تعديل

الشيخ محمد سعيدباصالح

الجمعة، 8 يونيو 2018

فرصة العمر

فرصة العمر
٢٣|٩|١٤٣٩هـالموافق ٨|٦|٢٠١٨م
جامع الرحمة بالشحر
الخطيب / محمد بن سعيد باصالح
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، رمضان شهر الصبر فيه نتعلم الصبر على الأوامر الشرعية من صيام وقيام والصبر عن المعاصي والصبر على الأقدار المؤلمة.
وحاجتنا إلى الصبر في هذا العصر تتضاعف أضعافًا كثيرة عن حاجة الناس في العصور قبلنا وذلك بسبب هجمة الفتن التي تتقلب بين فتن الضراء وفتن السراء ولعل هذه الأيام التي نعيشها هي أيام الصبر التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: " إن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن أجر خمسين رجلًا يعملون مثل عملكم ".
وفي رمضان نتعلم الشكر لله تعالى على نعمه وقد نبه القرآن على الشكر عند إكمال العدة فقال تعالى: " وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " ومهما شكرنا الله فلن نؤدي حقه لأن نعمه علينا أكبر من أن تحصى، ومن أجلها نعمة الإيمان والعمل الصالح والقدرة على التفكير والتذكر والقدرة على الكلام والسمع والبصر..
قرأ الفُضَيل بن عِيَاض رحمه الله قوله تعالى: " أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ. وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ. وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ " فبكى فسئل عن بكائه فقال: هل بتَّ شاكرًا لله أن جعل لك لسانا تنطق به وعينين تبصر بهما؟ وجعل يعدد أنواع النعم.
وروى ابن أبي الدنيا أن رجلًا بسط الله عليه الدنيا ثم انتزعها منه فجعل يحمد الله ويثني عليه فقال له رجل آخر لم تُنزَع منه الدنيا: علامَ تحمد وتشكر؟ قال: أحمد على ما لو أُعطيتُ به ما أوتي الخلق لم أعطهم إياه، قال: وما ذاك؟ قال: أرأيت بصرك؟ أرأيت سمعك؟ أرأيت لسانك؟ أرأيت يديك؟ أرأيت رجليك؟..
أمة الإسلام، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل عليه السلام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالمال والحال، فالجود بالمال ليس هو الصورة الوحيدة للجود بل هناك جود بغير المال وهو نوعان:
الأول: ما فيه نفع للناس كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم العلم النافع وإقراء القرآن والدعاء للمسلمين والاستغفار لهم وإزالة الأذى عنهم ومن ذلك إماطة الأذى عن الطريق وتنظيف الشوارع وإزالة مخلفات الأمطار والسيول والمحافظة على نظافة المدينة بوضع القمامة في الأماكن المخصصة لها والتعاون مع عمال النظافة والفرق التطوعية في تنظيف الأحياء والحارات، وهناك حملة تنظيف تنطلق هذا اليوم دعت إليها السلطة المحلية فندعو الأهالي إلى المساهمة فيها والتعاون على إنجاحها.
قال رسول  الله صلى الله عليه وسلم: " تبسمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة " وقال: " وتميط الأذى عن الطريق صدقة " وقال: " لقد رأيت رجلًا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين " وقال: " بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له ".
والنوع الثاني من الجود بغير المال ما نفعه قاصر على الإنسان نفسِه كأنواع الذكر من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار والمشي  إلى المساجد..
وإذا جمع الإنسان القيام ولين الكلام وإطعام الطعام لله تعالى دخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن في الجنة غُرفًا يرى ظاهرها من باطنها وبطونها من ظهورها قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: هي لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وصلى لله بالليل والناس نيام ".
أيها المسلمون، من كرامة شهر رمضان أن الله تكرم علينا فيه بإجابة الدعاء فاستجابة الدعاء تكريم فوق تكريم في الشهر الكريم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس شيء أكرم على الله من الدعاء " وقال: " إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا " وقال: " من لم يسأل الله يغضب عليه ".
وللدعاء مذاق خاص في رمضان يعرفه المتضرعون إلى الله قبيل الإفطار والمنكسرون بين يديه وقت الأسحار والباكون أمام ربهم بعد طول القيام وفي أدبار الأوتار، وكلما مرت أيام رمضان استكثر المحبون من الدعاء فاستكثروا من الخير.
وللدعاء أوقات ترجى فيها الإجابة منها: وقت السحر، وليالي رمضان، وعند النداء للصلاة، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وبعد الانتهاء من الصلاة، وفي يوم الجمعة، وعند الانتباه في الليل بعد النوم على طهارة..
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يتقبل من ومنكم ويغفر لي ولكم ولوالدينا ولمشايخنا ولمعلمينا ولأحبابنا وللمسلمين أجمعين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أخي الصائم، هل لك في مناسبة تستدرك فيها ما فات من عمرك؟ هل لك في ساعات تضاعف الأعمال فيها بالآلاف والمئات، هل لك في أمسية تسلّم عليك فيها الملائكة وسيد الملائكة جبريل ويدعون لك ويؤمِّنون على دعائك؟ هل لك في لحظات إن وافقتها أخرجتك من ذنوبك كلها؟ هل لك في ليلة لا تدرك قدرها العقول ولا تفي بوصفها الألسنة؟
إنها ليلة القدر " وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْر ِ" إنها الليلة المباركة التي تنزل فيها الكتاب المبارك " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ. فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ " فهي ليلة مباركة لأن القرآن أنزل فيها ولأن الله العظيم عظّمها وجعلها خيرًا من ألف شهر.
وهي ليلة مباركة لأن الملائكة تعمر الأرض فيها وتغمرها فيتوافد سكان السماء على سكان الأرض من المؤمنين حتى إن أفضل الملائكة وأشرفهم وفي مقدمتهم جبريل عليها السلام يهبطون من كل سماء فينزلون إلى الأرض ويؤمّنون على دعاء الناس ويسلّمون على أنفسهم وعلى المؤمنين حتى يطلع الفجر.
وهي ليلة مباركة لأنها ليلة الحُكم الجامعة بين حكم الله القدري وحكمه الشرعي فقد تنزل القرآن فيها بالأحكام الشرعية وفيها أيضًا تتنزل الأحكام القدرية حين يفصل فيها كل أمر حكيم من اللوح المحفوظ إلى الكَتَبة بما يكون من أمر السنة في الآجال والأرزاق والأعمال.
ومن بركتها أن من قامها وأحياها إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه.
وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها أن تدعو فيها بهذا الدعاء " اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ".
فيا من فرط في رمضان هل ستفرط في ليلة القدر! يا من قصر في رمضان أما تخشى أن يخرج عليك رمضان ولم يغفر لك! أما آن لك أن تبكي على خطيئتك! أما آن لك أن تأوي إلى الله وتفيء إلى عفو الله وتطلب رحمة ربك!
تدارك نفسك، أنقذ نفسك من النار، فلم تبق إلا أيام من الشهر الكريم، اشتر نفسك من الله واعتذر لربك قبل أن يأتي يومٌ لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون..
فنافس المتنافسين وسابق السابقين وتقدم بين يدي رب العالمين وقل لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين..
اللهم إنا نسألك بعزك وذلنا وغناك وفقرنا وقوتك وضعفنا إلا ما رحمتنا..
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..  

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More