الأحد الصمد
١٣|٥|١٤٣٨هالموافق ١٠|٢|٢٠١٧م
جامع الرحمة بالشحر
الخطيب/ محمد بن سعيد باصالح
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، عن أنس رضي الله عنه قال: كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء وكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح ب ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) حتى يفرغ منها ثم يقرأ سورة أخرى معها وكان يصنع ذلك في كل ركعة فكلمه أصحابه فقالوا: إنك تفتتح بهذه السورة ثم لا ترى أنها تُجزئك حتى تقرأ بأخرى فإما أن تقرأ بها وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى. فقال: ما أنا بتاركها. إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت وإن كرهتم تركتكم. وكانوا يرون أنه من أفضلهم وكرهوا أن يؤمهم غيرُه فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر فقال: ( يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك؟ وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟ ) فقال: إني أحبها. فقال: ( حبُّك إياها أدخلك الجنة ).
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا على سريّة وكان يقرأ لأصحابه في صلاته فيختم ب ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( سَلوه لأي شيء يصنع ذلك ) فسألوه. فقال: لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أخبروه أن الله يحبه ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( قال الله :كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتَمني ولم يكن له ذلك. فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني! وليس أولُ الخلق بأهونَ علي من إعادته! وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدًا! وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أُولَد ولم يكن لي كفؤًا أحد ).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلًا سمع رجلًا يقرأ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) يرددها فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له وكأن الرجل يتقالُّها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن ).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟) فشق ذلك عليهم وقالوا: أينا يطيق ذلك يا رسول الله؟ فقال: ( الله الواحد الصمد ثلث القرآن ) وفي رواية: ( إِنَّ اللَّهَ جَزَّأَ الْقُرْآنَ ثَلاَثَةَ أَجْزَاءٍ فَجَعَلَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الْقُرْآنِ ).
أيها المسلمون، هذه السورة العظيمة تضمنت كل ما يجب إثباتُه لله من صفات الإثبات، وهى صفات الكمال التي لا يلحقها نقص، وتضمنت كل ما يجب نفيُه عن الله من النقائص، فنفت الولد والوالد والمثيل والنظير والشريك.
فالصَّمَدَ يتضمن جميعَ صفات الكمال مع كون الخلائق تصمِد إليه في حوائجها فتقصده وتطلب منه مطالبها الدينية والدنيوية، ومن ثبت له الكمال التام انتفت عنه النقائص المضادة له، وانتفى الشريك والمثيل.
والأحد هو الذي ليس كمثله شيء في صفات الكمال الثابتة فلا مثيل له ولا نظير ولا شريك.
وقوله: (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ) تنفي الأصل والفرع والولد والوالد.
وقوله: ( وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) تنفي النظير والمثيل.
فاللهُ سبحانه وتعالى اجتمعت له كل صفات الكمال مثل: الربوبيةِ والمِلكيةِ والحياةِ والقَيّوميّةِ والعزَّةِ والعلمِ والحكمةِ والرزقِ والغنى والجودِ والكرمِ والقدرةِ والمغفرةِ والصفحِ والرحمةِ والبرِ والإحسانِ والحلمِ والصبرِ والقداسةِ والهَيْمَنةِ، وهو ذُو الجبروتِ والملكوتِ والكبرياءِ والعظمةِ، بيدهِ ملكوتِ كلِ شيءٍ وهو يجيرُ ولا يُجَارُ عليه، وهو يَسْمعُ جميعَ الأصواتِ بجميع الَّلهْجاتِ على تَفَنُّن الحاجاتِ في جميعِ الأوقاتِ، وهو السميعُ البصيرُ اللّطيفُ الخبيرُ، وهو الأولُ فليس قَبْلَهُ شيءٌ، والآخِرُ فليس بَعْدَهُ شيءٌ، والظاهرُ فليس فوقهُ شيءٌ، والباطنُ فليس دونهُ شيءٌ، وهو بكل شيء عليم، وهو الغني الحميد الذي لا يحتاج إلى شيء والكل محتاج إليه في كل شيء، والناس كلهم فقراء إليه، محتاجون إليه في كل لحظة، يحتاجونَ ضرورةً لربوبيتهِ؛ ليربيَهم برزقه ونِعَمِه ورسالاته، وليعينَهم ويصونَهم وليحكمَ بينهم.. كما يحتاجون ضرورة لألوهيتِه لتَزْكُوا أنْفُسهُمْ؛ تَأْلَهُهُ قُلوبُهم محبةً وخوفًا وشوقًا وإنابةً وتعظيمًا وخضوعًا وغير ذلك؛ وإلا ماتت قُلُوبُهم وصَارًوا كالأنعام بل أضل.. وهو على كل شيء مُقِيتٌ وَكِيلٌ حَفِيظٌ رَقِيبٌ شَهِيدٌ.. وهكذا لا توجد صفة كمال إلا وهى ثابتةٌ له سبحانه.
