تعديل

الشيخ محمد سعيدباصالح

الجمعة، 19 ديسمبر 2014

خطبة ( تكريم الإسلام للمرأة )



تكريم الإسلام للمرأة
 [ 27/2/1436هـالموافق 19/12/2014م ]
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، جاء الإسلام لتكريم الإنسان، ونشر العدل، ومحاربة الظلم، ووضَعَ التشريعات العادلة والأحكام الكفيلة بتوفير الحياة الكريمة، وخص الضعاف بمزيد عناية كالنساء، فدافع عنهن، وأبطل عادات الجاهلية وأحكامها الجائرة، فندّد بما كان يفعله أهل الجاهلية من قتل البنات خشيةَ الفقر أو العار.. قال تعالى: ﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾ أي: تُسأل الموءودةُ بحضرة قاتلها: ما الذنب الذي ارتكبته فأوجب قتلَها؟ زيادةً في الإنكار على قاتلها وتوبيخِه حين يسمع إجابتها بأنها قُتِلت بلا ذنب!
وقال تعالى مصوّرًا مشاعر الجاهليين عند البشارة بالبنات: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾. أي: إِذَا بُشِّرَ أَحد المشركين بِوِلاَدَةِ أُنْثَى لَهُ اعْتَرَاهُ الحُزْنُ، وَعَلَتْهُ الكَآبَةُ، وَظَلَّ سَاكِناً يَكْظِمُ غَيْظَهُ، وَيُحَاوِلُ أَنْ يُخْفِيَهِ مِنْ شِدَّةِ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الحُزْنِ ( وَهُوَ كَظِيمٌ ) أي وهو مُمْتَلِىءٌ غَيْظًا فِي قَرَارَاةِ نَفْسِهِ. وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ﴾. أي: إِذَا بُشِّرَ أَحَدُ هَؤُلاَءِ المُشْرِكِينَ بِوِلاَدَةِ بِنْتٍ لَهُ أَنِفَ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَتْهُ الكَآبَةُ والحُزْنُ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ، وَتَوَارَى مِنْ قَوْمِهِ خَجَلًأ
فكراهة البنات وسواد الوجه والحزن والكآبة عند ولادتها سمة من سمات الجاهلية، وقتل البنات سمة أخرى من سمات الجاهلية، وهي سمة ما زالت موجودة إلى اليوم رغم كل الشعارات والأكاذيب.. فقد ذكرت التقارير أن عدد الذكور في الهند تجاوز عدد الإناث حيث يوجد ( 850 ) بنتًا مقابل ( 1000 ) ذكر، وأنه يتم بين الفينة والأخرى العثور على أجنة لإناث في المجاري أثناء تنظيفها.  
ومن سمات الجاهلية: إكراه المرأة على البغاء؛ استغلالًا لضعفها وفقرها؛ كان يحصل هذا قديمًا في بيئة الإماء، قال تعالى: ﴿ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾. فقد َكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ إِذَا كَانَ لأَحَدِهِمْ أَمَةٌ أَرْسَلَهَا تَزنِي، وَجَعَلَ عَلَيْهَا ضَرِيبَةً َأْخُذُهَا مِنْهَا كُلَّ وَقْت، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلامُ نَهَى اللهُ المُؤْمِنِينَ عَنْ ذَلِكَ.
وما زال استغلال حاجة النساء موجودًا إلى اليوم رغم كل الشعارات التحررية والأكاذيب، إلا أنه تحول من بيئة الإماء إلى بيئة الحرائر، مع تغير طفيف في الطريقة والأسلوب، حيث تفيد الدراسات أن المرأة تباع في أوربا بثمن يتراوح ما بين ( 15 – 20 ) ألف يورو؛ لتكون سلعة في ملك صاحبها يتصرف فيها كما يشاء ويستغلها كما يريد فيوظفها في أعمال الدعارة ليتقاضى منها ما مقداره ( 2000 ) يورو كإتاوة أسبوعية يفرضها عليها. وقد ازدادت تجارة النساء رواجًا في أوربا ليصل عدد من يتم تداولهن بين كبريات العواصم الأوربية إلى ( 100000 ) امرأة ليصل حجم المتاجرة بهن إلى ( 10 ) مليارات يورو سنويًا. هذا هو حال المرأة في بلاد تحرير المرأة!
إن المرأة لم تتحرر قط ولم تحصل على كرامتها وإنسانيتها إلا في ظل الإسلام، فقد حرص الإسلام على حمايتها والدفاع عنها وأنزل الله لذلك آياتٍ تتلى إلى يوم القيامة، ومن اهتمام الإسلام بالمرأة أن الله أنزل سورة تسمى ( سورة النساء )، وأخرى تسمى ( سورة الطلاق ) وهي التي يسميها بعض العلماء ( سورة النساء الصغرى ). وبلغ اهتمام الإسلام بالمرأة ما يبلغه أي مذهب أو قانون أو نظرية.. وراعى الإسلام ضعفها وحذر من العدوان عليها في نفس أو مال أو كرامة..
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ " رواه أحمد والنسائي وابن ماجه. أي أُشهِدُ اللهَ على التحذير من إضاعة حق الضعيفين ( اليتيم والمرأة ) وأنهى عن ظلمهم والتعدي عليهم وأشدّد على الناس في ذلك.
والظلم الذي يقع على المرأة أنواع كثيرة، وألوان مختلفة، فمن ذلك:
حرمانها من الميراث: ولهذا أنزل الله آيات المواريث في سورة النساء وبين حق المرأة في الميراث وحذر من التلاعب في هذا الباب فقال تبارك وتعالى بعدما بين المواريث ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾.
ومن الظلم الواقع على المرأة: أكلُ مالها والاستيلاء على راتبها ومصادرة ممتلكاتها، قال تعالى: ﴿  وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾، وقال تعالى: ﴿ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾، وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ وقال تعالى: ﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا ﴾.
ومن الظلم الواقع على المرأة: الضرب بلا نشوز، والضرب المبرّح عند النشوز، عن إياس بن أبي ذباب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تضربوا إماء الله " قال: فذُئِرَ النساء وساءت أخلاقهن على أزواجهن ( أي نفرن ونشرن واجترأن وأظهرن العصيان ) فقال عمر بن الخطاب: ذُئِرَ النساء وساءت أخلاقهن على أزواجهن منذ نهيت عن ضربهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فاضربوا " فضرب الناس نساءهم تلك الليلة فأتى نساء كثير يشتكين الضرب فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين أصبح: " لقد طاف بآل محمد الليلة سبعون امرأة كلهن يشتكين الضرب وايم الله لا تجدون أولئك خياركم " رواه النسائي وابن حبان. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يضاجعها في آخر اليوم " رواه البخاري.
ومن الظلم الواقع على المرأة: شتم المرأة وإهانتها أمام أولادها وتحقير رأيها وتقبيح خلقها.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "َأَطْعِمُوهُنَّ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَاكْسُوهُنَّ مِمَّا تَلْبَسُونَ وَلَا تَضْرِبُوهُنَّ وَلَا تُقَبِّحُوهُنَّ " رواه النسائي وأبو داود والبيهقي. فلا ينبغي وصف المرأة بالقبح في وجهها أو ذاتها أو صفاتها، وإيذائها بالألفاظ الجارحة.
وصور الظلم الواقع على النساء كثيرة منه: التقتير في النفقة، والإهمال العاطفي والنفسي، وترك العدل بين الزوجات، والهجر بلا سبب، وعضلها عن الزواج، ومنعها من الرجعة إلى زوجها.. وأشياء مؤلمة يطول المقام بذكرها..
ولله ما جاء في خطبة الوداع من الوصية بالنساء في أعظم محفل وأكبر اجتماع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا. إِلَّا إِنَّ لَكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقٌّ، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ، فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ، وَطَعَامِهِنَّ ".
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم..

