تعديل

الشيخ محمد سعيدباصالح

الخميس، 25 يوليو 2013

غزوة بدر وفتح مكة


غزوة بدر وفتح مكة - الاعتكاف
المكان: جامع الرحمة بالشحر. الزمان: 17/10/1434هـالموافق 26/7/2013م
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، لقد اقترن شهر رمضان بحدثين كريمين مباركين وقعا في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، هما يوم بدر يوم الفرقان، ويوم فتح مكة يوم علو الشأن.
لقد تجلت في هاتين المعركتين معان عظيمة، ودلائل سامية، وعظات بالغة لمن ألقى السمع وهو شهيد، لعل من أعظم ذلك وأجله يقينَ المؤمن أن الأمور إنما تدبر في الملكوت الأعلى، وأن الله - جل وعلا - وحده الفعال لما يريد، فلا يقع في الكون إلا ما أراده الله.
فقد ذكر الله - جل وعلا - مسيرة الركب، أي قافلة أبي سفيان ، وذكر الرب - تبارك وتعالى - خروج خير الخلق - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وذكر - تبارك وتعالى - خروج قريش تنتصر لقافلتها، كل ذلك وكلٌ منهم كان يحسب أمرًا ووقع آخر، قال الله - جل وعلا -: ﴿ إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ﴾.
خرج - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر يطلب العير، وخرجت قريش تنتصر لقافلتها، ونجا أبو سفيان بالقافلة، لكن الله - جل وعلا - قدّم وأخّر في إخبار كل أحد بما وقع؛ حتى يلتقي الفريقان، ويلتحم الجيشان، ثم يكون يوم الفرقان كما أراد ربنا - تبارك وتعالى -؛ نصرة لنبيه، وإظهارًا لدينه، وإعلاء لشأن كلمة التوحيد التي بعث الله بها الرسل، وأنزل الله من أجلها الكتب.
وتجلى في هاتين المعركتين ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من خُلُقٍ جَمٍّ وقلبٍ رحيم، وقد بعثه الله رحمة للعالمين، فلما فدَتْ قريش أسراها بعثت زينب ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقلادة كانت أمها خديجة قد أعطتها إياها يوم فرحها؛ لتفدي بها زوجها العاص بن الربيع ، فلما رأى - صلى الله عليه وسلم - القلادة تذكر خديجة ورق لابنته زينب ودمعت عيناه - صلوات الله وسلامه عليه -.
ولما وقف في مكة بعد أن منّ الله عليه بالفتح الأعظم والمقام الأكرم قال: « يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، فقال - صلى الله عليه وسلم -: اذهبوا فأنتم الطلقاء ».
أيها المسلمون، عفو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد قدرته على من آذاه دليل على منزلته العظيمة التي تبوأها - صلوات الله وسلامه عليه - من الخلق الجم، والسلوك القويم.
أيها المسلمون، لقد تجلى في هاتين المعركتين العظيمتين محبة أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - لنبيهم صلوات الله وسلامه عليه، الذين آمنوا به وعزروه ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، أولئك هم المفلحون.
في تلك الغزوة وفي غيرها؛ في كل محفل وموطن، أثبتوا محبتهم ونصرتهم لرسول الله، وقد تجلى ذلك فيهم أفرادًا وجماعات.  
أيها المسلمون، إن وعد الله حق؛ فلما كان ما كان من قتلى بدر، وضعهم - صلى الله عليه وسلم - في بئر مهجورة تعرف بالقَلِيب، ثم وقف يناديهم: « يا أبا الحكم بن هشام، يا شيبة بن ربيعة، يا عتبة، ... - يناديهم بأسمائهم - هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًا؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقًا، فقال له عمر - رضي الله عنه -: يا نبي الله، أتخاطب أقوامًا قد جيّفوا! قال: يا عمر، ما أنت بأسمعَ لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون جوابًا.
هذا هو النصر في الدنيا، ولَلآخرةُ أكبرُ درجاتٍ وأكبرُ تفضيلًا، يوم يفصل الله بين أهل الإيمان وأهل الكفر؛ بين أهل الجنة وأهل النار؛ بين من يعملون الصالحات ومن يعملون السيئات ﴿ وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ: أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ: أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ اللهم اجعلنا ممن يحيى يرتقب وعدك الحق.
أيها المسلمون، لقد تجلى في هاتين المعركتين العظيمتين إكرامُ الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ فلما سجد نبيكم - صلى الله عليه وسلم - أيام البعثة الأولى عند الكعبة انتدبت قريش رجلًا منها يضع على ظهره الشريف سلَى الجزور، فمكث سلَى الجزور على ظهره الشريف ما شاء الله أن يمكث،
وعبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - حاضر لا يستطيع أن ينتصر لنبيه، فبعث رجلٌ رسولًا إلى ابنته فاطمة، فجاءت فاطمة ورفعت سلَى الجزور عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ...، نظر - صلى الله عليه وسلم - إلى أولئك الذين ائتمروا عليه وتهكموا به، فدعا عليهم. قال ابن مسعود - رضي الله عنه - وقد شهد الواقعة الأولى: فلقد رأيت من دعا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صرعى يوم بدر في القليب - قليب بدر -.
فانظر أيها المؤمن، ما هي إلا سنوات ثم انتقم رب الأرض والسماوات لخير من ختم الله به الرسل، وأتم الله به النبوات.
وفي أيام البعثة الأولى همّ - صلى الله عليه وسلم - أن يدخل الكعبة فمنعه عثمان بن أبي طلحة سادنُ الكعبة يومئذ من دخول البيت، فقال - صلى الله عليه وسلم -: « يا عثمان، كيف بك إذا كان المفتاح بيدي أضعه بيد من أشاء، فقال عثمان: لقد ذلّت قريش يومئذ وهانت! ».
ثم مضت السنون ومرت الأعوام، والله - جل وعلا - يحفظ نبيه وينصره ويكلأُه، حتى دخل - صلى الله عليه وسلم - الكعبة يوم الفتح، فكبر في نواحيها، وصلى بالبيت ركعتين، ولما همّ بالخروج أنزل الله - جل وعلا - عليه، وهو عليه الصلاة والسلام، عند عَضُدَتَي باب الكعبة: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾، فقال - صلى الله عليه وسلم - بعدما خرج: « أين عثمان بن طلحة؟ قال: أنا هنا يا رسول الله. فأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - مفتاح الكعبة، وقال: خذوها يا بني شيبة، خالدة تالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم»، فهي إلى اليوم فيهم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وصدق الله القائل: ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ. وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾، وصدق الله القائل: ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا، فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ، وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية
أيها المسلمون، الاعتكاف سنة من سنن نبيكم - صلى الله عليه وسلم -، فمن رام أن يعتكف العشر فها هي بيوت الله ترحب بضيوف الرحمن، ومن أدب الاعتكاف أن يبقى المعتكف في معتكَفِه في جوٍّ من العبادة؛ من الذكر وقراءة القرآن والتسبيح والتهليل، وألا ينشغل بالخلائق عن الخالق، والاعتكاف - أيها الأحباب في الله -، إنما يراد به الانقطاع إلى رحمة رب العالمين - جل جلاله-، فيكون فيه ذكر الله وقراءة القرآن والتسبيح والتهليل، ولو نام شيئاً من نهاره حتى يستعين بذلك على العبادة بالليل كان أكمل وأعظم وأوفر؛ لأن ليلة القدر ليلًا لا نهارًا. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ. سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾.
فاجتهدوا فيها بالدعاء والعبادة، قالت عائشة - رضي الله عنها -: « كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله » وشد المئزر كناية عن التشمير في الطاعة والاجتهاد في العبادة،
لمّا أتتْكَ قمِ الليلَ استجبْتَ لها ** تنام عينُك أما القلبُ لم ينَمِ
الليلُ تسهرُهُ بالوحيِ تعمرُهُ ** وشيّبتْك بهودٍ آيةُ استقمِ
وروى الترمذي بسند صحيح من حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « أرأيت إن علمت أي ليلة هي ليلة القدر ماذا أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ».
وليلة القدر في الأوتار أرجى منها في الشفع، وهي في إحدى وعشرين وثلاث وعشرين وسبع وعشرين أرجى ما تكون، ومذهب الجمهور أنها ليلة سبع وعشرين، وهل هي ثابتة أو تنتقل؟ قولان لأهل العلم، أصحهما: أنها تنتقل في الأوتار، فاجتهدوا عبادة الله، فما بقي من رمضان إلا القليل؛ اجتهدوا عباد الله، فقد أزف الترحّل،
أزِفَ الترحّلُ غيرَ أن ركابَنا ** لما تزُلْ برحالِنا وكأَنْ قَدِ
يا عابد الله، اجتهد قبل فوات الأوان، والتمس رحمة ربك، واحذر أن تفوتك العطية، وتخرج من رمضان صفر اليدين من رحمة الله، ﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا ﴾، ﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ﴾.
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين، فقد أمركم بذلك رب العالمين بقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾.. اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد...

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More