وكلُّ صفه اتصف الله بها فهي على وجه الكمال ولا تزال بلا نقصٍ مهما أعطى بها خلقه. فمن صفاته الرحمة، فهو الرحمن الرحيم لم يزل ولا يزال كذلك، وهو سبحانه جعل الرحمة مائة جزء، وأنزل جزءً واحدًا منها؛ لتتراحم به الخلائق في الحياة الدنيا؛ حتى إن الدابة لترفع حافرَها عن ولدها خشيةَ أن تصيبه. فانظر - رحمك الله - إلى مئات الآلاف من الأجناس والأنواع من الأحياء في البر والبحر، ثم بتكرار الأجيال إلى يوم القيامة، فكم يكون عدد الأمهات من البشر وغيرِهم من الأحياء، لا يحصيهم إلا الله، فكم يكون عظم هذا الجزء من الرحمة! فكيف إذا أضيف إلى كل ذلك كلُّ رحمة بين الآباء والأبناء، وبين الرجال والنساء، وبين الكبار والصغار، وبين الرحماء والمساكين! فكيف إذا أضيف إلى ذلك رحمتُه تعالى بإرسال الرياح، وإنزال الماء من السماء، وإخراج النبات مما يأكل الناس والأنعام، ثم أضف إلى ذلك إنجاءَ المؤمنين، وغير ذلك من أنواع الرحمة.. وكلها داخلة في جزء واحد من المائة رحمة، ثم يوم القيامةَ يُرفع ذلك الجزء لينضمَّ إلى التسعة والتسعين؛ فتصير مائة كاملةً، كلُّها لأولياء الله يوم القيامة.. فكل هذه الرحمة التي جرت في الدنيا وأخذ منها جميع الخلق من البشر وغيرهم؛ حتى أئمة الكفر؛ فإنهم ما مكثوا على كفرهم عشرات السنين إلا برحمة الله لعلهم يتذكرون ويتوبون.. كلُّ هذه الرحمة لم تنقص من اتصاف الله تعالى بالرحمة ولو بمثقال ذرة! وقس على ذلك جميعَ الصفات من الخلق والرزق والعزة وغيرها.. فلو أن الأولين والآخرين والإنس والجن قاموا في صعيد واحد فسألوا الله فأعطى كلَّ واحد مسألتَه ما نقص ذلك مما عند الله إلا كما يَنقُص المِخْيَطُ إذا أُدخِل البحرَ!
فهو الكامل في جميع صفاته وأفعاله، وهو الذي لا تعتريه الآفات، ولا يبلى ولا يفنى، وهو الباقي بعد خلقه، وهو المتعالي عن الكون والفساد، إليه تصمِد المخلوقات وإياه تقصد الكائنات في جميع الحاجات على اختلاف الأوقات فيطعم ويسقي ويعطي ويشفي ويكفي ويؤوي ويهدي وينصر وكفى بربك هاديًا ونصيرًا ( يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم..
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، عن مِحْجَن بْن الأَدْرَعِ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ قَضَى صَلاَتَهُ وَهُوَ يَتَشَهَّدُ ويَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ يَا اللَّهُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. فَقَالَ: ( قَدْ غُفِرَ لَهُ قَدْ غُفِرَ لَهُ قَدْ غُفِرَ لَه).
وعن بُرَيْدَةَ بن الحُصَيب رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ. فَقَالَ: ( لَقَدْ سَأَلْتَ اللَّهَ بِالاِسْمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى وَإِذَا دُعِىَ بِهِ أَجَابَ ).
فتوسلوا في قضاء حوائجكم بأسماء الله الحسنى الدالة على صفاته العلى وتعبدوا الله بها ذكرًا ومعرفة وأنسًا ودعاءً واختاروا في الدعاء منها ما يناسب المقام والحال ولوذوا بالأحد الصمد في جميع الأحوال واعلموا أن الله رحيم ودود وقريب مجيب وبر كريم..
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..
