تعديل

الشيخ محمد سعيدباصالح

الجمعة، 3 نوفمبر 2017

تفسير سورة الانفطار

تفسير سورة الانفطار
١٤|٢|١٤٣٩هالموافق ٣|١١|٢٠١٧م
جامع الرحمة بالشحر
الخطيب / محمد بن سعيد باصالح
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، عن جابر رضي الله عنه قال: قام معاذ فصلى العشاء الآخرة فطوّل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أفتّانٌ يا معاذ؟ أفتّانٌ يا معاذ؟ أين كنتَ عن: سبِّحِ اسمَ ربِّكَ الأعلى، والضحى، وإذا السماءُ انفطرت؟ " رواه النسائي بسند صحيح.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سرّه أن ينظُرَ إلى يوم القيامة كأنه رأيُ عين فليقرأ " إذا الشمسُ كُوِّرت " و " إذا السماءُ انفطرت " و " إذا السماءُ انشقَّت " رواه الترمذي وغيره بسند صحيح.
يقول الله جل وعلا: " إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ".
أي: إذا انشقت السماءُ وانفطرت، وانتثرت نجومها وتهاوت، وزال جمالها، وذهب نورها، وفجِّرت البحار فصارت بحرًا واحدًا، واختلطت مياهها، وبُعثِرَت القبور فأخرجت ما فيها من الأموات، وحُشِروا للموقف بين يدي الله رب البريات، للجزاء على الأعمال.
حينئذ ينكشف الغطاء، ويزول ما كان خفيًا، وتعلم كلُّ نفس ما معها من الأرباح والخسران.
هنالك يعضُّ الظالم على يديه إذا رأى أعمالَه باطلة، وميزانَه قد خَف، والمظالمَ قد تداعتْ إليه، والسيئاتِ قد حضرتْ لديه، وأيقنَ بالشقاءِ الأبدي، والعذابِ السرمدي.
وهنالك يفوز المتقون المقدمون لصالح الأعمال بالفوز العظيم، والنعيمِ المقيم, والسلامة من عذاب الجحيم.
" يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ * كَلا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ".
يقول تعالى معاتبًا للإنسان المـُقصِّر في حق ربِّه، المتجرِّئ على مساخطه: " يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ " أتهاونًا منك في حقوقه؟ أم احتقارًا منك لعذابه؟ أم عدمَ إيمانٍ منك بجزائه؟
أليس هو " الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ " في أحسنِ تقويم؟ " فَعَدَلَكَ " وركّبك تركيبًا قويمًا معتدلًا في أحسنِ الأشكال، وأجملِ الهيئات، فهل يليق بك أن تكفُرَ نعمةَ المنعم، أو تجحدَ إحسانَ المحسن؟
" فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ".
إن خلق الإنسان على هذه الصورةِ الجميلةِ السويةِ المعتدلة، الكاملةِ الشكل والوظيفة، أمرٌ يستحق التدبرَ الطويل، والشكرَ العميق، والأدبَ الجم، والحبَّ الصادق من الإنسان لربهِ الكريم، الذي أكرمه بهذه الخِلقة، تفضلًا منه ورعايةً ومنّةً.
فقد كان قادرًا أن يُركِّبَه في أيةِ صورةٍ أخرى يشاؤها، فاختار له هذه الصورةَ السويةَ المعتدلةَ الجميلة.
إن الإنسان لمخلوقٌ جميلُ التكوين، سويُّ الخلقة، معتدل التصميم، وإن عجائبَ الإبداع في خلقهِ لأضخمُ من إدراكه هو، وأعجبُ من كلِّ ما يراه حوله.
" كَلا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ " فهذا هو سبب الغرور والعناد والكفر والفساد.
" وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ".
أي قد أقام الله عليكم ملائكةً كرامًا يكتبون أقوالَكم وأفعالَكم، ويعلمون أفعالَكم، ودخل في هذا أفعالُ القلوب، وأفعالُ الجوارح.
فاللائقُ بكم أن تُكرِمُوهم وتُجِلُّوهم وتَحترِمُوهم.
يا من غلا في العُجْبِ والتِّيهِ *
وغرّه طولُ تماديهِ
أملى لك اللّهُ فبارَزتَه *
ولم تخفْ غِبَّ معاصيهِ
قال مِسْعَر رحمه الله: " كم من مستقبلٍ يومًا وليس يستكمله، ومنتظرٍ غدًا وليس من أجَلِه، ولو رأيتم الأجلَ ومسيرَه لأبغضتُم الأملَ وغرورَه ".
خلّ دنياك إنّها *
يعقُبُ الخيرَ شرُّها
هي أمٌّ تعُقُّ مِن *
نسلِها مَن يَبرُّها
كلُّ نفسٍ فإنّها *
تبتغي ما يَسرُّها
والمنايا تَسوقُها *
والأماني تَغرُّها
فإذا استحلتِ الجَنَى *
أعقبَ الحُلوَ مرُّها
يستوي في ضريحِه *
عبدُ أرضٍ وحُرُّها
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم..
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، يقول الله جل وعلا: " إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ * وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ".
المراد بالأبرار القائمون بحقوق الله وحقوق عباده، الملازمون للبِر، في أعمال القلوب وأعمال الجوارح، فهؤلاء جزاؤهم النعيم في القلب والروح والبدن، في دار الدنيا وفي دار البرزخ وفي دار القرار.
" وَإِنَّ الْفُجَّارَ " الذين قصّروا في حقوق الله وحقوقِ عباده، الذين فجَرت قلوبهم ففجَرت أعمالهم " لَفِي جَحِيمٍ " أي: عذاب أليم، في دار الدنيا ودار البرزخ وفي دار القرار.
" يَصْلَوْنَهَا " ويعذبون بها أشد العذاب " يَوْمَ الدِّينِ " أي: يوم الجزاء على الأعمال " وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ " أي: بل هم ملازمون لها، لا يخرجون منها " وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ " ففي هذا تهويل لذلك اليوم الشديد الذي يُحيِّر الأذهان " يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا " ولو كانت لها قريبة، أو حبيبة مُصافية، فكلٌّ مشتغلٌ بنفسه لا يطلب الفِكاكَ لغيرها " وَالأمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ " فهو الذي يُفصِل بين العباد، ويأخذ للمظلومِ حقَّه من ظالمه.
نفّس الله عني وعنكم كُرَبَ يومِ القيامة.
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More