الثوابت الشرعية في الهبة الشعبية
[ 17/2/1435هـالموافق 20/12/2013م ]
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، ولمّا غاب العدل، وشاع
الظلم، وحصل التمييز بين المسلمين على أساس القبيلة أو المنطقة، وصار التوظيف في
الوظائف الحيوية والمؤثرة على هذا الأساس، وصار التهميش لفئات وشرائح من المجتمع
بناء على تصنيفات جائرة، اختلت تركيبة المجتمع، وبدأ الاحتقان بين الأفراد، ولا يمكن
إصلاح الأوضاع إلا بالعدل والإنصاف، فلو أن الدولة أنصفت الناس من نفسها، وأعطت
القوس باريها والوظائف مستحقيها، وعظّمت حرمة الدم المسلم، وعاقبت كل من يريق دمًا
بغير حق، كائنًا من كان، مهما كانت رتبته أو قوته، لو فعلت ذلك لسلم المجتمع وأمن
الناس على أرواحهم وأموالهم.
وفي هذه الظروف الاستثنائية التي تمر
بها البلاد، يتعين التذكير بالثوابت الشرعية، ويتأكد التمسك بالجمل الثابتة
بالكتاب والسنة والإجماع.
فمن الثوابت
الشرعية: وجوب العدل، وتحريم الظلم والتمييز
بين المسلمين على أساس قبلي أو مناطقي، فالمسلمون سواسية في الحقوق والواجبات،
والتمييز بينهم سبب العداوات والصراعات، وكما أن العدل أساس الأمن والنجاح
والاتفاق فإن الظلم أساس الخوف والفشل والافتراق، قال تعالى: " إِنَّ اللَّهَ
يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ
النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ " وقال تعالى: " يَا دَاوُودُ إِنَّا
جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ
الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ " وقال جل وعلا: " فَلَا تَتَّبِعُوا
الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا " وقال عز وجل: " وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ
قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى " وقال
جل وعز: " وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى "
وقال عليه الصلاة والسلام: " ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي،
ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى ".
ومن الثوابت
الشرعية: عصمة نفسِ المسلم ومالِه وعرضِه، قال
النبي صلى الله عليه وسلم: " لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم
" وقال صلى الله عليه وسلم: " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث:
النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة " وقال عليه
الصلاة والسلام: " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام " وقال صلى
الله عليه وسلم: " كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه " وقال
عليه الصلاة والسلام: " من انتهب نُهبة فليس منا "..
فالمسلم معصوم النفس والمال والعرض؛ لا
يجوز العدوان على نفسه إلا إذا فعل ما يوجب القصاص، ولا يجوز نهب ماله وسرقته، ولا
يجوز انتهاك عرضه.
ومن الثوابت
الشرعية: وجوب التحري في نقل الأخبار وروايتها
والتأكد من مدى صحتها وصلاحيتها للنشر، كما قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ
فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ " وقال تعالى: " وَإِذَا جَاءَهُمْ
أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ
وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ
"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ
بِكُلِّ مَا سَمِعَ "، وفي الأزمات تكثر الإشاعات والأراجيف، وتفشو الأكاذيب
والأباطيل، كما يكثر النشر بلا دراية ودون رد إلى العلماء والحكماء قبل النشر، وهناك
من يريد خلط الأوراق، وهناك من يتربص بالمسلمين الدوائر، وهناك أصحاب المآرب
السياسية المشبوهة، وهناك المكر السياسي، فلا بد من التحري والدقة والمصداقية.
ومن الثوابت
الشرعية: أن الوسائل لها حكم المقاصد، فالمقصد
المشروع يحتاج إلى وسيلة مشروعة، ولا تكفي
أن تكون الغاية نبيلة حتى نستعمل ما نشاء من الوسائل، بل لا بد أن تكون الوسيلة
نبيلة أيضًا وجائزة شرعًا؛ فالغاية لا تبرر الوسيلة، وقبل أن نتصرف أو نقول أو
نفعل علينا أن نسأل أنفسنا: ما حكم هذا الأمر في دين الله؟ هل هو جائز أو حرام؟
وما مصلحته؟ وهل سيؤدي إلى المطلوب الشرعي أو لا؟
فما يتعارض مع ديننا لا يمكن أن
يوصلنا إلى خير، وما يتنافى مع مبادئنا وأخلاقنا لا يمكن أن يأتي بخير، والظلم لا
يدفع بالظلم، والخطأ لا يعالج بالخطأ. والحق أصيل، وصاحب الحق ذو نفَس طويل، ولا
خير في العجلة.
وهناك تصرفات غير
مقبولة مثل إتلاف الممتلكات العامة والخاصة،
فالممتلكات العامة والمؤسسات الحكومية ملك الشعب، وتخريبها وإتلافها عدوان على
الشعب نفسه.
ومثل العدوان
على المحلات التجارية
وإتلافها والعدوان على أصحابها فهذا مرفوض؛ لأنه يتنافى مع تعاليم الإسلام والقيم
والأخلاق.
وإذا كنا مظلومين فلا ينبغي لنا أن
نظلم الآخرين، والانضباط بالشرع في الفعل والترك هو الضمان الحقيقي للوصول إلى
الغاية النبيلة.
