نحن أولى بإبراهيم وموسى
[ 5/1/1435هـالموافق 8/11/2013م ]
الخطبة الأولى
أمة الإسلام، ﴿ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾.
إننا نحب إبراهيم؛ ديننا دين إبراهيم، وطريقتنا طريقته، ودعوتنا دعوته، ومنهجنا منهجه، وهدينا هديه، وسمتنا سمته؛ فنحن أولى الناس به، لا اليهود ولا النصارى ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾.
هذه الأمة المحمدية أولى الناس بإبراهيم؛ لأنها أمة التوحيد والإخلاص، أمة الفطرة والملة المستقيمة، الأمة الوحيدة التي تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، الأمة الوحيدة التي أسلمت قلوبها ووجوهها إلى الله؛ لأن نبيهم علّمهم أن يقولوا: اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك.
أمة، أسمى سماتها وأبرز علامات دينها إسلام القلب والوجه لله..
عن معاوية بن حَيدة رضي الله عنه قال : « أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ما أتيتُك حتى حلفتُ عدد أصابعي هذه أن لا آتيَك! فبالذي بعثك بالحق، ما الذي بعثك به؟ قال: الإسلام، قال: وما الإسلام؟ قال: أن يُسلِمَ قلبُك لله تعالى، وأن توجِّه وجهَك إلى الله تعالى ».
هذه الأمة أولى الناس بإبراهيم، ومن مقتضيات ولايتها لإبراهيم متابعته في العقيدة والسلوك، فمن واجبها أن تجرد التوحيد وتنأى عن الشرك في كل صوره وأشكاله، ومن واجبها أن تترسم خطا إبراهيم في الدعوة، وتتأسى بإبراهيم في الأخلاق والسمات؛ فإن الله ابتلى إبراهيم بكلمات فأتمهن، ووفّى بما عاهد عليهُ الله، وقام بجميع ما أمره به ربُّه ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾؛ ولذلك وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه خير البرية، فعن أنس بن مالك قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا خير البرية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ذاك إبراهيم عليه السلام ». وهذا من تواضعه صلى الله عليه وسلم وإلا فهو خير البرية - بأبي هو وأمي - وهو سيد ولد آدم ولا فخر.
ومن هدي إبراهيم وسمتِه: تقليم الأظفار وقص الشارب، وغير ذلك من مستحسَن العادات، وجميل الآداب، وإنك لتحزن حين ترى شباب المسلمين وقد خالفوا سنة إبراهيم فأطالوا أظفارهم، وعلا رءوسَهم القزع، في أشكال غريبة، لا تمت إلى ديننا ولا عادات مجتمعنا بصِلة. كل هذا تقليد لليهود والنصارى.
أخي الشاب، أيسرُّك أن يراك رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الحالة؟
ألا عودوا إلى الله، وتمسكوا بدينكم، فأنتم أمل الأمة، وعنوان سعادتها ونهضتها ومجدها، وانظروا إلى اليهود كيف وضعوا شعارات دينهم في العلم الرسمي، وانظروا إلى النصارى كيف وضعوا الصليب في أعلام دولهم، وانظروا إلى الفرق الرياضية كيف وضعوا الصليب في زِيّهم الرياضي، فهل نستحي من إظهار شعار الإسلام وهم لا يستحيون من الكفر!
أخي الشاب، أنت من أمة متميزة في دينها وأخلاقها وسماتها، فاستعصم بالله، والزم غرز محمد، وتشبّث بتعاليم دينك، وإياك أن يؤتى الإسلام من قِبَلك.
أمة الإسلام، قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد اليهود يصومون عاشوراء فسألهم فقالوا: هذا يوم عظيم نجى الله فيه موسى وأغرق آل فرعون، فنحن نصومه تعظيمًا له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « نحن أولى بموسى منكم»، فصامه وأمر بصيامه.
نعم، نحن أولى بموسى منهم، وأحق بالشكر والفرح بنجاة موسى وانتصاره على فرعون من اليهود الذين حرفوا الكتاب الذي جاء به موسى نورًا وهدى للناس.
ويوم عاشوراء يوم عظيم مشهور، حتى إن قريشًا كانت تصومه في الجاهلية تعظيمًا له.
وليوم عاشوراء دلالته الرمزية؛ فهو رمز انتصار الإسلام على الكفر، والحق على الباطل، والعدل على الظلم، والخير على الشر، وما حصل في عاشوراء من نصر ونجاة لموسى ومن معه من المؤمنين مظهر من مظاهر القدرة الإلهية، فصومه شكر لله على نصره ومعيته وتأييده للمؤمنين.
﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ. قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ. فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ. وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ. وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ. ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ. إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ. وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، من السنن المؤكدة صيام يوم عاشوراء وهو يوم العاشر من شهر الله المحرم، ويستحب أن يصوم معه التاسع أيضًا مخالفة لليهود؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأن بقيت إلى قابل - إن شاء الله - لأصومن التاسع، وهو يكفر ذنوب سنة ماضية، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على صيامه، وكان يأمر أصحابه به ويحثهم عليه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: « ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم يبتغي فضله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء ».
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بصيام يوم عاشوراء ويحثنا عليه ويتعاهدنا عنده ».
وكانت للصحابة عناية خاصة بهذا اليوم إلى درجة أنهم كانوا يدرّبون أولادهم على صيامه، فعن الربيِّع بنت معوِّذ قالت:أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار « من أصبح مفطرًا فليتم بقية يومه ومن أصبح صائمًا فليصم » قالت: فكنا نصومه بعد، ونصوّم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن - يعني الصوف - فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار ».
أيها المسلمون، ما تقوم به السلطات السعودية من ترحيل الأجانب بدعوى مخالفتهم نظام الإقامة والعمل، هو صورة من صور الظلم، تذوب معها كل المعاني النبيلة التي جاء بها الإسلام، من مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: « المسلم أخو المسلم »، وقوله: « مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد »، وقوله: « لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى ».
ونظام الكفالة الذي يقوم على دفع المكفول مبلغًا ماليًا للكفيل مقابل الكفالة باطل شرعًا؛ لأن الكفالة عقد تبرع غايته التعاون والتراحم بين الناس، وليست عقد معاوضة لتحصيل الأرباح والفوائد؛ ولذلك قال الشافعي: « الكفالة استهلاك مال لا كسب مال »، وقال الكمال بن الهمام: « والكفالة عقد تبرع كالنذر لا يقصد به سوى ثواب الله أو رفع الضيق عن الحبيب » وقال ابن قدامة: « الضمين والكفيل على بصيرة أنه لا حظ لهما »، وتحريم أخذ أجر مقابل الضمان والكفالة محل اتفاق بين العلماء لا يختلفون فيه.
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..
للاستماع
0 التعليقات:
إرسال تعليق