تعديل

الشيخ محمد سعيدباصالح

الاثنين، 14 يوليو 2014

وصف الجنة

وصف الجنة

[ 14/9/1435هـالموافق 11/7/2014م ]

للشيخ أسامة بن سالمين موفق

الخطبة الأولى
أيها المسلمون، إن أشرف الساعات وأنفس اللحظات في تاريخ العبد المؤمن تلك اللحظة التي يتناول فيها كتابه بيمينه ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ﴾، ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ﴾، تكاد روحه تخرج من بين أضلاعه فرحًا! إنه كتاب من عزيز رحيم! ذي الجبروت والملكوت والإجلال والإكرام! فتفتح لهم أبواب الجنة ﴿ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ ﴾، وعدّة أبوابها ثمانية، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، وما على عبد مؤمن دعي من تلك الأبواب كلها من ضرورة! ومقدار ما بين مصراعي باب الجنة أربعون سنة. 
فإن سألت عن زُمَر أهل الجنة فـ" أولُ زمرةٍ تدخل الجنة على صورة القمر ليلةَ البدر، والذين على آثارهم كأحسنِ كوكبٍ درّيٍّ في السماءِ إضاءةً ".
ولقد أخبر الصادق المصدوق أن في الجنة مائةَ درجةٍ ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه " أن أم الرَّبِيع بنتَ البراء - وهي أمُّ حارثة بن سراقة - أتت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبيَّ الله، ألا تحدثُني عن حارثة – وكان قُتِل يومَ بدر؛ أصابه سهمٌ غَرْب ( أي لا يدرى من رماه )- فإن كان في الجنة صبرْتُ، وإن كان غير ذلك اجتهدتُ في البكاء. قال: يا أمَّ حارثة، إنها جنان، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى ".
وفي الصحيحين من حديث أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " جنتان من فضةٍ آنيتُهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتُهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداءُ الكِبْرياء على وجهه في جنة عدن ".
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾.
سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن بنائها؟ فقال: " لبِنةٌ من فضة ولبِنةٌ من ذهبٍ، ومِلاطُها ( أي طينها الذي بين كل لبنتين ) المسكُ الأذفَر ( أي الخالص الذي لا يخالطه غيره، أو الشديد الريح )، وحَصباؤها ( أي حصاها الصغار ) اللؤلؤ الياقوت، وتربتُها الزعفران، من دخلها ينعَم ولا يبْأس، ويخلد ولا يموت، لا تبلَى ثيابُهم، ولا يفنَى شبابهم " رواه أحمد والترمذي. 
وكما أن هذا حالُها وأرضُها وبناؤها فإن فيها خيمةً من درّة مجوّفة عَرْضُها ستون ميلًا، في كل زاوية منها أهل لا يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن.. 
وإذا أجال المؤمن طرْفه يرى شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها.. ﴿ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا ﴾.
فإن اشتهى الفاكهة فـ ﴿ فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ ﴾ و ﴿ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ﴾ ﴿ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ﴾ وليست تلك الفواكه كفواكه الدنيا، وإنما تتشابه في الأسماء، فالاسم هو الاسم والمسمى غير المسمى، ألا ما أطيبَ تلك الثمار التي غُرِست أشجارُها في أرض المسك ثم سُقِيت بماءٍ هو أطهرُ ماءٍ وأنقاه وأعذبُ مَوردٍ للصادي وأحلاه! فإن كنتَ تريد غرسًا في الجنة فلا يفتُرَنّ لسانك عن ( سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ) فهو غراسها.. 
﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾.
