تعديل

الشيخ محمد سعيدباصالح

الجمعة، 24 فبراير 2017

خطبة ( التكافل الاجتماعي )

التكافل الاجتماعي
٢٠|٥|١٤٣٨هالموافق ١٧|٢|٢٠١٧م
جامع الرحمة بالشحر
الخطيب/ محمد بن سعيد باصالح
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، قال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) فهو الخالق الرازق القوي المتين المتكفل بالأرزاق والأقوات.
وقال تعالى: ( لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) فله ملك السماوات والأرض، وبيده مفاتيح الرحمة والأرزاق، يوسِّع رزقه على مَن يشاء مِن عباده ويضيِّقه على مَن يشاء، إنه بكل شيء عليم، لا يخفى عليه شيء من أمور خلقه.
وقال تعالى: ( وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) فالزرق لا يختص ببقعة دون غيرها، بل رزق الله لخلقه يصل إليهم حيثما كانوا، فكم من دابة في حاجة إلى الغذاء والمطعم، وهي لا تستطيع جمعَ قوتها، ولا حملَه ولا ادخارَه إلى غدِها، الله يرزقها وإياكم يومًا بيوم، وهو السميع لأقوال عباده العليم بحركاتهم وسكناتهم.
فالله تبارك وتعالى قد تكفل بأرزاق الخلائق كلهم، قويِّهم وعاجزِهم، فكم ( مِنْ دَابَّةٍ ) في الأرض ضعيفةِ القوى، ضعيفةِ العقل، (لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا ) ولا تدخره، بل لم تزل، لا شيء معها من الرزق، ولا يزال الله يسخر لها الرزق، في كل وقت بوقته ( اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ) فكلكم عيال الله، القائم برزقكم، كما قام بخلقكم وتدبيركم ( وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) فلا يخفى عليه خافية، ولا تهلِك دابةٌ من عدم الرزق بسبب أنها خافية عليه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لو أنكم توكلون على الله حقَّ توكُّلِه لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خِماصًا وتروح بطانًا ).
فالتوكل على الله من أعظم الأسباب التي يستجلب بها الرزق قال الله عز و جل ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ).
ولو حقق الناس التقوى والتوكل لاكتفوا بذلك في مصالح دينهم وديناهم.
وحقيقة التوكل هو صدقُ اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المنافع ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة وتفويضُ الأمور كلِّها إليه وتحقيقُ الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع إلا الله.
وتحقيقُ التوكل لا ينافي السعيَ في الأسباب التي قدَّرَ الله المقدورات ِبها وجرَتْ سنتُه في خلقه بذلك؛ فإن الله تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعةٌ له، والتوكل بالقلب عليه إيمانٌ به.
أيها المسلمون، التكافل الاجتماعي من الإيمان، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما نحن في سَفَرٍ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجلٌ على راحلةٍ له فجعل - يعني الرجل - يصرِفُ بصرَه يمينًا وشمالًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَن كان معه فضْلُ ظَهْرٍ فليَعُدْ به على مَن لا ظَهْرَ له، ومَن كان له فَضْلٌ من زادٍ فليَعُدْ به على مَن لا زادَ له ) فذكر من أصناف المال ما ذكَر, حتى رأينا أنَّه لا حقَّ لأحدٍ منَّا في فَضْلٍ.
قال النووي رحمه الله: في هذا الحديث الحثُّ على الصَّدقة، والجودِ والمواساة، والإحسانِ إلى الرِّفقة والأصحاب، والاعتناءِ بمصالح الأصحاب، وأمرُ كبيرِ القوم أصحابَه بمواساة المحتاج، وأنَّه يكتفي في حاجة المحتاج بتعرُّضه للعطاء وتعريضه من غير سؤال، وهذا معنى قوله: ( فجعل يصرِفُ بصره ) أي: متعرِّضًا لشيء يدفع به حاجتَه، وفيه مواساة ابن السبيل، والصدقةُ عليه إذا كان محتاجًا، وإن كان له راحلة وعليه ثيابٌ أو كان موسرًا في وطنِه.
ومن هذا المنطلق نحضُّ على مراعاة الفقراء والضعفاء والمرضى وتفقُّد أحوالهم وسدِّ احتياجاتهم؛ عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنَّ الأشعريين إذا أَرمَلوا في الغزو, أو قلَّ طعامُ عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوبٍ واحدٍ ثمَّ اقتسموه بينهم في إناءٍ واحد بالسويَّة فهم منِّي وأنا منهم ).
