الدعوة إلى الله ١٧|٢|١٤٤٠هـالموافق ٢٦|١٠|٢٠١٨م جامع الرحمة بالشحر الخطيب / محمد بن سعيد باصالح الخطبة الأولى أيها المسلمون، الأنبياء خيار بني آدم لكمال علمهم وخشيتهم وصدقهم وإخلاصهم ودعوتهم وتعليمهم وصبرهم على الناس، ثم من تأسى بهم من العلماء الربانيين الذين ورثوا عن الأنبياء العلم والعمل والزهد والورع والصدق والإخلاص والهمة العالية في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فعملوا على إخراج الناس من الظلمات إلى النور كما فعل الأنبياء فأسلم على أيديهم خلق كثير واهتدى بوعظهم وإرشادهم جمٌّ غفير من الحيارى والتائهين والسادرين والغارقين في الضلالة.. فنالُوا أجرَ من أسلم ومن اهتدى على أيديهم فمن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا يَنقُص ذلك من أجورهم شيئًا. وكل من اهتدى على أيديهم فهو يعلم مقدار الجميل الذي قدموه له لأنهم أخرجوه من الظلمات إلى النور وأنقذوه من النار وقد كان على شفا حفرة منها فأشرق بدعوتهم قلبه وبان له طريقُه وعرف الله الذي صدّه الشيطان عن سبيله. وفي الأثر: ((الحمد لله الذي امتن على العباد بأن جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويحيون بكتاب الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيَوه وضالٍّ تائه قد هدَوه، بذلوا دماءهم وأموالهم دون هلكة العباد، فما أحسنَ أثرَهم على الناس وأقبحَ أثرَ الناس عليهم، يقتلونهم في سالف الدهر إلى يومنا هذا بالحدود ونحوها فما نسيهم ربك، وما كان ربك نسيًّا، جعل قصصهم هدى، وأخبر عن حسن مقالتهم، فلا تقصِّر عنهم فإنهم في منزلة رفيعة، وإن أصابتهم الوضيعة)). وكلما وهن عزمهم تذكروا المدِّثر صلى الله عليه وسلم الذي هجر الدثار وقام ينذر ويكبّر ربه ويطهر ثيابه ويحذّر من عبادة الأوثان ويصبر على ما يلقاه في سبيل الله.. وتذكروا نوحًا عليه السلام الذي ظلّ ألف سنة إلا خمسين عامًا يدعو إلى الله لا يعرف الملل والكلل، يدعو بالليل والنهار والسر والإعلان لم ييأس ولم يترك الدعوة حتى أوحى الله إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون. وديوانُ الدعوة إلى الله حافل بنماذج شتى من الدعاة ذوي الهمم العالية والعزائم السامية.. فهذا إبراهيم عليه السلام الذي خاصم قومه في الله وناظرهم وجادلهم ولما رأى أنهم لا يكفيهم الدليل العلمي راغ إلى آلهتهم فقال: ألا تأكلون! ما لكم لا تنطقون! فراغ عليهم ضربًا باليمين.. ومن شدة تعلقه بدينه ومحبته له وصى بنيه وتبعه حفيدُه يعقوب فوصّوا أبناءهم بالتمسك بالدِّين حتى يلقوا رب العالمين ((وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)). وهذا يوسف المسجون بغيًا وعدوًا يجد فرصة للدعوة إلى الله فيشرح دعوة التوحيد بكل ثبات ((وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ. قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ. وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ. يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ. مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)). وقد تعجب الكاتب الفرنسي (آرنولد) من المسلمين الذين لا ينسون دينهم حتى وهم في الأسر والسجون فإذا وجدوا فرصة دعَوا من أسرهم! ودعَوا المساجين المقصِّرين المحبوسين معهم! فأي محبة عندهم لدينهم! وقد خلّد الله سبحانه موقفَ صاحبِ ياسين الذي جاء من أقصى المدينة يسعى وقال: ((يا قوم اتبعوا المرسلين)) ولما قتله أصحابه تلقته الملائكة وقيل: ((ادخل الجنة. قال: يا ليت قومي يعلمون!)). وأعلى البريّةِ كلِّها همّةً في الدعوة إلى الله نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال الله له: ((فلا تذهب نفسُك عليهم حسرات)) وقال: ((فلعلك باخعٌ نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفًا)). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارًا فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يَذبُّهنَّ عنها، وأنا آخُذُ بِحُجَزِكُم وأنتم تَفَلَّتُون من يَدِي)). لقد دعا صلى الله عليه وسلم إلى الله في المساجد والطرق والأسواق والمنازل والمواسم ومشى إلى الطائف ولما قال له ملَكُ الجبال: إن شئتَ أن أُطبقَ عليهم الأخشبَين. قال: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا. صلى عليك الله يا عَلَم الهدى.. والله ما طلعت شمس ولا غربت * إلا وحبك مقرون بأنفاسي ولا جلستُ إلى قومٍ أحدِّثهم * إلّا وأنتَ حديثي بين جُلَّاسِي ومن حرصه أنه مشى إلى رأس المنافقين عبدِ الله بن أُبَيّ بن سَلول يدعوه إلى الله.. ومن حرصه أنه مشى إلى بيت كبير اليهود يدعوه إلى الله.. ومن حرصه أنه عاد غلامًا يهوديًا كان يخدمه فدعاه إلى الإسلام فأسلم فخرج وهو يقول: الحمد الله الذي أنقذه من النار.. وجاء رجل يريد قتلَه فأخذ السيف من يده وطلب منه الدخول في الإسلام.. وكتب إلى كسرى وقيصر والنجاشي وملوك الأرض والأمراء والجبارين يدعوهم إلى الإٍسلام.. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.. الخطبة الثانية أيها المسلمون، الدعوة إلى الله ليست وقفًا على العلماء والأئمة والخطباء والوُعَّاظ والدُّعاة وليست الدعوة خطبة ولا درسًا ولا كلمة تُلقى بين يدي المصلين.. بل كل مسلم داعية، وكل أمر بالمعروف ونهي عن المنكر دعوة، فمُر بالمعروف أولادَك وإخوانَك وجيرانَك وأصحابَك وزملاءك ومديرَك في العمل ومن تحت ولايتِك من الموظفين.. وانهَ عن المنكر كل من يفعله من جارٍ وصاحب وولدٍ ووالد وقريب وبعيد.. فأفراد المجتمع إخوانُك، وأولاد المسلمين أولادُك، ولا تقل: لا علاقة لي بالآخرين. بل عليك تعلمَ العلم النافع والعملَ به ودعوةَ الآخرين إليه والصبرَ على الأذى فيه.. والمجتمع كالسفينة إذا غرق بعضُها غرق كلها.. والدعوة إلى الله ليست خاصة بالمسلمين فقط بل علينا الانطلاق بالدعوة إلى الكافرين أيضًا لإنقاذهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور.. وقد انشغل المسلمون بأنفسهم وأكلتهم الخلافات والنزاعات في المسائل الاجتهادية وتركوا دعوة الأمم الأخرى بل تركوا دعوة الغافلين من المسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله.. ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..
0 التعليقات:
إرسال تعليق