تعديل

الشيخ محمد سعيدباصالح

الجمعة، 22 نوفمبر 2013

الأمن وأسبابه


الأمن وأسبابه 
19 محرم 1435هـ

الخطبة الأولى

كان رسول الله إذا رأى الهلال قال: اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضى، ربنا وربك الله.. 
ومن قبل دعا إبراهيم ربه أن يمن على أهل مكة بالأمن فقال: ( رب اجعل هذا البلد آمنًا )
فالأمن نعمة عظيمة تستحق أن تطلب، ويردد الدعاء بها مع كل هلال، وقد امتن الله على قريش بنعمة الأمن فقال: ( فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف )، وقال جل وعلا: ( أولم يروا أنا جعلنا حرمًا آمنًا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون )، وقال جل وعلا: ( أو لم نمكن لهم حرمًا آمنًا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقًا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون ) وأقسم الله بمكة واصفًا إياها بالبلد الأمين، فقال: ( والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين ) وقال جل وعلا: ( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنًا ).
وللأمن أسباب، فمن أسبابه الإيمان، فالإيمان سبب الأمن التام، الشامل، العام، الظاهر والباطن، في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ).
والظلم وضع الشيء في غير محله، وهو أنواع، منه الشرك كما قال تعالى: ( إن الشرك لظلم عظيم ) ولما نزلت ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) قال أصحاب محمد: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال: إنه ليس الذي تعنون، إنما هو الشرك، ألم تسمعوا قول العبد الصالح: ( يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم )
فالشرك والكفر بكل أشكاله وألوانه وصوره ظلم؛ لأنه وضع العبادة في غير موضعها، وصرفها إلى من لا يستحقها، ومن ذلك الكفر بأنعم الله كما قال تعالى: ( وضرب الله مثلًا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون )، أي كانت آمنة لا تخاف عدوًا، والرزق الوفير يتدفق عليها هنيئًا سهلًا من كل مكان، فكفرت بأنعم الله وعتت عن أمر ربها فسلط الله عليها الخوف وأذاقها مرارة الجوع بما كانوا يصنعون.  
ومن الظلم ظلم العباد بعضهم بعضًا، وهو أنواع منه ظلم أفراد المجتمع بعضهم لبعض، ومنه ظلم الدولة للشعب، وظلم الدولة لبعض شرائح المجتمع، وظلم بعض شرائح المجتمع لبعضها الآخر، فغياب العدل في الحكم، وضياع الحقوق، والتعدي على الأموال والممتلكات سبب رئيس في العداوات والمشاحنات بين أفراد المجتمع، وبين الدولة وأفراد المجتمع، وسبب لعقوبات إلهية وتسليط بعض الناس على بعض كما قال تعالى: ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضًا بما كانوا يكسبون ). 
فإذا ساد العدل في المجتمع وخيمت المساواة على ربوع البلاد وأعطيت الحقوق والفرص بدون تمييز وقام القضاء بما يجب عليه من الحكم بالعدل وتوخت الدولة رضا الله وحاسب المسئول نفسه قبل محاسبة الرعية فهناك تزول المخاوف ويحل الأمن مكان القلق والاضطراب. 
وفي التاريخ الإسلامي أن عامل حمص كتب إلى عمر بن عبدالعزيز أنها تحتاج إلى حصن، فكتب عمر: حصنها بالعدل، والسلام. يا لها من رسالة! قليلة المباني كثيرة المعاني. 
حمص لا تحتاج إلى حصن، تحتاج إلى عدل وتنقية البلاد من الظلم. 
ومن قبل تعجب رسول كسرى من حالة الأمن في المدينة المنورة في عهد عمر بن الخطاب، وتعجب أكثر من حالة الأمن التي يعيشها عمر، فهو ينام تحت ظل سمرة في الوقت الذي كان يحكم فيه المشرق والمغرب. فقال كلمة خالدة، قال: عدلت، فأمنت، فنمت! 
وسطر حافظ إبراهيم ذلك في قصيدته المشهورة قائلًا:
وراع صاحب كسرى أن رأى عمرًا ** بين الرعية عُطلًا وهو راعيها
وعهده بملوك الفرس أن لها ** سورًا من الجند والأحراس يحميها
رآه مستغرقا في نومه فرأى ** فيه الجلالة في أسمى معانيها
فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملًا ** ببردة كاد طول العهد يُبليها
فقال قولة حق أصبحت مثلًا ** وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها
أمنت لما أقمت العدل بينهمُ ** فنمت نوم قرير العين هانيها
ومن الظلم المعاصي كلها والذنوب، فبقدر المعاصي تأتي النكبات والأزمات والشرور والكوارث والخوف والقلق والاضطراب، بقدر ما يتجرأ الناس على محارم الله ويتعدون حدود الله تأتيهم العقوبات. والله لا يظلم الناس ولكن الناس أنفسهم يظلمون. 
أيها المسلمون، إن ما يجري في بلادنا من انتثار عِقد الأمن لهو دعوة مفتوحة لأن نراجع حساباتنا حكامًا ومحكومين وأفرادًا وجماعات، فما نزلت عقوبة إلا بذنب ولا رفعت إلا بتوبة. 
أيها المسلمون، الأمن مطلب الجميع، وأمن المجتمع ركيزة أساسية في استقامة حياة الناس وأعمالهم ومعايشهم بل قيام حياتهم الاجتماعية والنفسية، فالمجتمع الخائف كيف تكون حياته الاجتماعية؟ وكيف يتربى الأطفال في ظل خوف يلف المكان؟ وشبح الموت والقصف يطارد الناس في كل ناحية؟ وكيف يمارس الناس نشاطهم الإنساني من دراسة وطب وتجارة وأعمال خاصة وعامة في ظل أوضاع مضطربة، وأحوال متوترة، وأجواء مشحونة، يتوقع أن تنفجر في أي لحظة، فكيف تسير الحياة في أوضاع كهذه؟ 
ولقد أكثر العلماء من توجيه النصح إلى الجميع، وحذروا من مآلات الأمور، ونبهوا على حرمة الدماء في المدنيين والعسكريين، وحرمة الأموال والممتلكات، بدءوا في ذلك وأعادوا، ولكن لا حياة لمن تنادي، 
لقد أسمعت لو ناديت حيًا ** ولكن لا حياة لمن تنادي
ونارًا لو نفخت بها أضاءت ** ولكن أنت تنفخ في رمادِ
لقد أحزننا ما جرى ويجري؛ لأننا نرى أنه قتل في المسلمين من الطرفين وإضعاف لقوة المسلمين عمومًا وانشغال عن العدو الحقيقي لهذه الأمة. ولا ندري إلى متى سيستمر؟ ولا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل. 
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. 