أما على ماذا يُقدّم الطعام والشراب؟ فعلى صحافٍ من ذهبٍ يطوف عليهم بها غلمان كأنهم اللؤلؤ المكنون ﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ وهم الملوك على الأسرة على رؤوسهم التيجان ﴿ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ﴾..
أبهجُ الألوان الأخضر وألينُ اللباس الحرير، فقد جمع الله لأهل الجنة بين حُسن منظر اللباس والتذاذِ العين به وبين نعومتِه والتذاذِ الجسم به. 
﴿ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ﴾
وفي الحديث الصحيح: " أن لكل رجل منهم زوجتان، على كل زوجة سبعون حلة يبدو مخُّ ساقِها من ورائها ".
ثم يأتي أعلى نعيم يمرّ على أهل الجنة وألذُّه وأكرمُه وأبركُه حين يرون ربّهم الذي آمنوا به وصدقوا رسله وأطاعوه ظاهرًا وباطنًا.. الله الذي أكرمهم بإدخالهم الجنة وجعل لهم هذا النعيم العظيم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربَّنا وسعديك! والخير في يديك. فيقول: هل رضيتُم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتَنا ما لم تعط أحدًا من خلقك! فيقول: ألا أعطيكم أفضلَ من ذلك؟ فيقولون: يا رب، وأيُّ شيء أفضلُ من ذلك؟ فيقول: أُحِلُّ عليكم رضواني فلا أسخطُ عليكم بعده أبدًا ".
وبعد قرارِهم في الجنة وتمتِّعهم بها يؤتَى بالموت كأنه كبشٌ أملحُ فيوقَف بين الجنة والنار، فيُذبَح وهم ينظرون، فلو أن أحدًا مات فرحًا لمات أهل الجنة! ولو أن أحدًا يموت حزنًا لمات أهل النار! 
تلك هي الجنة! 
فللّهِ ما في حشوِها من مسرّةٍ * وأصنافِ لذّاتٍ بها يُتنعَّمُ 
وللهِ برْدُ العيشِ بين خيامِها * وروضاتِها والثغرُ في الروضِ يَبسُمُ 
وللهِ واديها الذي هو موعدُ المزيدِ لوفدِ الحُبِّ لو كنتَ منهمُ 
بذيّالكَ الوادي يهيمُ صبابةً * محبٌّ يرى أن الصبابةَ مَغنَمُ 
وللهِ أفراحُ المحبينَ عندما * يخاطبُهم من فوقِهم ويُسلِّمُ 
وللهِ أبصارٌ ترى اللهَ جهرةً * فلا الضيمُ يغشاها ولا هي تَسْأمُ 
فيا نظرةً أهدتْ إلى الوجهِ نضرةً * أمِن بعدِها يسلو المحبُّ المُتيَّمُ! 
فحيَّ على جناتِ عدنٍ فإنها * منازلُك الأولى وفيها المُخيَّمُ 
ولكننا سبْيُ العدوِّ فهل تَرَى * نُرَدُّ إلى أوطانِنا ونُسَلَّمُ
وحيَّ على السوقِ الذي فيه يلتقي المحبونَ ذاك السوقُ للقومِ يُعلَمُ 
وحيَّ على يومِ المزيدِ الذي به * زيارةُ ربِّ العرشِ فاليومُ موسِمُ 
فبينا هموا في عيشِهم وسرورِهم * وأرزاقُهم تجري عليهم وتُقْسَمُ 
إذا هم بنورٍ ساطعٍ أشرقتْ لهُ * بأقطارِها الجناتُ لا يتوهَّمُ 
تجلّى لهم ربُّ السمواتِ جهرةً * فيضحكُ فوقَ العرشِ ثم يُكلِّمُ 
( سلامٌ عليكم ) يسمعونَ جميعُهم * بآذانِهم تسليمَهُ إذ يُسلِّمُ 
يقولُ: سلوني ما اشتهيتُم فكلُّ ما * تريدونَ عندي؛ إنني أنا أرحَمُ 
فقالوا جميعًا: نحن نسألكَ الرضا * فأنت الذي تُولِي الجميلَ وتَرْحَمُ 
فيعطيهمُ هذا ويُشهِدُ جمعَهم * عليه تعالى اللهُ, فاللهُ أكرمُ 
فيا بائعًا هذا ببخسٍ مُعجَّلٍ * كأنك لا تدري! بلى سوف تَعلَمُ! 
والله تعالى يقول - وهو أصدق القائلين -: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. 
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، عانى الناسُ معاناةً مُرّةً من انقطاع التيار الكهربائي بشكل متكرر خلال الأيام الماضية.. ونحن بدورنا نطالب السلطة أن تضع حلًا لهذه المشكلة، كما نحث المواطنين على المحافظة على المصالح العامة وعدم الانجرار وراء التكسير وقطع الطرقات والاعتداء على الموظفين أثناء قيامهم بمهامهم وفي مقار عملهم؛ لأن هذه المصالح ملك الجميع، والمطالبة للجهات الرسمية تكون بصورة سلمية وحضارية حفاظًا على الصالح العام.. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.. ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More