الحرب على مالي
المكان : جامع الرحمة بالشحر
الزمان : 6/3/1434هـ الموافق 18/1/2012م
الخطبة الأولى
أيها المسلمون , برر الرئيس الفرنسي تدخله العسكري في مالي بقوله : " تدخلنا في مالي لمنع تطبيق الشريعة " !
هكذا بكل وقاحة !
هل هي بلادك ؟ هل هي قطعة من أرضك ؟ هل سكانها من رعاياك ؟ من أعطاك حق الوصاية على الناس ؟ ما لك ومالي ؟ دع الناس يختارون ما يشاءون .
أين شعارات فرنسا ؟ الحرية , العدالة , المساواة , هل تبخرت مع المصالح الذاتية ؟ هل جاعت فرنسا فبدأت تأكل أصنامها التي مجدتها سنين عددًا ؟ ما شأنك ومالي ؟ هل اشتكوا عندك ؟ ما ضرك من تطبيق الشريعة في مالي ؟
أما كفاك منعُ الحجاب في فرنسا ؟ أما كفاك اعتبارُك الحجاب جريمة تهدد مبادئ فرنسا ؟ ما هي مبادئ فرنسا التي تتحدث عنها ؟ هل هي الفحشاء والمنكر الذي تبرعتم بتصديره إلى مشارق الأرض ومغاربها ؟ هل هي الربا الذي دمركم ودمرنا ؟ هل هي الظلم الذي ملأتم به المشرق والمغرب ؟
أين هذه القرارات الشجاعة في قضية سوريا ؟ سنتان وعشرات الآلاف بين قتيل وجريح وآلاف المشردين والمحرومين , والعالم يترنح : لا بد من قرار , حان اتخاذ قرار , الوقت يمضي , لم تعد هناك فرصة أمام نظام سوريا , الخيارات أمام النظام السوري محدودة , سنتان على هذا المنوال , ولا قرار ولا هم يحزنون .
لكن لما كان تطبيق الشريعة هبوا جميعًا , هذا يحارب , وذاك يدعم , والثالث يمول , حتى ( بان كي مون ) , الرجل الأسطورة في كظم الغيظ والصبر على المجازر والمناظر البشعة خرج عن صمته هذه المرة فأعلن تأييده المطلق للعملية .
لم يرَ ( بان كي مون ) الإبادة الجماعية في ( بورما ) , لم يرَ الصور الوحشية , لم يرَ المجازر تحصد أرواح الأطفال والمسنين , لم يرَ شيئًا من هذا كله , ولم يسمع أيضًا استغاثات المستغيثين في بورما , لم يسمع صيحات النساء والأطفال في سوريا , بيد أنه نفذ بصره هذه المرة وعبر البحار والقفار حتى رأى مالي وما ينتظرها من مآسٍ لو طبقت الشريعة , وسمع أصوات الناس هذه المرة قبل أن يتكلموا , فخاف أن يصيبهم ضرر مادي أو معنوي من جراء تطبيق الشريعة التي تأمر بالتوحيد والفضيلة .
أيها المسلمون , لقد بدأت قيم الغرب تتساقط , فلا حرية ولا عدالة ولا سماحة , فأمريكا رائدة الحرية والديمقراطية لم تصبر على مبادئها واضطرت أن تتنازل عنها من أجل المصالح المادية , وفرنسا الأخرى لم تصبر على مبادئها فباعتها مقابل المصالح المادية .
ولا إشكال عند أمريكا وفرنسا في قتل آلاف البشر وترويعهم وطردهم من بلادهم ولا إشكال في احتلال بلاد الآخرين إذا تعرضت مصالحهم للخطر , ولا مانع من إعطاء المبادئ والقيم إجازة عارضة .
أيها المسلمون , إن ما يجري هو بداية انهيار العالم الغربي , فانهيار القيم والأخلاق يتبعه عادة انهيار الدول , وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت * فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا .
لقد تهاوت القيم الغربية والشعارات البراقة حين تعرضت لأدنى اختبار , وتبين للناس أن العالم الغربي منافق , يعطيك من طرف اللسان حلاوة * فإذا توارى عنك فهو العقربُ .
وتبع الانهيار الأخلاقي , انهيار اقتصادي , بسبب النظام الاقتصادي الفاشل , ثم صراعات سياسية في اليونان وأسبانيا ودول أخرى مرشحة للتفكك والانقسام . لقد فشل العالم الغربي سياسيًا واقتصاديًا , فالنظريات السياسية والأفكار فشلت بعد أن أخذت حظها من التطبيق , والنظريات الاقتصادية فشلت هي الأخرى بعد أن أخذت حظها من التطبيق .
وكل نظرية مصادمة للإسلام سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية فهي فاشلة , والواقع برهان , والتجارب دليل , وآن للعالم كله أن يتوجه نحو الإسلام فهو الحل وهو الكلمة الإلهية الخالدة ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ .
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
أيها المسلمون , أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بيانًا حول الحرب في مالي أكد فيه على الآتي :
1- أن الحل السلمي والمصالحة الوطنية والتفاهم والتحاور ، هو الحل الوحيد الصحيح لحل المشكلة في مالي ، وأن هذا الحل لا يزال ممكنًا ومتاحًا ، إذا صدقت النيات ، واستبعدت الأجندات الأجنبية عنها ، وأن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لا يزال مستعدًا لإكمال جهوده في تحقيق المصالحة .
2- يطالب الاتحاد منظمة التعاون الإسلامي والدول الأفريقية بالسعي الجاد لإيقاف الحرب والعمل المخلص لتحقيق المصالحة وتبني الحل السلمي والجلوس على مائدة الحوار للوصول إلى حل مرضٍ لجميع الأطراف حيث يرى الاتحاد أن ذلك ممكن .
3- يطالب الاتحاد الجماعات المسلحة بتغليب صوت العقل والحكمة والقبول بالمصالحة والتحاور للوصول إلى حل سلمي عادل .
4- يحذر الاتحاد من مخاطر التدخل الأجنبي العسكري وآثاره الخطيرة على المنطقة وما يترتب عليه من القتل والتدمير والتشريد للمدنيين الأبرياء , بالإضافة إلى ما يترتب على الحرب من آثار اقتصادية وسياسية واجتماعية ونفسية وبيئية لا تخفى ولاسيما الحروب الداخلية التي تقطع وشائج الأخوة وتترك الأحقاد والضغائن للأجيال ولا تُمحى آثارها بسهولة .
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين فقد أمركم بذلك رب العالمين بقوله : ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ .
0 التعليقات:
إرسال تعليق