونًا كثيرة، فكانت الديون أكثر من رأس المال والأرباح، وجاء الغرماء يطالبون بديونهم، فحكم عليه القاضي بالإفلاس، وباع أمواله ليوفِّي أصحاب الديون ديونهم، ففَنِي ماله في قضاء الديون.
وكذلك الذي يظلم الناس في الدماء والأموال والأعراض يخسر يوم القيامة ما معه من الأعمال.
ويجرى القصاص بين الناس عند أحكم الحاكمين..
إن أذية المسلمين باليد واللسان أمر عظيم.
وحتى لو شتمك إنسان وسبك فلا ترد عليه.
عن جابر بن سُلَيم الهُجَيمِي قال: قلت: يا رسول الله، أوصني، قال: " اتق الله، ولا تحقِرَنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تُفرِغَ من دلوك في إناء المستسقي، وأن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط، وإياك وإسبال الإزار؛ فإن إسبال الإزار من المَخِيلة، ولا يحبها الله، وإن امرؤٌ شتمك وعيَّرك بأمر هو فيك فلا تعيِّره بأمر هو فيه، ودعه يكون وباله عليه وأجره لك، ولا تسُبَنَّ شيئًا ".
قال: فما سببتُ بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم دابةً ولا إنسانًا.
وعن عياض بن حمار رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيتَ الرجلَ يشتِمُني وهو أنقص مني نسبًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المـُسْتَبَّانِ شيطانان يتهاتران ويتكاذبان ".
والهتْر هو الباطل من القول.
وقال صلى الله عليه وسلم: " إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر. فهو كقتله، ولعن المؤمن كقتله ".
إن انتهاك حرمة الروح تبدأ بانتهاك حرمة العرض، فتبدأ الجريمة بالطعن واللعن والتحريض وتنتهي بالقتل وسفك الدماء المعصومة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله..
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، ما يجري بين الناس في المقاهي والمجالس والمنتديات ووسائل التواصل الاجتماعي من السب والشتم والطعن مخالف لما جاء به الإسلام من حفظ اللسان.
وقد حذر الله من إيذاء المؤمنين بغير ما اكتسبوا.
قال تعالى: " وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ".
قال ابن كثير رحمه الله: " قوله: " وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا " أي: ينسبون إليهم ما هم بُرَآء منه لم يعملوه ولم يفعلوه " فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا " وهذا هو البُهت البين أن يحكي أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه، على سبيل العيب والتنقص لهم، ومن أكثر مَنْ يدخل في هذا الوعيد الكفرةُ بالله ورسوله، ثم الرافضة الذين يتنقصون الصحابة ويعيبونهم بما قد بَرَّأهم الله منه، ويصفونهم بنقيض ما أخبر الله عنهم فإن الله عز وجل قد أخبر أنه قد رضي عن المهاجرين والأنصار ومدحهم، وهؤلاء الجهلة الأغبياء يسبونهم ويتنقَّصونهم، ويذكرون عنهم ما لم يكن ولا فعلوه أبدًا، فهم في الحقيقة منكوسو القلوب يذمون الممدوحين، ويمدحون المذمومين " انتهى كلامه رحمه الله.
والآية عامة يدخل فيها كل من يؤذي المؤمنين بغير ما اكتسبوا، وينسب إليهم ما لم يفعلوا، يريد بذلك تنقصهم وعيبهم.
وفي الحديث: " أربى الربا شتم الأعراض ".
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More