١٣|٥|١٤٣٨هالموافق ١٠|٢|٢٠١٧م
جامع الرحمة بالشحر
الخطيب/ محمد بن سعيد باصالح
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، عن أنس رضي الله عنه قال: كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء وكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح ب ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) حتى يفرغ منها ثم يقرأ سورة أخرى معها وكان يصنع ذلك في كل ركعة فكلمه أصحابه فقالوا: إنك تفتتح بهذه السورة ثم لا ترى أنها تُجزئك حتى تقرأ بأخرى فإما أن تقرأ بها وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى. فقال: ما أنا بتاركها. إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت وإن كرهتم تركتكم. وكانوا يرون أنه من أفضلهم وكرهوا أن يؤمهم غيرُه فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر فقال: ( يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك؟ وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟ ) فقال: إني أحبها. فقال: ( حبُّك إياها أدخلك الجنة ).
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا على سريّة وكان يقرأ لأصحابه في صلاته فيختم ب ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( سَلوه لأي شيء يصنع ذلك ) فسألوه. فقال: لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أخبروه أن الله يحبه ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( قال الله :كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتَمني ولم يكن له ذلك. فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني! وليس أولُ الخلق بأهونَ علي من إعادته! وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدًا! وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أُولَد ولم يكن لي كفؤًا أحد ).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلًا سمع رجلًا يقرأ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) يرددها فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له وكأن الرجل يتقالُّها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن ).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟) فشق ذلك عليهم وقالوا: أينا يطيق ذلك يا رسول الله؟ فقال: ( الله الواحد الصمد ثلث القرآن ) وفي رواية: ( إِنَّ اللَّهَ جَزَّأَ الْقُرْآنَ ثَلاَثَةَ أَجْزَاءٍ فَجَعَلَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الْقُرْآنِ ).
أيها المسلمون، هذه السورة العظيمة تضمنت كل ما يجب إثباتُه لله من صفات الإثبات، وهى صفات الكمال التي لا يلحقها نقص، وتضمنت كل ما يجب نفيُه عن الله من النقائص، فنفت الولد والوالد والمثيل والنظير والشريك.
فالصَّمَدَ يتضمن جميعَ صفات الكمال مع كون الخلائق تصمِد إليه في حوائجها فتقصده وتطلب منه مطالبها الدينية والدنيوية، ومن ثبت له الكمال التام انتفت عنه النقائص المضادة له، وانتفى الشريك والمثيل.
والأحد هو الذي ليس كمثله شيء في صفات الكمال الثابتة فلا مثيل له ولا نظير ولا شريك.
وقوله: (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ) تنفي الأصل والفرع والولد والوالد.
وقوله: ( وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) تنفي النظير والمثيل.
فاللهُ سبحانه وتعالى اجتمعت له كل صفات الكمال مثل: الربوبيةِ والمِلكيةِ والحياةِ والقَيّوميّةِ والعزَّةِ والعلمِ والحكمةِ والرزقِ والغنى والجودِ والكرمِ والقدرةِ والمغفرةِ والصفحِ والرحمةِ والبرِ والإحسانِ والحلمِ والصبرِ والقداسةِ والهَيْمَنةِ، وهو ذُو الجبروتِ والملكوتِ والكبرياءِ والعظمةِ، بيدهِ ملكوتِ كلِ شيءٍ وهو يجيرُ ولا يُجَارُ عليه، وهو يَسْمعُ جميعَ الأصواتِ بجميع الَّلهْجاتِ على تَفَنُّن الحاجاتِ في جميعِ الأوقاتِ، وهو السميعُ البصيرُ اللّطيفُ الخبيرُ، وهو الأولُ فليس قَبْلَهُ شيءٌ، والآخِرُ فليس بَعْدَهُ شيءٌ، والظاهرُ فليس فوقهُ شيءٌ، والباطنُ فليس دونهُ شيءٌ، وهو بكل شيء عليم، وهو الغني الحميد الذي لا يحتاج إلى شيء والكل محتاج إليه في كل شيء، والناس كلهم فقراء إليه، محتاجون إليه في كل لحظة، يحتاجونَ ضرورةً لربوبيتهِ؛ ليربيَهم برزقه ونِعَمِه ورسالاته، وليعينَهم ويصونَهم وليحكمَ بينهم.. كما يحتاجون ضرورة لألوهيتِه لتَزْكُوا أنْفُسهُمْ؛ تَأْلَهُهُ قُلوبُهم محبةً وخوفًا وشوقًا وإنابةً وتعظيمًا وخضوعًا وغير ذلك؛ وإلا ماتت قُلُوبُهم وصَارًوا كالأنعام بل أضل.. وهو على كل شيء مُقِيتٌ وَكِيلٌ حَفِيظٌ رَقِيبٌ شَهِيدٌ.. وهكذا لا توجد صفة كمال إلا وهى ثابتةٌ له سبحانه.