قال النووي رحمه الله: معنى ( أرملوا ) فني طعامُهم. وفي هذا الحديث: فضيلة الأشعريين, وفضيلة الإيثار والمواساة، وفضيلة خلط الأزواد في السَّفَر، وفضيلة جمعِها في شيء عند قلَّتها في الحضَر ثم يُقسَم.
وعن جرير رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النَّهار فجاءه قومٌ حفاةٌ عراةٌ مجتابي النِّمار، متقلِّدي السيوف، عامَّتهم من مُضَر بل كلُّهم من مُضَر؛ فتمعَّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة؛ فدخَلَ ثمَّ خرَجَ؛ فأمر بلالًا فأذَّن وأقام فصلَّى ثم خطَبَ فقال:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ) إلى آخر الآية ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) والآيةَ التي في الحشر: ( اتَّقُوا اللهَ ولْتَنْظُر نفسٌ ما قدَّمَت لغَدٍ واتقوا الله ) تصدَّقَ رجلٌ من ديناره من درهمه، من ثوبه، من صاع بُرِّه، من صاع تمره. حتى قال: ولو بشقِّ تمرة. فجاء رجلٌ من الأنصار بصُرَّةٍ كادت كفُّه تعجزُ عنها بل قد عجزت. ثمَّ تتابع النَّاس حتى رأيت كَومَين من طعامٍ وثيابٍ، حتى رأيتُ وجهَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلَّل كأنَّه مُذْهَبة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَن سنَّ في الإسلام سنَّةً حسنةً فله أجرها وأجر من عمِلَ بها بعده من غير أن ينقُصَ من أجورهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سنَّةً سيِّئةً كان عليه وزرُها ووزرُ من عمِلَ بها من بعده من غير أن ينقُصَ من أوزارهم شيء ).
قال النووي رحمه الله: وأما سبب سروره صلى الله عليه وسلم ففرحًا بمبادرة المسلمين إلى طاعة الله تعالى وبذلِ أموالهم لله وامتثالِ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدفع حاجة هؤلاء المحتاجين وشفقةِ المسلمين بعضهم على بعض وتعاونِهم على البرِّ والتقوى، وينبغي للإنسان إذا رأى شيئًا من هذا القبيل أن يفرح ويُظهرَ سرورَه ويكونَ فرَحُه لما ذكرناه.
فعلى أفراد المجتمع التكافل فيما بينهم والتعاون على البر والتقوى.
وعلى التجار مراعاة إخوانهم المسلمين في الأسعار وعدم استغلال حاجة الناس في هذه الظروف.
وعلى الدولة مراقبة الأسعار ومنع التلاعب في تسعيرة المواد الغذائية وما يحتاجه الناس في ضروريات حياتهم.
ومن أسباب الخروج من هذه الأزمة: التوبة والاستغفار، والدعاء الصادق، والعودة إلى الله بترك الذنوب، وإقامة الدين وسياسة الدنيا به، وغرس معاني الإيمان في نفوس الناس، والاهتمام بالتنمية الاقتصادية، والعمل على إنشاء أسواق تعاونية خيرية كبيرة تقنع بربح يسير لمساعدة الفقراء والتخفيف عنهم، ونشر ثقافة الاقتصاد وتقليل الاستهلاك بقدر الإمكان، والمحافظة على الفائض والمستغنى عنه من الملابس والأدوية والأطعمة ونحوها وإعطاؤها للفقراء والمحتاجين أو من يتولى جمعها وتوزيعها من الجمعيات الخيرية، وعلى التجار والميسورين من المقيمين والمغتربين جمع صدقاتهم وزكواتهم مع حصر فقراء مناطقهم وتوزيعها عليهم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم..
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، نؤكد على الالتزام باللائحة الخاصة بتنظيم الزواجات والتي أقرتها السلطة المحلية مع أعيان ومشايخ ووجهاء البلد والتي تقتضي:
١- عدمَ إطلاق الأعيرة النارية والمفرقعات؛ لما يترتب عليه من أضرار مادية وجسدية.
٢- والالتزامَ بالوقت المحدد بالحفلة والدخلة إلى الساعة الثانية عشرة ليلًا كحد أعلى، وعدم سير المواكب المصاحبة في انتقال العروسين؛ لما يترتب عليه من إزعاج الناس.
٣- وتنظيمَ عملية التهنئة والمباركة للعرسان بعد العقد واحترام بيوت الله وتجنيبها الفوضى واللغط.
٤- واجتنابَ المنكرات في الأفراح.. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى..
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More