تعديل

الشيخ محمد سعيدباصالح

الجمعة، 19 يوليو 2013

رمضان شهر التوبة والصدقة


رمضان شهر التوبة والصدقة
المكان : جامع الرحمة بالشحر . الزمان : 10/9/1434هـ الموافق19/7/2013م

الخطبة الأولى
أيها المسلمون، يأتي رمضان ليقدم دعوة مفتوحة للتوبة، ويطلق نداء نديًا للإنابة: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر؛ يا باغي الخير أقبل على ربك، ولذ بجناب الذي خلقك فسواك فعدلك؛ أقبل على دينك، والزم شرع نبيك؛ أقبل على كتاب ربك؛ استيقظ من غفلتك؛ أفق من غمرتك، فهذا أوان العمل، ومضمار السباق.
يا باغي الخير، هل أدلك على من بيده الملك وهو على كل شيء قدير؟ هل أدلك على من يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل؟ هل أدلك على إله عظيم وربٍّ كريم، يده ملآى لا يَغيضها نفقة، سحّاء آناء الليل والنهار، أرأيت ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يَغِض مما في يمينه؟ هل أدلك على من ينادي على عباده، يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعًا فاستغفروني أغفر لكم.
يا باغي الخير هل أدلك على من يفرح بتوبتك  أشد من فرح رجلٍ كان على راحلته، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، ثم أتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك، إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك! أخطأ من شدة الفرح. فالله أشد فرحًا بتوبتك من هذا، فما يمنعك من التوبة؟ وما يحول بينك وبين التوبة؟
يا باغي الخير، يدخل عليك رمضان ويخرج ولا تتوب، يدخل عليك رمضان ويخرج ولا يغفر لك، تلك - إذن - خسارة فادحة؛ صعد النبي - صلى الله عليه وسلم - المنبر فقال: آمين، آمين، آمين، ثم قال : أتاني جبريل - عليه السلام - فقال: يا محمد، من أدرك أحد والديه فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين. فقلت: آمين. قال: يا محمد، من أدرك شهر رمضان فمات فلم يغفر له فأدخل النار فأبعده الله، قل: آمين. فقلت: آمين، قال: ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين. فقلت: آمين.
يا باغي الخير، ألا تتوب، وربك - جل وعلا - يقول: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾، ألا تتوب، وربك - جل وعلا - يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
يا باغي الخير، ألا تتوب، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة.
يا باغي الخير، ألا تدري أن للتوبة بابًا عرض ما بين مصراعيه ما بين المشرق و المغرب لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها.
يا باغي الخير، إلى أين تذهب، والنبي - صلى الله عليه وسلم -يقول: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى.
أين تذهب والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارًا، فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها، وهو يذبهن عنها، وأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تتفلتون من يدي.
يا باغي الخير، إنها فرصتك، اغتنمها قبل أن تفوت، وبادر إلى طرق الباب، وقف بين يدي رب الأرباب، وقل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وألجأت ظهري إليك، وفوضت أمري إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ. وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ. وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ. أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾.
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية
أيها المسلمون، إن الزكاة التي فرضها الإسلام وبين حدودها وأحكامها نظام فريد في تاريخ الإنسانية لم يسبق إليه تشريع سماوي ولا تنظيم وضعي، وهي نظام مالي واقتصادي، وهي مورد مالي دائم من موارد بيت المال في الإسلام، تصرف في تحرير الأفراد من رق العوز وإشباع حاجاتهم الاقتصادية وغيرها، ثم هي حرب عملية على سياسة الكنز وحبس الأموال عن التداول والتنمية والاستثمار.
وهي نظام اجتماعي؛ لأنها تعمل على تأمين أبناء المجتمع ضد العجز الحقيقي والحكمي، وضد الكوارث والجوائح، وتحقق بينهم التضامن الإنساني، الذي يعين فيه الواجد المعدم، ويأخذ القوي بيد الضعيف والمسكين وابن السبيل، ويقرب المسافة بين الأغنياء والفقراء، ويعمل على إزالة الحسد والضغينة بين القادرين والعاجزين، ويعين المصلحين بين الناس على اتجاههم الخيِّر، ويدفع لهم ما غرموا في سبيل الخير العام، كما تسهم في حل كثير من مشكلات المجتمع وتعينه على تحقيق أهدافه النبيلة وغاياته الطيبة المثلى.
وهي نظام خُلُقي؛ لأنها تهدف إلى تطهير نفوس الأغنياء من دنس الشح المهلك، وتزكيتها بالبذل وحب الخير، والمشاركة الوجدانية والعملية للآخرين، كما تعمل على إطفاء نار الحسد في قلوب المحرومين الذين يمدون أعينهم إلى ما متع الله به غيرهم من زهرة الحياة الدنيا، وإشاعة المحبة والإخاء بين الناس.
وهي - قبل ذلك كله - نظام ديني؛ لأن إيتاءها دعامة من دعائم الإيمان، وركن من أركان الإسلام، وعبادة من أسمى ما يُتقرب به إلى الله - تعالى -؛ ولأن القصد الأول من إعطائها لذي الحاجة تقوية إيمانه بالدين، وإعانته على طاعة الله وتنفيذ أوامره، ولأن الدين هو الذي جاء بها، وهو الذي فصَّل أحكامها وبين مقاديرها وحدد مصارفها، وجعل جزءًا منها في معونة ذوي الحاجة من أهله، وجزءًا آخر في تأليف القلوب عليه، وفي نُصرته وإعلاء كلمته وتأمين دعوته في الأرض ﴿ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلهُ للَّه ﴾.
هذه هي الزكاة كما شرعها الإسلام، وإن جهل المسلمون في الأعصر الأخيرة حقيقتها.
هذه الزكاة وحدها دليل على أن هذه الشريعة من عند الله، فما كان لمحمد النبي الأمي في أمة أمية أن يهتدي إلى مثل هذا النظام الفذ العادل، بتفكيره الشخصي، أو بمعلوماته القليلة، لولا أنّ الله اختصه بوحيه، وأنزل عليه آياته هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، وعلمه ما لم يكن يعلم، وكان فضل الله عليه عظيمًا.
وحين كان للإسلام صولة، وللنظام الاقتصادي في الإسلام دولة، اختفى الفقر من العالم الإسلامي، وبلغت الأمة قمة الرفاهية والرخاء في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز، الذي فاض المال في عهده، وجاءت الشكوى من الشام ومصر وأفريقيا بأنه لا يوجد مكان لتخزين أموال الزكاة!
فقال عمر: أرسلوا مناديًا ينادي في ديار الإسلام: أيها الناس، من كان عاملًا للدولة وليس له بيت يسكنه فليبن له بيت على حساب بيت مال المسلمين، أيها الناس، من كان عاملًا للدولة وليس له مركب يركبه فليشتر له مركب على حساب بيت مال المسلمين، أيها الناس، من كان عليه دين لا يستطيع قضاءه، فقضاؤه على حساب بيت مال المسلمين، أيها الناس، من كان في سن الزواج ولم يتزوج فزواجه على حساب بيت مال المسلمين، ففعلوا، لكن الشكوى ما زالت قائمة، فقال: عودوا ببعض خيرنا على فقراء اليهود والنصارى حتى يستكفوا، ففعلوا، لكن الشكوى ما زالت قائمة، فقال عمر - رحمه الله -: انثروا القمح على رؤوس الجبال، حتى لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين.  
هل سمعتم بحضارة مثل هذه الحضارة! هل قرأتم عن عدالة اجتماعية كهذه العدالة، هل رأيتم رخاء مثل هذا الرخاء.
إنه الإسلام.
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين...  

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More