تعديل

الشيخ محمد سعيدباصالح

الجمعة، 11 أغسطس 2017

خطبة ( الحج وذكرياته )

الحج وذكرياته
١٩|١١|١٤٣٨هالموافق ١١|٨|٢٠١٧م
جامع الرحمة بالشحر
الخطيب / محمد بن سعيد باصالح
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، قال الله جل وعلا: (( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ )).
الحج ركنٌ من أركان الإسلام تتجلى فيه العبوديةُ لله رب العالمين؛ ففي أداء الشعائر والتلبس بالطاعات من تجردٍ عن الثياب وحسرٍ عن الرءوس وطواف بالبيت واستلامِ أركانه وفي موقف عرفاتٍ ومزدلفةَ ومِنى في ذلٍّ وخضوعٍ وتضرعٍ وخشوع، وفي رمي الجمار والذبحٍ أو النحر.. يظهرُ مظهر العبودية لرب العباد وبارئهم، وإفراد الله بالعبادة وحده دون سواه، وتلك هي غاية الوجود قال تعالى: (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ* إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ )).
والرحلةُ إلى البيت الحرام تشبهُ الرحلةَ إلى الدار الآخرة، ومن مقاصد الحج دوامُ التذكر والبعدُ عن الغفلة وعدمُ الركون إلى الدنيا، وأخذُ العبرة للاستعداد والتشميرِ عن ساعد الجد للتزود من الأعمال الصالحة وادخارِها لحياةٍ باقية سعيدة وعيشٍ رغيد لا يفنى ولا يبيد.
فالحاج إذ يسلك في طريقه إلى الحج المفاوزَ ويجتاز المخاوفَ والصعاب، لا يكونُ له ما يُسلّيه ويروّحُ عنه ويربِطُ جأشَه في رحلته حتى يبلغَ مأمنَه إلا ما أعدَّه من مالٍ ومركوب وإلا ما ادّخره من زادٍ ومزادٍ فهو يشبه من يفارق دنياه وحيدًا فريدًا لا أهلَ ولا مال ولا زادَ ولا مزادَ إلا ما ادّخره من عملٍ صالح وإلا ما سعى إليه من كلِّ مناحي البرِّ وأوجهِ الخير، ومثلُ ذلك تجرُّده عن المـَخِيط كتجرُّدِه عن ثيابِه للغسل عند الموت، وفيه إشارة إلى الإعراض عن الترفّهِ والزينة.
وكونُ الحاجِّ أشعثَ أغبرَ يشبه خروجَه من القبر إلى المحشر حيرانَ لهفانَ مندهشًا ينفُض عنه غبارَه.
وفي تلبيته إجابتُه لنداء ربِّه الذي استدعاه على لسان أبيه إبراهيم عليه السلام، وامتثالَ أمرِ نبيِّه صلى الله عليه وسلم الذي أجاب حين سئل: أيُّ الحجِّ أفضل؟ فقال: (( العَجُّ والثَجّ )).
ووقوفُ الحجيج في عرفاتٍ كوقوفهم في عَرَصات القيامة آملين راغبين راجين راهبين وهم بين شقيٍّ وسعيد ومقبولٍ ومخذول.
وتعرُّضُهم للهاجرةِ وحمَّارةِ القَيظ في عرَفاتٍ كتعرضهم لِلَفْحِ الشمس وغمرةِ العَرَق في المحشر.
وإفاضُتهم من عرفاتٍ كانفضاضِهم من الموقف في القيامة بعد الفصل والقضاء.
ولبثُهم في مزدلفةَ ومِنى كلُبْث المذنبين وانتظارِهم لشفاعة الشافعين.
ورميُهم الجمار يذكِّرهم بقصة أبيهم إبراهيم عليه السلام مع الشيطان الرجيم والتشبهِ به، والاقتداءِ بنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم.
وذبحُهم الأضاحي تجديدٌ لذكرى فداء الله تعالى إسماعيلَ بكبشٍ من الجنة، حينما أراد والده إبراهيم عليهما السلام ذبحَه امتثالًا لأمر الله تعالى.
قال الله تبارك وتعالى في محكم التنزيل: (( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ* وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ )).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله..
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، قال الله عز وجل: (( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ* ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ* حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ* ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ* لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ )).
طوافُ الحجيج بالبيت الحرام تعظيمٌ للبيت لكونه رفع على قواعد الخليل وابنِه إسماعيل عليهما السلام.
ورَمَلُهم واضطِباعُهم في الطواف تذكيرٌ لقلوبهم بهدي الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والاقتداءِ بفعله ليكونوا على شيء من صبرِه وعزمِه وجَلَدِه وتذكرةٌ بنشأة الإسلام في عهده الأول.
وسعيُهم بين الصفا والمروة تذكيرٌ بحال إسماعيلَ وأمِّه هاجرَ عليهما السلام، حين تركهما الخليلُ عليه الصلاة والسلام في رعاية رب العالمين، ففاضت زمزمُ بماء البركة وعمَّ الخيرُ واتسع العُمران.
وحلقُهم وتقصيرُهم لشعورهم طريقٌ لخروجهم من الإحرام والتحررِ من أحكامِه وقيودِه، وبه يتحقق انقضاءُ التشعُّثِ والتغبُّر، وفي الحلقِ بعد ذلك كلِّه إشارة إلى إبعادِهم الذنوبَ عنهم واستئصالِهم كلَّ رذيلةٍ وابتعادِهم عن الأهواء والأغراض الشخصية.
قال الله عز وجل: (( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ )).
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More