تعديل

الشيخ محمد سعيدباصالح

الجمعة، 17 نوفمبر 2017

الزلازل

الزلازل
٢٨|٢|١٤٣٩هالموافق ١٧|١١|٢٠١٧م
جامع الرحمة بالشحر
الخطيب/ محمد بن سعيد باصالح
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، خلق الله الأرض لنا وجعلها سكنًا آمنًا، وفراشًا مهادًا، وكِفاتًا، تحمل الأحياء، وتحتضن الأموات، وألقى فيها رواسي أن تميد بنا، وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها، وجعل لنا فيها معايش لنشكر، وجعلها ذلولًا لنمشيَ في مناكبها ونأكلَ من رزقه، وسلك لنا فيها سبلًا لنهتدي، وشق فيها الأنهار وأودع فيها أنواع الثمرات وأصناف النباتات والكنوز والطاقات.. وهي ساكنة مطمئنة، فإذا ربُّك أوحى لها انتفضت، فبعثرت المساكن وسكّانها، وزعزعت الأملاك ومُلَّاكها، وقال الإنسان: ما لها! ما لها!
ربك أوحى لها، فأذنت لربها وحقت..
رأيتُ اللهَ أكبرَ كلِّ شيءٍ *
محاولةً وأكثرَهم جنودًا
" وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا " ، "  وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ".
جرى الحديث بين الناس وفاض بما رأوا من آثار الموجة الزلزالية التي ضربت إيران والعراق، وترددت أصداؤها في نواحي الجزيرة، وكل إناء بما فيه ينضح، فمن قائلٍ: كوارث طبيعية لا علاقة لها بالدين، واستمروا في غَيِّكم، ومن قائلٍ: اتقوا الله وحاسبوا أنفسكم وتذكّروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: " يخوف الله بها عبادَه ".
عن سلمةَ بنِ نُفَيل السَّكُوني رضي الله عنه قال: كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوحى إليه فقال: " إني غيرُ لابثٍ فيكم، ولستم لابثين بعدي إلا قليلًا، وستأتوني أفنادًا، يُفنِي بعضُكم بعضًا، وبين يدي الساعة موَتانٌ شديد، وبعده سنواتُ الزلازل ".
فكثرةُ الزلازل ودوامُها وشمولُها علامةٌ على قُرب الساعة.
وهي آية باهرة دالة على قدرة الله، والمخلوقاتُ كلُّها مِرآةٌ عاكسة، يرى فيها العبدُ قدرةَ الله وعظمتَه..
إن هذه القوارع توقظ الغافل، الذي غرته قوّتُه، فيفيق من سِكرتِه، ويتذكر أن الله الذي خلقه هو أشد منه قوة " فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ".
والزلازل والآيات وعيد من الله لأهل الأرض لعلهم يعتبرون ويذَّكَّرون ويرجعون قال تعالى: " وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ".
ورجفت المدينة في عهد عمر رضي الله عنه فقال: " يا أهل المدينة، ما أسرع ما أحدثتم، والله لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم ".
فعلّل رضي الله عنه الزلزلة بتقصير أهل المدينة ووجود المعاصي فيهم، فخشي أن تعمّه العقوبة بسببهم.
وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما كسفت الشمس: " هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن يخوّف الله بها عباده " وفي حديث أبي بكرة رضي الله عنه: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد، ولكن الله تعالى يخوّف بهما عباده ".
فأهل المراقبة لله وأفعاله، الذين يخافون ربهم من فوقهم، إذا رأوا مثل ذلك، فزعوا إلى الله؛ خشية أن تكون عقوبة.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " كانت الريح الشديدة إذا هبَّت عُرِف ذلك في وجه النبي صلى الله عليه وسلم ".
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى مَخِيلةً في السماء أقبل وأدبر، ودخل وخرج، وتغيّر وجهه، فإذا أمطرت السماء سُرِّيَ عنه، فعرَّفته عائشة ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " وما أدري لعله كما قال قوم عاد: " فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ ".
والزلازل قد تكون عقوبة وغضبًا وانتقامًا من الكافرين والفاسقين.
وقد تكون تطهيرًا للمسلمين من الذنوب والمعاصي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمتي هذه أمةٌ مرحومة، ليس عليها عذاب في الآخرة، عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل ".
أي الغالب أنهم مجزيون بأعمالهم في الدنيا بالمحن والأمراض وأنواع البلايا كما قال تعالى: " مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ " وقال تعالى: " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين ".
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، كثرة الزلازل من علامات الساعة، تظهر بدايتها ولا تزال تتابع وتكثر حتى تستحكم وحتى تسمى تلك السنوات " سنوات الزلازل ".
عن عبدالله بن حوالة رضي الله عنه قال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم  يده على رأسي أو على هامتي فقال: " يا ابنَ حَوالة، إذا رأيتَ الخلافة قد نزلت الأرضَ المقدسة، فقد دنَتِ الزلازل والبلابل والأمور العظام، والساعةُ يومئذ أقربُ إلى الناس من يدي هذه من رأسك ".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى يُقبَضَ العلم، وتكثُرَ الزلازل، ويتقاربَ الزمان، وتظهرَ الفتن، ويكثُرَ الهَرْج (وهو القتل) وحتى يكثُرَ فيكم المال فيَفيض ".
والواجب عند رؤية الزلازل ونحوها المبادرة بالتوبة ورد المظالم والاستغفار والذكر والدعاء والضراعة والصدقة والخوف من غضب الله وانتقامه وتذكير الناس ووعظهم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خسفت الشمس على عهده.
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..  

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More