الخطبة الثانية
أيها المسلمون، ما يجري هذه الأيام مرفوض تمامًا؛ لما فيه من إرعاب الناس وإقلاق السكينة العامة وتعريض حياة الناس للخطر، لا يمكن أن نقبل ترويع بلاد كاملة من أجل أفراد؛ لأن هذا يدخل في باب فرض عقوبة جماعية على البلاد كلها بسبب أفراد، ونطالب الدولة بإيقاف ما يجري؛ فالناس في هذه البلاد لهم حق في الأمن والحياة الكريمة والعيش الآمن، ولا يجوز أن نروعهم بلا ذنب، ونقلق حياتهم بلا جريمة اقترفوها، على الدولة أن تبحث عن طريقة أخرى في معالجة الأمور، لا تعود بالضرر على الناس الذين لا ناقة لهم في الموضوع ولا جمل، وهذه بلاد آمنة، يجب على الدولة قبل غيرها أن تحافظ على أمنها وسلامتها. 
إننا نطالب بتقديم تفسير لما يحدث، ونطالب السلطة المحلية بأن يكون لها موقف مما يجري، وكذلك الأعيان والشخصيات الاعتبارية، فهذه بلادنا والعبث بها وبأمنها مرفوض، ولا نريد أن نكون ضحية لصراعات سياسية كأبين. 
واعلموا عباد الله أنكم غدًا بين يدي الله موقوفون وعلى أعمالكم الحسنة مثابون وعلى أعمالكم السيئة محاسبون ومعاقبون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. 
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين.. 

للإستماع 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More