تعديل

الشيخ محمد سعيدباصالح

الجمعة، 31 مايو 2013

وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرياح مُبَشِّرَاتٍ


وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرياح مُبَشِّرَاتٍ
المكان : جامع الرحمة بالشحر . الزمان : 21/7/1434هـ الموافق31/5/2013م

الخطبة الأولى
أيها المسلمون، يقول الله - جل وعلا -: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرياح مُبَشِّرَاتٍ ﴾ أي؛ من الآيات الدالة على وحدانية الله - تعالى - ونفاذ قدرته وعموم رحمته أنه يرسل الرياح لتكون بشارة بأن مِن ورائِها أمطارًا فيها الخير الكثير للناس.
﴿ وَلِيُذِيقَكُمْ مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الفلك بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ أي؛ يرسل الرياح مبشِّرات بالأمطار ولمنحكم من رحمته الخصب والنماء لزرعكم ولتجري الفلك عند هبوبها في البحر بإذنه ولتبتغوا أرزاقكم من فضله عن طريق الأسفار والانتقال من إقليم إلى إقليم ومن قطر إلى قطر ولتشكروا الله على هذه النعم فإنكم إذا شكرتموه على نعمه زادكم منها.
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إلى قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بالبينات فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ﴾ أي؛ ولقد أرسلنا من قبلك - أيها الرسول الكريم - رسلًا كثيرين إلى قومهم ليهدوهم إلى الرشد وجاء كل رسول إلى قومه بالحجج الواضحات التي تدل على صدقه, فمن أقوامهم من آمن بهم ومنهم من كذبهم فانتقمنا من المكذبين لرسلهم.
﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المؤمنين ﴾ أي؛ وكان نصر المؤمنين حقًا أوجبناه على أنفسنا فضلًا منا وكرمًا وتكريمًا وإنصافًا لمن آمن بوحدانيتنا.
وبين إرسال الرياح مبشرات وإرسال الرسل بالبينات مناسبة؛ هذا تحيا به الأرض وهذا يحيا به الناس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصابت منها طائفة أخرى إنما قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقُه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ".
ثم يعود السياق مرة أخرى إلى الحديث عن الرياح وما يترتب عليها من منافع فيقول: ﴿ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا ﴾ أي؛ هذه الرياح يرسلها الله تتحرك في الجو وفق إرادته وتحرك السحاب وتنشره من مكان إلى آخر ﴿ فَيَبْسُطُهُ فِي السمآء كَيْفَ يَشَآءُ ﴾ أي؛ يبسط الله هذا السحاب في طبقات الجو بالكيفية التي يختارها - سبحانه - بأن يجعله تارة متكاثفًا وتارة متناثرًا وتارة من هذه الجهة وتارة من هذه الجهة ﴿ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا ﴾ أي؛ يجعله قطعًا بعضها فوق بعض تارة أخرى ﴿ فَتَرَى الودق ﴾ أي؛ المطر ﴿ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ ﴾ أي؛ يخرج من خلال هذا السحاب ﴿ فَإِذَآ أَصَابَ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ أي؛ يفرحون بذلك لأنه يكون سببًا في حياتهم وحياة دوابهم وزروعهم.
وأعرف الناس بنعمة المطر أولئك الذين يعيشون في الأماكن البعيدة عن الأنهار ممن تقوم حياتهم على مياه الأمطار.
ثم بين - سبحانه - حالهم قبل نزول تلك الأمطار عليهم فقال: ﴿ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ ﴾ والإِبلاس: اليأس من الخير والسكوت والانكسار غمًا وحزنًا. يقال: أبلس الرجل, إذا سكت على سبيل اليأس والذل والانكسار. أي؛ هم عند نزول الأمطار يستبشرون ويفرحون، ولو رأيت حالهم قبل نزول الأمطار لرأيتهم في غاية الحيرة والقنوط والإِبلاس لشدة حاجتهم إلى الغيث الذي طال انتظارهم له وتطلعهم إليه دون أن ينزل.
ثم لفت - سبحانه - أنظار الناس إلى ما يترتب على نعمة المطر من آثار عظيمة فقال: ﴿ فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِيِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَآ ﴾ أي؛ فانظر - أيها العاقل - نظرة تعقل واتعاظ واستبصار إلى الآثار المترتبة على نزول المطر وكيف أن نزوله حوّل النفوس من حالة الحزن إلى حالة الفرح وجعل الوجوه مستبشرة بعد أن كانت عابسة يائسة, وانظر وتأمل كيف يحيى الله الأرض بعد موتها بأن يجعلها خضراء ويانعة بعد أن كانت جدباء قاحلة ﴿ إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْييِ الموتى ﴾ أي؛ ذلك الإِله العظيم الذي أحيا الأرض بعد موتها قادر على إحياء الموتى؛ إذ لا فرق بينهما بالنسبة لقدرة الله التي لا يعجزها شيء ﴿ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، من الهدي النبوي في الرياح والأمطار, عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا عصفت الريح قال: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلتْ به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به. قالت: وإذا تخيّلت السماء تغيّر لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر فإذا مَطَرت سُرِّي عنه فعرفت ذلك في وجهه. قالت عائشة: فسألته فقال: لعله يا عائشة كما قال قوم عاد ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ﴾.
ونهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن سب الريح فقال: " لا تسبوا الريح فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها ".
فإذا نزل المطر قال: اللهم صيبًا نافعًا، عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى المطر قال: " اللهم صيبًا نافعًا ".  
وكان عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته.
وعلّمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نقول بعد المطر: مطرنا بفضل الله ورحمته، عن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - قال: " صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: أصبح من عبادي مؤمن وكافر, فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب وأما من قال: بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب ".
وإذا نزل المطر وخاف الضرر قال: اللهم حوالينا ولا علينا, اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر.
ومن السنة الدعاء عند نزول المطر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: " ثنتان ما تردان: الدعاء عند النداء وتحت المطر ".
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More