من غشنا فليس منا
[ 29/ صفر / 1434 هـ الموافق 11/1/2012م ]
الخطبة الأولى
أيها المسلمون ، البنون زينة الحياة الدنيا ، السهر على راحتهم راحة ، والبذل في صلاحهم حبيب ، والكثير في حقهم قليل ، والعظيم في شأنهم يسير ، لا مال أهون على الوالد من مال ينفقه على الولد ؛ فهم برد الأكباد ، ونسائم الرحمة ، وزينة الحياة ، سرورهم يسري في الأسرة ، وأنسهم يؤنس الدار ،
وإنما أولادنا بيننــا * أكبادنا تمشــي على الأرضِ
لو هبت الريح على بعضهم * لامتنعت عيني من الغمضِ
أيها المسلمون , الأولاد أمانة في الأعناق , ووديعة يسأل عنها يوم التلاق , هل أدينا ما أمر الله به من التربية والتعليم ؟ هل شكرنا نعمة الله بالتوجيه والتقويم ؟ هل تذكرنا ما أوصانا الله به من الرعاية والحماية ؟ هل رعيناهم رعاية إيمانية ؟هل حميناهم حماية فكرية ؟ هل أمرناهم بالمعروف ونهيناهم عن المنكر ؟
أخي الحبيب , هل جلستَ يومًا مع ولدك تقص عليه من سيرة سيد المرسلين ؟ هل غرستَ في نفسه معالي الأمور ومكارم الأخلاق ؟ فالعلم والأدب في الصغر أثبت منه في الكبر ,
وينشأُ ناشئُ الفتيانِ فينـا * على ما كان عوّدهُ أبـوهُ
أيها المسلمون ، الامتحانات على الأبواب ، والأولاد بحاجة إلى توجيه ، وترشيد وتنبيه ، والحوافز مطلوبة ، مادية كانت أو معنوية ، فالكلمة الطيبة صدقة ، والإشادة أكبر من الهدية ، والكلمات التشجيعية أحب إلى الأولاد من الهدايا العينية ، ورب كلمة صنعت إنسانًا ! ورب كلمة نهضت بها أمة !
أبنائي الطلاب ، نحن أمة العلم ، بدأ ديننا بـ ( اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم . الذي علم بالقلم . علم الإنسان ما لم يعلم ) .
أبنائي الطلاب ، بالعلم والمال يبني الناس مجدهم * لم يبن مجد على جهل وإقلالِ .
العلم يرفع بيتًا لا عماد له * والجهل يهدم بيت العز والشرفِ .
أبنائي الطلاب , الأمة بحاجتكم ، بحاجة إلى عطاءاتكم ، بحاجة إلى جهودكم ، بحاجة إلى الكفاءات العلمية والإدارية ، بحاجة إلى المخلصين لربهم ، الصادقين في خدمة أمتهم ، الناصحين لدينهم ، بحاجة إلى من ينتشلها من الجهل المزري ، والتخلف العلمي ، بحاجة إلى من يرد لها كرامتها ومجدها ، فنحن خير أمة أخرجت للناس ، بأيدينا مفاتيح الخير ، ونحن عنوان السعادة ، ديننا خير الأديان ونبينا خير الأنام ، حملنا الله أمانة الدين ، وأمرنا أن ننذر بالقرآن من بلغ ، ولن يسمع أحد كلمتنا ما دمنا نرسف في أغلال الجهل وقيود العمى .
أبنائي الطلاب ، أنتم أمل الأمة بعد الله ، عليكم تعلق الآمال ، فالأمم لا تسمو بكثرة المال أو زيادة عدد السكان ، وإنما تسمو بالعلم ، وتعلو بالمعرفة ، بالعلم نهضت ماليزيا ، وعزت ، وقدرت أن تقول لما لا يوافق مصلحتها : لا .