وكلُّ صفه اتصف الله بها فهي على وجه الكمال ولا تزال بلا نقصٍ مهما أعطى بها خلقه. فمن صفاته الرحمة، فهو الرحمن الرحيم لم يزل ولا يزال كذلك، وهو سبحانه جعل الرحمة مائة جزء، وأنزل جزءً واحدًا منها؛ لتتراحم به الخلائق في الحياة الدنيا؛ حتى إن الدابة لترفع حافرَها عن ولدها خشيةَ أن تصيبه. فانظر - رحمك الله - إلى مئات الآلاف من الأجناس والأنواع من الأحياء في البر والبحر، ثم بتكرار الأجيال إلى يوم القيامة، فكم يكون عدد الأمهات من البشر وغيرِهم من الأحياء، لا يحصيهم إلا الله، فكم يكون عظم هذا الجزء من الرحمة! فكيف إذا أضيف إلى كل ذلك كلُّ رحمة بين الآباء والأبناء، وبين الرجال والنساء، وبين الكبار والصغار، وبين الرحماء والمساكين! فكيف إذا أضيف إلى ذلك رحمتُه تعالى بإرسال الرياح، وإنزال الماء من السماء، وإخراج النبات مما يأكل الناس والأنعام، ثم أضف إلى ذلك إنجاءَ المؤمنين، وغير ذلك من أنواع الرحمة.. وكلها داخلة في جزء واحد من المائة رحمة، ثم يوم القيامةَ يُرفع ذلك الجزء لينضمَّ إلى التسعة والتسعين؛ فتصير مائة كاملةً، كلُّها لأولياء الله يوم القيامة.. فكل هذه الرحمة التي جرت في الدنيا وأخذ منها جميع الخلق من البشر وغيرهم؛ حتى أئمة الكفر؛ فإنهم ما مكثوا على كفرهم عشرات السنين إلا برحمة الله لعلهم يتذكرون ويتوبون.. كلُّ هذه الرحمة لم تنقص من اتصاف الله تعالى بالرحمة ولو بمثقال ذرة! وقس على ذلك جميعَ الصفات من الخلق والرزق والعزة وغيرها.. فلو أن الأولين والآخرين والإنس والجن قاموا في صعيد واحد فسألوا الله فأعطى كلَّ واحد مسألتَه ما نقص ذلك مما عند الله إلا كما يَنقُص المِخْيَطُ إذا أُدخِل البحرَ!
فهو الكامل في جميع صفاته وأفعاله، وهو الذي لا تعتريه الآفات، ولا يبلى ولا يفنى، وهو الباقي بعد خلقه، وهو المتعالي عن الكون والفساد، إليه تصمِد المخلوقات وإياه تقصد الكائنات في جميع الحاجات على اختلاف الأوقات فيطعم ويسقي ويعطي ويشفي ويكفي ويؤوي ويهدي وينصر وكفى بربك هاديًا ونصيرًا ( يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم..
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، عن مِحْجَن بْن الأَدْرَعِ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ قَضَى صَلاَتَهُ وَهُوَ يَتَشَهَّدُ ويَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ يَا اللَّهُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. فَقَالَ: ( قَدْ غُفِرَ لَهُ قَدْ غُفِرَ لَهُ قَدْ غُفِرَ لَه).
وعن بُرَيْدَةَ بن الحُصَيب رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ. فَقَالَ: ( لَقَدْ سَأَلْتَ اللَّهَ بِالاِسْمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى وَإِذَا دُعِىَ بِهِ أَجَابَ ).
فتوسلوا في قضاء حوائجكم بأسماء الله الحسنى الدالة على صفاته العلى وتعبدوا الله بها ذكرًا ومعرفة وأنسًا ودعاءً واختاروا في الدعاء منها ما يناسب المقام والحال ولوذوا بالأحد الصمد في جميع الأحوال واعلموا أن الله رحيم ودود وقريب مجيب وبر كريم..
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..
0 التعليقات:
إرسال تعليق