خطر
الشائعات
26/1/1435هـالموافق
29/11/2013م
الخطبة
الأولى
أيها المسلمون، الأخطار التي تهدد الأمن والسلم العام ووحدة
الصف واجتماع الكلمة كثيرة، ومن هذه الأخطار الإشاعات التي تسري في المجتمع بلا
دليل ولا برهان ولا مصدر.
هذه الشائعات تضعف الأمن وتزعزع الطمأنينة وتقلق السكينة
العامة، ويعيش الناس معها في قلق وخوف؛ لذلك يحرص الأعداء على نشر الشائعات في
معسكرات خصومهم ومجتمعاتهم؛ ليضعفوهم ويفتّوا في عضدهم.
والشائعات من أقوى أسلحة أهل الباطل في الصد عن الحق وأهله؛
كما كان يشيع خصوم الرسل عنهم أنهم كذابون أو مجانين أو سحرة أو سفهاء حتى صدّق
هذه الشائعات فئام من الناس ممن لا يتحرى الحقائق ولا يطالب بالبرهان والدليل، قال
تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ
اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ، أَفَلَا تَتَّقُونَ؟ فَقَالَ
الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ: مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ،
يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ
مَلَائِكَةً، مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ. إِنْ هُوَ
إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ، فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ ﴾ وقال تعالى: ﴿ وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ
مُنْذِرٌ مِنْهُمْ، وَقَالَ الْكَافِرُونَ: هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ﴾ وقال تعالى: ﴿
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ. إِلَى فِرْعَوْنَ
وَهَامَانَ وَقَارُونَ، فَقَالُوا: سَاحِرٌ كَذَّابٌ ﴾ وقال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ مَا
أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ
مَجْنُونٌ ﴾
وحين هاجر المسلمون الأوائل إلى الحبشة فرارًا من طغيان
قريش وظلمها شاع بينهم أن قريشًا آمنت ودخلت في دين الله فرجعوا فرحين مستبشرين
فسامتهم قريش سوء العذاب..
ولما هاجر المسلمون إلى المدينة أشاع اليهود أنهم سحروا
المسلمين فلا يولد لهم ولد؛ أشاعوا ذلك ليضيقوا على المسلمين، وليفسدوا عليهم
حياتهم الجديدة في المدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وليعكروا ذلك الجو الصافي
الذي يملؤه الحب والتآلف بين المسلمين، ومما يدل على مقدار ما فعلته تلك الإشاعة
بين المسلمين، شدة الفرحة التي اعترتهم لما ولد أول مولود ذكر وهو عبد الله بن
الزبير حتى إنهم كبّروا حين ولد عبد الله.
وفي غزوة أحد صرخ الشيطان أن محمداً قتل، فسرت هذه الشائعة
بين المؤمنين ففتّت في عضدهم وأوهت قوتهم وتسلط عليهم العدو..
ولما وقعت حادثة الإفك طار المنافقون بها فرحًا، وأشاعوها، وتلقفها
كثير من الناس وهم لا يشعرون، وظلت هذه الفتنة تعصف بالبيت النبوي شهرًا كاملًا
حتى أنزل الله براءة عائشة من السماء قرآنا يتلى إلى يوم القيامة.
وفي زمن عثمان أشاع عنه أعداء الإسلام ممن يتستر بالإسلام
إشاعات تتهمه بالظلم والأثرة والخروج عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي
بكر وعمر فحقَد عليه من حقَد، وتظاهروا عليه في المدينة وحصروه في داره ثم قتلوه
رحمه الله ورضي عنه.. ثم كان للشائعات دور كبير في الفتن التي حصلت بعد قتله وسفك
بسببها كثير من الدماء بغير حق.
ولا تزال الشائعات موجودة متجددة في المجتمعات؛ تفعل فعلها،
وتنفث سمومها، فكم كُذب من صادق! وخُوِّن من أمين! واتُهِم من بريء! وحصل بسببها
من المفاسد الخاصة والعامة ما لا يمكن حصره ولا عده!..
وقد ازداد خطرها في هذا الزمان؛ لسهولة نشرها وتناقلها على
المستوى العالمي من خلال وسائل الإعلام والتواصل الحديثة مع ضعف الأمانة والديانة
في كثير من الناس، وظهور الاختلافات والعداوات بين كثير من الناس، وسعي بعضهم في
إضرار بعض.
أيها المسلمون، إن الموقف السليم من هذه الشائعات يتلخص في
نقاط:
أولًا: أن نتثبت عند سماع الأخبار كما قال تعالى: ﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا، إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا؛ أَنْ
تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ، فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾.
ثانيًا: عدم نقل الأخبار وإشاعتها خاصة ما يتعلق بأمن البلد
ومصالحها العامة، لا ننقلها إلا بعد التأكد من صحتها وصلاحيتها للنشر، فما كل ما
يقال صحيح، ولا كل صحيح صالح للنشر، والواجب هو الرد إلى أهل العلم والدين ودراسة
ما يستحق النشر مما لا يصلح للنشر حتى لو كان صحيحًا كما قال تعالى: ﴿ وَإِذَا
جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ
إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ
يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ
لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾
ثالثاً: تحسين الظن بالمسلمين؛ فالأصل في المسلمين السلامة،
وأنزل نفسك منزلة أخيك، هل كنت تفعل ما أشيع عنه من السوء؟ فإن كنت لا تفعله فأخوك
لا يفعله، ولما ذكرت أم أيوب لأبي أيوب ما يقول أهل الإفك، قال: يا أم أيوب، أكنتِ
تفعلين ذاك؟ قالت: لا، والله! قال: فعائشة والله خير منك وأطيب. فأنزل الله عز وجل
﴿ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ
بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ ﴾.
بارك الله لي ولكم في القران العظيم ونفعني وإياكم بما فيه
من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر
المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة
الثانية
أما بعد، فإن نشر الأخبار الكاذبة وإذاعتها مما جاء فيه
الوعيد الشديد قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ
السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ و
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن عقوبة من يكذب الكذبة فتنتشر في الأفاق بأنه يشق
جانب فمه إلى قفاه ويشق جانب منخره إلى قفاه وتشق عينه إلى قفاه، ففي صحيح البخاري
عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه و سلم مما
يكثر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحد منكم من رؤيا؟ فيقص عليه من شاء الله أن يقص،
وإنه قال ذات غداة: إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي:
انطلق. وإني انطلقت معهما.. إلى أن قال: فانطلقنا فأتينا على رجلٍ مستلقٍ لقفاه
وإذا آخر قائمٌ عليه بكلّوبٍ من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيُشِرشِر شِدْقَه
إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، قال: ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل
به مثل ما فعل بالجانب الأول فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان،
ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى، قلت: سبحان الله ما هذان؟ قالا لي:
انطلق، انطلق. ثم أخبراه بخبره فقالا: أما الرجل الذي أتيت عليه يشَرشَر شِدْقُه
إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة
تبلغ الآفاق ".
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كفى
بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع ".
وقال صلى الله عليه وسلم: " إن الله حرم عليكم عقوق
الأمهات، ووأد البنات، ومنعًا وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة
المال " متفق عليه.
وفي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بئس
مطيةُ الرجلِ زعموا ".
وفي الأدب المفرد للبخاري عن علي بن أبي طالب أنه قال:
" لا تكونوا عُجُلًا مذاييعَ بُذُرًا " أي لا تكونوا مسارعين في نشر
الأخبار وإذاعتها.
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..
0 التعليقات:
إرسال تعليق