تعديل

الشيخ محمد سعيدباصالح

الجمعة، 6 أكتوبر 2017

زيارة القبور بين المشروع والممنوع

زيارة القبور بين المشروع والممنوع
١٦|١|١٤٣٩هالموافق ٦|١٠|٢٠١٧م
جامع الرحمة بالشحر
الخطيب/ محمد بن سعيد باصالح
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، تسن زيارة القبور للسلام على الأموات والدعاء لهم وأخذ العبرة وتذكر الآخرة والزهد في الدنيا ورقة القلب ودمعة العين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها؛ فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة ولا تقولوا هُجْرًا " رواه الحاكم بسند صحيح.
وفي رواية " إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها؛ فإنها تذكركم الآخرة ".
وفي صحيح مسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كان ليلتُها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: " السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون، غدًا مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد ".
وعن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب أنه قال يومًا: ألا أحدثكم عني وعن أمي؟ فظنوا أنه يريد أمه التي ولدته، قال: قالت عائشة رضي الله عنها: ألا أحدثكم عني وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلنا: بلى. قالت: لما كانت ليلتي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها عندي انقلب فوضع رداءه وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع فلم يلبث إلا ريثما ظن أن قد رقدت فأخذ رداءه رويدًا وانتعل رويدًا وفتح الباب فخرج ثم أجافه رويدًا – أي أغلقه – فجعلت درعي في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري – أي لبست – ثم انطلقت على إثره حتى جاء البقيع فقام طويلًا فأطال القيام ثم رفع يديه ثلاث مرات ثم انحرف فانحرفت فأسرع فأسرعت فهرول فهرولت فأحضَر فأحضرت – أي عدا عدوًا – فسبقته فدخلت فليس إلا أن اضطجعت فدخل فقال: " ما لك يا عائش حشيا رابية " – أي وقع عليك الحشا وهو الربو والنهيج، والرابية التي أخذها الربو وهو النهيج وتواتر النفس الذي يعرض للمسرع في مشيه – قلت: لا شيء. قال لتخبرِيني أو ليخبرَني اللطيف الخبير " قالت: قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي. فأخبرته قال: " فأنت السواد الذي رأيت أمامي؟ " قلت: نعم. فلهدني في صدري لهدة أوجعتني – واللهْد: الدفع الشديد في الصدر – ثم قال: أظننتِ أن يحيف اللهُ عليكِ ورسولُه! " قالت: مهما يكتمِ الناسُ يعلمْهُ الله، نعم. قال: " فإن جبريل أتاني حين رأيتِ فناداني فأخفاه منكِ فأجبته فأخفيته منكِ ولم يكن يدخل عليكِ وقد وضعتِ ثيابكِ وظننتُ أن قد رقدتِ فكرهتُ أن أوقظَكِ وخشيتُ أن تستوحشي فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم" قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسو الله؟ قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ".
وعن سليمان بن بُرَيدة بن الحصيب عن أبيه رضي الله عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر، فكان قائلهم يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية ".
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فجلس على شفير القبر فبكى حتى بلَّ الثرى، ثم قال: " يا إخواني، لمثل هذا فأعدُّوا " رواه ابن ماجه بسند حسن.
وعن هانئ مولى عثمان قال: كان عثمان بن عفان رضي الله عنه إذا وقف على قبر يبكي حتى يَبُل لحيتَه، فقيل له: تذكر الجنة والنار ولا تبكي، وتبكي من هذا؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن القبر أولُ منازلِ الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسرُ منه، وإن لم ينجُ منه فما بعده أشدُّ منه " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما رأيت منظرًا قط إلا والقبر أفظعُ منه ".
وعن ميمون بن مهران قال: خرجت مع عمر بن عبدالعزيز إلى القبور فقال لي: " يا أبا أيوب، هذه قبور آبائي بني أمية، كأنهم لم يشاركوا أهل الدنيا في لذتهم وعيشهم! أما تراهم صرعى قد استحكم فيهم البلى! " ثم بكى حتى أغشي عليه، ثم أفاق فقال: " انطلقوا بنا فو الله لا أعلم أحدًا أنعم ممن صار إلى هذه القبور وقد أمن من عذاب الله ينتظر ثواب الله ".
ونظر عمر بن عبد العزيز وهو في جنازة إلى قوم قد تلثّموا من الغبار والشمسِ وانحازوا إلى الظل، فبكى وأنشد:
من كان حين تصيب الشمسُ جبهتَه*
أو الغبارُ يخاف الشينَ والشعَثَا
ويألف الظل كي تبقى بشاشتُه*
فسوف يسكن يومًا راغمًا جدثًا
في قعرِ موحشةٍ غبراءَ مقفرةٍ *
يُطيل تحت الثرى في جوفها اللبَثا
تجهّزي بجِهازٍ تبلغين به *
يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبَثًا
وقال مالك بن دينار:
أتيت القبور فناديتُها *
فأين المعظَّم والمحتقَرْ!
وأين المـُدِلُّ بسلطانه *
وأين المزكَّى إذا ما افتخرْ!
تفانَوا جميعًا فما مخبرٌ *
وماتوا جميعًا ومات الخبرْ!
تروح وتغدو بناتُ الثرى *
فتمحو محاسن تلك الصورْ!
فيا سائلي عن أناس مضوا *
أما لك فيما ترى معتبرْ!
أقول قولي هذا وأستغفر الله..
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبور والبناء والكتابة عليها واتخاذها مساجد وأخبر أن اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد..
فزيارة القبور للذكرى وليست لدعاء الأموات والاستغاثة بهم والتمسح بقبورهم وتقبيلها واستلامها واللهو عندها..
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " قالت: فلولا ذاك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدًا.
وعنها وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قالا: لما نزلت برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتمَّ بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " يحذِّر مثل ما صنعوا.
وعن جندب رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: " إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل فإن الله تعالى قد اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا، ولو كنت متخذًا من أمتي خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك ".
وقال الإمام النووي رحمه الله: " لا يجوز أن يطاف بقبره صلى الله عليه وسلم، ويكره الصاق الظهر والبطن بجدار القبر.. ويكره مسحه باليد وتقبيله.. هذا هو الصواب الذي قاله العلماء وأطبقوا عليه ولا يغتر بمخالفة كثيرين من العوام وفعلهم ذلك؛ فان الاقتداء والعمل انما يكون بالاحاديث الصحيحة وأقوال العلماء ولا يلتفت إلى محدثات العوام وغيرهم وجهالاتهم.. ومن خطر بباله أن المسح باليد ونحوه أبلغ في البركة فهو من جهالته وغفلته؛ لأن البركة إنما هي فيما وافق الشرع " انتهى كلامه.
وقال أيضا: " وقال الامام أبو الحسن محمد بن مرزوق الزعفراني – وكان من الفقهاء المحققين – في كتابه في الجنائز: ولا يستلم القبر بيده ولا يقبّله. قال: وعلى هذا مضت السنة. قال أبو الحسن: واستلام القبور وتقبيلها الذى يفعله العوام الآن من المبتدعات المنكرة شرعًا ينبغي تجنب فعله ويُنهى فاعله " انتهى كلامه.
ألا صلوا وسلموا على سيد  الأولين والآخرين..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More