المستضعفون

المستضعفون 

المكان : جامع الفرقان بالشحر . الزمان : 7/7/1434هـ الموافق17/5/2013م

الخطبة الأولى

أيها المسلمون، جاء الإسلام لحماية المستضعفين من الرجال والنساء والولدان, فسنَّ القوانين التي تحمي النساء واليتامى ومن لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلًا، فحرم العدوان على أموال النساء والولدان وحقوقهم.

والعدوان ألوان؛ ومن ألوانه الاستيلاء على الصداق والحرمان من الميراث والحيف على النساء في المعاملة والقسوة والغلظة والإذلال والإهانة وشحة النفقة والإهمال المادي والمعنوي والكلام الجارح وتكليف ما لا يطاق وقلة المعروف وزعَارة الخلق والكبت والتهديد ,إن تكلمت طلقها وإن سكتت علقها، والأنانية وتقديم المصالح الخاصة على مصالح الأسرة, وتفضيل بعض الزوجات على بعض، والشتم والضرب على أتفه الأسباب ومضايقة المرأة لتتنازل عن صداقها أو نفقتها أو حقوقها المادية والمعنوية وترضى بسياسة أخف الضررين.

قال - تعالى - في حماية النساء من الظلم الاجتماعي الواقع عليهن : ﴿ وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾.

وقال - تعالى - بعدما أنهى الكلام على المواريث : ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾.

وقال - تعالى - في وجوب العدل بين النساء : ﴿ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ﴾.

وقال - تعالى - في النهي عن مضايقة المرأة لتتنازل عن صداقها:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا . وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا . وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾.

ومن ألوان العدوان أكل أموال اليتامى بالضم المباشر إلى الأملاك الخاصة أو تحويل أموال اليتامى إلى الحساب الشخصي عبر سلسلة من الألاعيب وأساليب الاحتيال المطورة أو الاستثمار فيها لمصلحة القيِّم لا لمصلحة اليتيم.

قال - تعالى - في التحذير من العدوان على مال اليتيم: ﴿ وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ﴾.

وقال - جل وعلا- : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾.

ومما يعاني منه الأولاد : الإهمال التربوي والمادي فلا توجيه من أب ولا نصيحة ولا متابعة للولد ولا نفقة ولا حقوق للأولاد خصوصًا إذا حصل للزوجة تسريح بإحسان، فتجد الأب يعكس مشكلته الخاصة مع زوجته على أولاده فيحرمهم من النفقة الكافية ويهجرهم هجرًا قبيحًا ويعطل مصالحهم ويحول دون سعادتهم، يرد الخطاب لأتفه الأسباب ويفتعل الخصومات ويقف في طريقهم كأنهم ليسوا أولاده.

ومن الظلم الذي يقع في حياة الناس التفضيل بين الأولاد في العطية فيعطي أولاده من الزوجة الثانية دون الأولى؛ يكتب العقارات والبيوت والسيارات والمحلات التجارية بأسمائهم, فيوغر صدور الإخوان بعضهم على بعض ويغذي العداوات ويضع العوائق أمام بر الوالدين.

عن النعمان بن بشير أن أمه سألت أباه بعض الموهبة من ماله لابنها فالتوى بها سنة ثم بدا له فقالت: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما وهبت لابني.

فأخذ أبي بيدي وأنا يومئذ غلام فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أم هذا أعجبها أن أشهدك على ما وهبت لابنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا بشير ألك ولد سوى هذا؟ " قال: نعم. قال: " أكلهم وهبت له مثل هذا؟ " قال: لا. قال: " فلا تشهدني إذن فإني لا أشهد على جور " ثم قال: " أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟ " قال: بلى. قال: " فلا, إذَن ".

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم..

الخطبة الثانية

أيها المسلمون، المستضعفون من المسلمين في كل بلاد, ومآسي المسلمين في كل زاوية

مالي وللنجم يرعاني وأرعاهُ * أمسى كلانا يعاف الغمض جفناهُ

لي فيك يا ليل آهات أرددها * أواه لو أجْدتِ المحزونَ أواهُ

لا تحسبنّي محبًا يشتكي وصبًا * أهوِنْ بما في سبيل الحب ألقاهُ

إني تذكرتُ والذكرى مؤرقة * مجدًا تليدًا بأيدينا أضعناهُ

ويحَ العروبةِ كان الكون مسرحَها * فأصبحت تتوارى في زواياهُ

أنّى نظرتَ إلى الإسلام في بلدٍ * تجده كالطير مقصوصًا جناحاهُ

فلسطين والعراق وسوريا وبورما وما أدراك ما بورما؟ شيء يجل عن الوصف, وظلم لا تعبر عنه الكلمات, وصور بشعة لا تتحملها عدسات المصورين، لكِ الله يا بورما! فالمستضعفون من المسلمين لا ناصر لهم؛ بلى الله مولانا ولا مولى لهم، الله أعلى وأجل.

لقد حثنا الله على نصرة المستضعفين ودفع الظلم عنهم فقال جل وعلا : ﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ﴾.

ومن النصرة للمستضعفين تعريف العالم بقضيتهم ودعمهم وممارسة كل أشكال الضغط على المجتمع الدولي والحكومات المحلية لوضع حد للظلم والجور الواقع عليهم والدعاء لهم فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو للأسرى المستضعفين من أصحابه حين وقعوا في الأسر قال أبو هريرة: كان النبي صلى الله عليه و سلم يدعو في القنوت " اللهم أنجِ سلمة بن هشام اللهم أنجِ الوليد بن الوليد اللهم أنجِ عياش بن أبي ربيعة اللهم أنجِ المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم سنين كسني يوسف ".

وأمر صلى الله عليه وسلم بالسعي في إطلاق سراح الأسرى فقال: " فكوا العاني " أي الأسير. وعن أبي جحيفة - رضي الله عنه - قال : قلت لعلي - رضي الله عنه - : هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أعلمه إلا فهمًا يعطيهِ اللهُ رجلًا في القرآن وما في هذه الصحيفة. قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل - يعني الديات - وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر "

ولقد أعجبني ما قام أهالي المعتقلين في ( غوانتامو ) من وقفة احتجاجية على الظلم الواقع على أبناءهم؛ اثنا عشر عامًا من السجن بلا توجيه تهمة ولا محاكمة.

هذه الوقفة تلتقي مع جهود الأحرار في العالم الذين يبذلون جهودًا كبيرة لإجبار الإدارة الأمريكية على إغلاق هذا السجن السيء الصيت.

أبارك هذه الخطوة وأدعو الجميع إلى مساندتهم والوقوف مع قضيتهم.

ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..

تصنيف : الخطب