ومثل قطع
الطريق، وتعطيل حركة المرور، وإشعال الحرائق
التي يتضرر الأهالي من آثارها، فهذا مخالف لديننا، ومنافٍ لثقافتنا وقيمنا.
ومثل رفع الأسعار والزيادة في إثمان السلع
والبضائع؛ استغلالًا للأزمة، واستثمار الظروف الصعبة، بينما المطلوب هو
التعاون والتراحم في مثل هذه الظروف ومساعدة من لا يملك قوت يومه والوقوف إلى جانب
الضعفاء ممن لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلًا.
وهناك تصرفات
تحتاج إلى إعادة نظر،
مثل إغلاق المدارس وتعطيلها تعطيلًا دائمًا بلا رؤية واضحة ولا مصلحة راجحة، وهذا
فيه ضرر على المجتمع نفسه؛ فالتعليم ينبغي أن يستمر، وإذا كانت هناك مصلحة في
إغلاق المدارس يكون الأمر مؤقتًا وفق رؤية واضحة، وعند المصلحة، وحسب ما يقرره أهل
الحل والعقد وأهل الرأي والفكر، وليس كلما حصل أدنى شيء أوقفنا مسيرة التعليم
وعطلنا المدارس! من المستفيد من تردي الأوضاع التعليمية في البلد؟ نحن نطمح في تخريج
كوادر مؤهلة وكفاءات قادرة على إدارة البلاد وحفظها وتطويرها، وهذا لا يكون إلا
بالعلم.
ومن التصرفات
التي تحتاج إلى إعادة نظر،
إغلاق الأسواق والمحال التجارية، فهذا الأمر ينبغي أن يكون مؤقتًا ووفق رؤية
اقتصادية واضحة يقررها التجار وأهل الخبرة والمعرفة بالاقتصاد، بحيث يكون ورقة ضعط
على الدولة، أما الإغلاق الدوري بلا رؤية ولا جدوى، فهو ضغط على المواطنين أكثر
منه على الدولة. والمقصود أنه لا بد من البحث عن وسائل ضغط ناجحة، والتفكير في
أساليب مشروعة تخدم المطالب المشروعة، ولا تضر المصلحة العامة، ولا تعطل دورة
الحياة. والصبر مطلوب، والحكمة مطلوبة، ومن يتصبر يصبره الله.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي
ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أصدر حلف قبائل حضرموت بيانًا
توضيحيًا؛ يوضح مضمون الهبة الشعبية وطابعها السلمي والحضاري؛ حرصًا منهم على حفظ
السلم العام، ومنع خلط الأوراق، واستغلال الهبة لأغراض سياسية أو صراعات إقليمية،
أو حرفِها عن مسارها الصحيح.
أوضح البيان أن هذه الهبة هبة سلمية
حضارية، بعيدة عن أعمال العنف والإرهاب، هدفها تحقيق جملة من المطالب منها:
1-
تسليم قتلة المقدم سعد بن حمد بن حَبْرَيش ومرافقيه ومن يقف
خلفهم، وكذا كافة الجنايات التي لم يظهر فيها جانٍ إلى الآن.
2-
رفع كافة النقاط من الطرقات والقرى، ورفع المعسكرات من المدن
وإحلالها بقوات أمنية من أبناء المحافظة.
3-
تسليم كافة المهام الأمنية في حضرموت لأبنائها العاملين في
أجهزة الأمن وتغطية النقص في القوة البشرية بالتوظيف من أبناء حضرموت.
4-
إعطاء حضرموت حصتها من الثروات، وإعطاء أبناء حضرموت حق
الأولوية في المقاولات والتوظيف والعمالة والتأهيل في هذه الشركات بناء على
القانون والقرارات الوزارية.
5-
إيقاف عمليات التلوث البيئي الناتج عن الشركات العاملة في
مناطق المسوحات والاستخراج وتصفية المنطقة منها، ومعالجة المرضى وتعويض المتضررين،
وتشكيل لجنة مسح دولية محايدة للاطلاع على جرائم التلوث.
ونحن أيضًا نطالب الدولة بوضع آلية واضحة وسريعة وتوفير
الضمانات الكافية لتنفيذ هذه المطالب طالما اعترفت بعدالتها ومشروعيتها.
ونؤكد على سلمية الهبة، واختيار
الوسائل المناسبة المتوافقة مع الشرع الحنيف، فالمسئولية في الآخرة أكبر من
المسئولية في الدنيا، وأبناء حضرموت متميزون بالوعي والتدين والأخلاق العالية
والسماحة والسلم.
ونؤكد على أخذ الحيطة والحذر من حرفها
عن مسارها، وخلط الأوراق؛ فالمتربصون بحضرموت الدوائر كُثُر، والله المستعان.
كما نؤكد على ضرورة أن تكون هناك
قيادة موحدة تضم العلماء والحكماء والمشايخ والكوادر العلمية والإدارية وأصحاب
الخبرة في شتى المجالات. وعن هذه القيادة تصدر جميع البرامج والفعاليات السلمية.
فهذه الضوابط يجب مراعاتها والالتزام بها.
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين
والآخرين فقد أمركم بذلك رب العالمين بقوله: " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا "..
0 التعليقات:
إرسال تعليق