ونحن في الخليج واليمن تجري من تحتنا الآبار ، ولا نستطيع أن نقول : لا ، يسب رسولنا فلا نملك غير الشجب والندب ، ويذبح المسلمون في كل مكان ولا مغيث ، لا قرار بأيدينا ، ولا قيمة لنا بين شعوب العالم ، أموالنا مصروفة في كرة القدم وسباق الإبل ، والموضات ، والفخر والخيلاء ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
أبنائي الطلاب ، من جد وجد ، ومن سار على الدرب وصل ، ولكل مجتهد نصيب ، واعلموا أن العلم بعيد المرام ، لا يصطاد بالسهام ، ولا يرى في المنام ، ولا يورث عن الأخوال والأعمام ، وإنما يتوسل إليه بكثرة النظر وإعمال الفِكَر حتى ينشب في الصدر ويخزن في القلب ، فنظموا أوقاتكم ، واستعينوا بالصبر والصلاة ، واستفيدوا من الثلث الأخير من الليل ، واستعينوا على تحقيق آمالكم ببر الوالدين ، والإحسان إلى الأطفال ، ورحمة المساكين ، وكثرة الذكر ، ألا بذكر الله تطمئن القلوب .
أبنائي الطلاب ، إياكم والغش فإنه بئس الخلق ، يزور البيانات ، ويغذي الخداع ، وينمي القدرة على الالتواء والنفاق ، ويخرب الأخلاق ، ويؤسس للازدواجية ، ويؤخر المتقدمين ويقدم المتأخرين ، ويمد أصحاب القرار بمعلومات كاذبة عن التعليم والمناهج .
أبنائي الطلاب ، اعلموا أن الغش حرام بكل صوره وأشكاله ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « من غشنا فليس منا والمكر والخداع في النار » ، وهو نص عام يشمل كل أنواع الغش التجاري والعلمي والصناعي وغيرها .
فاتقوا الله عباد الله ، وتذكروا رقابة الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ .
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
أيها المسلمون ، من أدب الرواية التثبت ، والتأكد من صحتها ، والدقة في نقل الأخبار ، فكم من خبر كاذب ، وكم من رواية معطوبة ، ترتب عليها آثار خطيرة ، ولذلك قال الله - جل وعلا - : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ .
فيا من آمن بالله حق الإيمان ، إن جاءكم فاسق بخبر ، ولا سيما الأخبار الهامة ، فلا تقبلوه بدون تبين وتثبت ، بل تأكدوا وتيقنوا من صحته قبل قبوله ؛ لئلا تصيبوا قومًا بما يؤذيهم , فتصبحوا على ما فعلتم نادمين .
أمة الإسلام ، متى تلتفت الدولة نحو المرضى العاجزين عن العلاج ؟ متى تنهض بواجبها نحو الفقراء واليتامى والأرامل والمساكين ؟
المعاناة تزداد ، والظروف القاسية سال بها كل واد ، ويوشك البالون أن ينفجر ، اتقوا الله في الناس ، اتقوا الله في الذين أقسمتم بالله العظيم على خدمتهم ورعاية حقوقهم ، ألا تظنون أنكم مبعوثون ليوم عظيم ، يوم يقوم الناس لرب العالمين .
وقف أعرابي على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال : يا عمر الخير جُزِيتَ الجنةْ * أُكسُ بنياتي وأُمَّهنَهْ * أقسم بالله لتفعلنَّهْ ، فقال عمر : وإن لم أفعل يكون ماذا ؟ فقال : إذن أبا حفص لأَمضينَّهْ ، قال : فإن مضيت يكون ماذا ؟ قال : والله عنهن لتسألنَّهْ * يوم يكون الأعطيات ثَنّةْ * والواقف المسئول يُنهِينَّهْ * إما إلى نار وإما جنة ، فبكى عمر حتى اخضلت لحيته ، وقال لغلامه : أعطه قميصي هذا ، والله لا أملك غيره !
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين ، محمد الصادق الأمين ، فقد أمركم بذلك رب العالمين بقوله ..
4 التعليقات:
جزاكم الله خيرا يا شيخنا محمد.
شيخنا محمد - سلمكم الله -
هل لكم شرح على متن سفينة النجاة ؟
شرحتها قديمصا ، ولم أسجل الشرح ، ويغني عنها أبو شجاع ، ولي وجهة نظر في تدريس سفينة النجاة بمعنى أني لا أفضل تدريسها للمبتدئين لما فيها من الشروط الكثيرة والدقائق العلمية التي أخذت من بطون الكتب المطولة وجمعت في هذه الرسالة الصغيرة ، والمبتدئ يحتاج إلى معرفة أصول العلم وكباره قبل صغاره ، وسمعت أن الشيخ العلامة علي سالم بكير عنده اعتراض شديد على طريقة رسالة سفينة النجاة . والله أعلم .
جزاكم الله خيرا على هذا البيان يا شيخنا محمد.
إرسال تعليق