الخطبة الثانية
أيها المسلمون, حذرنا الله سبحانه وتعالى من متابعة أهل الكتاب فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴾ وأخبرنا أن أهل الكتاب يخلطون الحق بالباطل، فقال مخاطبًا أهل الكتاب: ﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾, ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾.
ومما جرى فيه الخلط بين الحق والباطل والخير والشر: اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ( السيداو ).. تلك الاتفاقية المشبوهة المخالفة للديانات والشرائع وثقافات الشعوب والعادات والأعراف والتقاليد؛ الداعية إلى المساواة بين الجنسين وإلغاء جميع الفوارق وإلغاء الولاية على النساء والقوامة على الزوجات ومنع الزواج المبكر ومنح الحرية الكاملة للأولاد والبنات في ممارسة الفاحشة وتحريم الختان وغير ذلك مما يطلقون عليه اسم ( العنف ضد المرأة القائم على أساس النوع الاجتماعي )، وتصوير العلاقة بين الرجل والمرأة على أنها صراع نزاع وليست تكامل وتعاون على تحمل تكاليف الحياة.. وأول خطأ ارتكبته هذه الاتفاقية بحق المرأة هو تهميش دور المرأة وعملها في البيت، فهو في نظر الاتفاقية بطالة، ولا قيمة له، ولا معنى، وإنما المطلوب منها أن تخرج إلى ميادين العمل.. فإذا كانت نظرة الاتفاقية إلى التربية وبناء الجيل هذه النظرة القاصرة.. فأي إنصاف ستقدمه للمرأة!
إننا ننصح ونحذر من الاغترار بهذه الأفكار الغريبة وندعو إلى الدراسة المتعمقة لهذه النظريات والاتفاقيات الغريبة قبل تسويقها في بلاد المسلمين..
والدين النصيحة.. وغدًا يسأل كل إنسان عما قال ويحاسب على ما فعل..
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين.  

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More