اقتناص الفرص ٢٤|٢|١٤٤٠هـالموافق ٢|١١|٢٠١٨م جامع الرحمة بالشحر الخطيب / محمد بن سعيد باصالح الخطبة الأولى أيها المسلمون، الحياة فرص، وأعظم فرصةٍ في الدنيا فرصةُ الإيمان والعمل الصالح.. فرصةُ الدين واليقين.. فرصة التزود من الباقيات الصالحات.. فرصة الفوز برضا الرحمن الرحيم مالك يوم الدين.. فرصة أن يكون الله ورسوله أحب إلى المرء مما سواهما.. فمن الناس من حاز تلك الفرصة فأسلم وجهه وقلبه لله واتبع الرسول صلى الله عليه وسلم ففاز وذلك الفوز العظيم، ومن الناس من سفه نفسه وأضاع حظه فكفر بأنعم الله وغمس نفسه في الضلالات ونسي الله فنسيه الله حتى وافاه الأجل وجاءت سكرة الموت بالحق فخسر الدنيا والآخرة.. خسر نفسه وأهله ألا ذلك هو الخسران المبين.. ولا تزال تعرض للإنسان في حياته فرص، فرصة العلم النافع والإيمان الصادق، وفرصة التوبة والإنابة، وفرصة الصدقة في الأزمات، وفرصة كفالة الأيتام، وفرصة الصلاة وكثرة السجود، وفرصة الإكثار من قراءة القرآن وذكر الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وقد تأتي الإنسان في حياته فرص نادرة لا تكاد تعود مرة أخرى فمن كان همه الآخرة تذكر لقاء الغفار ودار القرار وصحبة سيد الأخيار والأنبياء الأبرار ومن كان همه الدنيا تذكر الدنيا فسأل من متاعها ما لا يساوي عند الله جناح بعوضة.. والفرق بين همم العباد كالفرق بين السماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع! أتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أعرابيًّا فأكرمه وقام بواجب الضيافة والقِرى فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ائتنا) - يعني لنُكرِمَك ونَجزيَك أجرَ ما صنعتَ لنا - فأتاه يومًا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سَلْ حاجتَك) قال: ناقةٌ نرَكَبُها وأعنُزٌ يحلِبُها أهلي! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(أعَجَزْتُم أن تكونوا مثلَ عجوز بني إسرائيل) ؟ قالوا : يا رسول الله وما عجوز بني إسرائيل؟ قال: (إن موسى عليه السلام لما سار ببني إسرائيل من مصر ضلوا الطريق فقال: ما هذا؟ فقال علماؤهم: إن يوسف عليه السلام لما حضره الموت أخذ علينا مَوثِقًا من الله أن لا نخرُجَ من مصر حتى ننقُلَ عظامَه معنا قال: فمن يعلمُ موضعَ قبرِه؟ قالوا: عجوزٌ من بني إسرائيل. فبعث إليها فأتته فقال: دُلِّيني على قبر يوسف قالت: حتى تعطيَني حكمي قال: وما حكمُكِ؟ قالت: أكون معك في الجنة فكره أن يعطيها ذلك فأوحى الله إليه: أن أعطِها حكمَها فانطلقت بهم إلى بُحَيرةٍ - موضِعِ مُستنقَعِ ماءٍ - فقالت: أَنضِبوا هذا الماء - يعني انزَحُوه ونشِّفوه - فأَنْضَبُوه فقالت: احتفروا. فاحتفروا فاستخرجوا عظام يوسف فلما أقلُّوها إلى الأرض - يعني رفعوها - إذا الطريق ُمثلُ ضوءِ النهار). لم تطلب العجوز شيئًا من الدنيا ولكنها طلبت مرافقة كليم الرحمن موسى بن عمران عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.. همةٌ عالية، ونفسٌ وثّابة، وقلبٌ طموح، وحسنُ ظن بالله العلي العظيم.. الله ارزقنا حسن الظن بك والطمع في رحمتك ورجاء مغفرتك يا أرحم الرحمين ويا خير الغافرين.. ومثل عجوز بني إسرائيل ربيعة خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فلنستمع إلى قصته.. قال ربيعة: كنتُ أبيتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيتُه بوَضوئِه وحاجتِه فقال لي: (سَلْ) فقلت: أسألك مرافقتَك في الجنة. قال: أوَ غيرَ ذلك؟ قلت: هو ذاك. قال: (فأعنّي على نفسك بكثرة السجود). لله دَرُّك يا ربيعة! لقد سألتَ ما تمنّاه الأولون والآخرون.. سألتَ ما أسهرَ العيون وحبب إلى الصائمين ظمأ الهواجر وأرخص المال في الوصول إلى بيت الله الحرام وجعل القراء يترنمون بآيات الكتاب العزيز آناء الليل والنهار.. اللهم إنا نسألك الرفيقَ الأعلى والنصيبَ الأوفى من جنات النعيم ونسألك الهدى والتقى والعفة والنُّهى والبشرى عند انقطاع الدنيا ونسألك إيمانًا لا يبيد وقرة عين لا تنفد وفرحًا لا ينقطع وتوفيق الحمد ولباس التقوى وزينة الإيمان ومرافقة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى جنة الخلد. هذا ربيعة.. وأما أبو الدحداح فقد اشترى نخلة في الدنيا مقابل نخلة في الجنة ودفع في شراء نخلة الدنيا بستانًا كاملًا فيه ستمائة نخلة! عن أنس أن رجلًا قال: يا رسول الله إن لفلانٍ نخلةً وأنا أقيم حائطي بها فأْمُرْهُ أن يعطيَني - يعني تلك النخلة - حتى أقيمَ حائطي بها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أعطِها إياه بنخلة في الجنة) فأبى. فأتاه أبو الدحداح فقال: بِعني نخلتَك بحائطي! ففعل. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني قد ابتعتُ النخلة بحائطي، فاجعلها له - يعني للرجل المحتاج - فقد أعْطَيتُكَهَا فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كم مِن عِذْقٍ رَداح لأبي الدحداح في الجنة) قالها مرارًا قال: فأتى أبو الدحداح امرأتَه فقال: يا أمَّ الدحداح، اخرُجي من الحائط؛ فإني قد بعتُه بنخلةٍ في الجنة. فقالت: ربح البيع! الله أكبر.. الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات.. علوٌّ في الهمم وسموٌّ في العزائم ونفوسٌ أبية أبتْ أن تجعل الدنيا أكبر همها أو مبلغَ علمها.. والله تعالى يقول: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ). بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله.. الخطبة الثانية أيها المسلمون، كلما طلعت شمس العزم وأشرقت الأرض بنور الإيمان أعادت لنا ذكرى عثمان رضي الله عنه الذي بذل ماله ونفسه لله، وبادر إلى اقتناص الفرصة كلما سنحت له فرصة.. عن أبي عبد الرحمن أن عثمان رضي الله عنه حين حوصر أشرف عليهم فقال: أنشُدُكم الله - ولا أنشد إلا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم – تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من حفر بئر رومة فله الجنة) فحفرتها. ألستم تعلمون أنه قال: (من جهّز جيش العسرة فله الجنة) فجهزتهم فصدقوه بما قال. وعن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار في كُمِّه حين جهّز جيشَ العسرة فنثرها في حجره، قال: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقلّبها في حجره ويقول: (ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم) مرتين. هنيئًا لك يا عثمان بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهنيئًا لك ما صنعتَ من المعروف والإحسان.. ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..
0 التعليقات:
إرسال تعليق