ألا لله الدين الخالص؟
المكان : جامع الرحمة بالشحر . الزمان : 19/8/1434هـ الموافق28/6/2013م
الخطبة الأولى
أما بعد، فيا عجبًا كيف يعصى الإله ** أم كيف يجحده الجاحدُ
وفي كل شيء له آية ** تدل على أنه واحدُ
أيها المسلمون، ما أكثر الآيات الدالة على عظمة الله وقدرته وعلمه وحكمته، بثها الله في السموات والأرض، فلا تكاد عينك تقع على شيء إلا وفيه آية وعبرة، فانظر إلى السماء في حسنها وبهائها وجمالها وجلالها وكمالها وصفائها وارتفاعها ومتانتها وقوّتها وقل: ﴿ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا. رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا. وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ﴾ وتفكر في بنائها وإتقانها وسعتها ورحابتها وتذكر ﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ وتأمل سلامتها وقلّب النظر في أرجائها وردّد مع الكون الفسيح ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ. الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ. ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ﴾ واسأل كما سأل القرآن من قبلك: ﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ﴾.
وانظر إلى الأرض كيف بُسِطتْ ومُهِّدتْ وجُعلتْ فيها السبل وثُبِّتتْ فيها الرواسي من فوقها، وتأمل كيف بارك الله فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين، وتأمل كيف صارت ذلولًا ساكنة لا تميد ولا تميل ولا تضطرب ولا تتأرجح، وانظر إلى الناس يمشون في مناكبها ويأكلون من رزق الله تعلم حقيقة قوله تعالى: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ﴾.
وأما النباتات فعالم عجيب؛ قطعٌ متجاورات، مختلفات الذوات والصفات والمنافع والأذواق والروائح والألوان، وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.
وكم من ملَكٍ في السموات! أطّتِ السماء وحُقّ لها أن تَئِط! ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملكٌ واضعٌ جبهتَه لله تعالى ساجدًا، والبيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة، وما يعلم جنود ربك إلا هو.
وفي الأرض أجناس من الدواب وأنواع لا يحصي أجناسها فضلًا عن أنواعها وأفرادها إلا الله، مختلفة الأشكال والأحوال والوظائف والقدرات والمهام، كلها تشهد لله بالوحدانية ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾.
ورزقها على الذي برأها وأنشأها ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ﴾.
ومن آياته الليل والنهار؛ هذا للسكن والسبات والراحة، وذاك للمعاش والكسب وابتغاء فضل الله، ولئن دام الليل ما طاب عيش لإنسان، ولئن دام النهار ما طاب عيش لإنسان، ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ. قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ. وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾.
ومن آياته الشمس والقمر؛ في فلك يجريان، في نظام عجيب، لا اختلال ولا انحراف ولا اختلاف ولا فساد ولا تغيير ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ. لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾.
ومن آياته النجوم الثاقبة والكواكب النيّرة، ثوابت وسيارات، مقترنات ومفترقات؛ منها المتصاحبات التي لا تزال مقترنة، ومنها المتفارقات التي تجتمع أحيانًا وتفترق أحيانًا. بثّتها القدرة الإلهية في السماء زينة لها ورجومًا للشياطين وعلامات يهتدي بها السائرون.
وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ. تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم...
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، اتقوا الله في النساء، فقد كثرت الشكوى من الأزواج، من المضايقات النفسية وعدم الإنفاق على المرأة والأولاد مع المواظبة على تعاطي القات، والتعنت في استخدام حق القوامة على المرأة، وحرمانها من الحقوق والكرامة والرأي والمشورة والكلام، فاتقوا الله في النساء؛ فأنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وأنتم مسئولون عنهن يوم القيامة.
أيها المسلمون، المرأة إنسان له كرامة ومشاعر، ولها حقوق وعليها واجبات، فمن حقوقها المعاشرة بالمعروف ببذل الندى وكف الأذى والمعاملة الحسنة والتقدير والاحترام واختيار الكلمات الصالحة والعبارات الطيبة في الحديث معها، وحبس اللسان عن السب والشتم والإهانة والتجريح.
ومن حقوق المرأة النفقة عليها وتوفير احتياجاتها بالمعروف، فما يفعله بعض الناس من إهمال أسرهم ماديًا وبذل المال في شراء القات ونحوه ما هو إلا صورة من صور الأنانية وتقديم المصالح الشخصية على مصالح الأسرة. فماذا عسى أن يتعلم الأولاد من الخلق والفضيلة من أب كهذا؟
أيها المسلمون، من تزوج امرأة ثانية فعليه أن يراعي الضوابط الشرعية في التعدد، وإلا دخل في دائرة واسعة من الظلم والإثم، وبعض الناس إذا تزوج ثانية مال إليها كل الميل حتى تصير الأولى كالمعلقة، لا هي مزوجة ولا مطلقة، والله تعالى يقول: ﴿ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ﴾.
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين...
0 التعليقات:
إرسال تعليق