المؤتفكات
٢٠|١٠|١٤٣٨هالموافق ١٤|٧|٢٠١٧م
جامع الرحمة بالشحر
الخطيب / محمد بن سعيد باصالح
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، آمن لوط عليه السلام بدعوة إبراهيم عليه السلام وهاجر معه من العراق إلى الشام كما قال تعالى: (( فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ: إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي؛ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )) فبعثه الله رسولًا إلى أهل (سَدُوم) وسائر القرى المؤتفكة.
وكان أهل (سَدُوم) من أفجر الناس وأخبثِهم سريرة وسيرة، وأسوأهِم طويّة، وكانوا يحاربون الله وأنبياءه، ويسعون في الأرض فسادًا، ويقطعون الطريق، ويخونون الصديق، ويأتون في ناديهم المنكر جهارًا علنًا دون حياء أو خجل، وما كان فيهم رجل رشيد قال تعالى: (( وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ: أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ، إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ))، وقال: (( وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ: أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ، أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ))، وقال: ((وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ: إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ، أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ )) وقال: ((كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ: أَلَا تَتَّقُونَ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ، وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ، وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ )).
لقد كان قوم لوط يفعلون الفاحشة ويأتون الرجال شهوة من دون النساء ولم يسبقهم بهذا الفعل الشنيع أحد من العالمين، وكانوا في غاية الجهل في السلوك والإسراف في الجريمة، وكانوا يقطعون السبيل ويفعلون المنكرات في المحافل العامة ولا يتحاشون من أحد ولا يستحيون من شيء فجاءهم لوط عليه السلام يدعوهم إلى التوحيد والطهارة والأخلاق والفضيلة وينهاهم عن الفحش والإجرام والخبث والخبائث.. فلم تلقَ دعوتُه آذانًا صاغية ولم يكتفوا بالصدود والإعراض، بل هدّدوه بالإخراج من قريتهم وعلّلوا هذا الإخراج بأنه ومن معه من المؤمنين أناس يتطهرون قال تعالى: (( قَالُوا: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ )) وقال: (( قَالُوا: أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ؛ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ )).
وبلغ الاستهتار عند قوم لوط منتهاه فراحوا يستعجلون عذاب الله قال تعالى: (( وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ: إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ, أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا: ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ, قَالَ: رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ )) قالها لوط بعد أن نفد صبره واستنفد جميع طاقاته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قالها بعد أن ازدادت جرأة قومه على الله، وتمادوا في فجورهم، واستهانوا بكل القيم والأخلاق، قالها وهو مؤمن بأن الله لن يتخلى عنه ولن يخذله؛ لأنه عبده ونبيه.
فاستجاب الله لدعوة نبيه فأرسل ملائكة إلى قوم لوط لينفّذوا أمره في القرية التي خلت من الصالحين، ولم ينفع أهلها الوعيد والتهديد، ومر الملائكة في طريقهم على إبراهيم عليه السلام فأحسن استقبالهم وقدم إليهم أفضل ما عنده من طعام مع أنه لم يكن يعرفهم ولما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة فعرّفوه بأنفسهم وأخبروه بالمهمة التي كلفهم بها رب العزة وبشروه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب.
(( وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ: هَذَا يَوْمٌ عَصِيب،ٌ وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ: يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ، قَالُوا: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيد،ُ قَال:َ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، قَالُوا: يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ، فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ, مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ )).
(( سِيءَ بِهِمْ )) أي ساءه مجيئهم لأنه خاف عليهم من قومه.. وبعد أن بلغ الضيق بلوطٍ مبلغَه ولم يجد بين قومه رجلًا رشيدًا بل كانوا جميعًا سفهاء فجرة وبعد أن أضناه التعب في يوم شديدٍ شرُّه عظيمٍ بلاؤه نظر إلى قومه وقال: (( لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ )) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( يرحم الله لوطًا لقد كان يأوي إلى ركن شديد )).
(( قَالُوا: يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ )) أي هوّن عليك الأمر يا لوط فإنهم لن يصلوا إليك وإلى ضيفك بمكروه فقد جاء أمر الله، وعلم لوط أنه في حضرة رسل الله وأن ركنه شديد فاطمأنت نفسه وذهب عنه القلق وقام جبريل عليه السلام فضرب وجوههم فطمِست أعينهم (( وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ, وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ ))..
وفي ثوانٍ معدودة جاءت الصيحة وسقطت البلدة وجعل الله عاليها سافلها وأرسل عليها مطرًا من حجارة صلبة فأهلك القوم كلَّهم جزاءً وفاقًا وجعل مكان تلك البلاد بحيرة منتنة لا ينتفَع بمائها ولا بما حولها من الأراضي المتاخمة لفنائها..
وفي ذلك آية على قدرة الله وعظمته وعزته في انتقامه ممن خالف أمره وكذب رسله واتبع هواه (( وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ))..
إن السنن الإلهية لا تحابي أحدًا، وعذابُ الرب غيرُ مأمون، وانتشارُ المنكرات والإعلانُ بها نذير شؤم على المجتمعات، والله عزيز ذو انتقام..
ومن أسباب هذه الجريمة: الرفقةُ السيئة، وغيابُ الرقابة الأسرية، والأفلامُ الخبيثة، وتفشي الفساد والفتن والإثارة في المجتمع، والمبالغة في الزينة والأناقة، والتشبهُ بالنساء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء )).
أقول قولي هذا وأستغفر الله..
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، بعض ضعاف الإيمان لا يتورع عن إتيان زوجته في دبرها، وهذا من الكبائر العظيمة وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعل هذا فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ملعونٌ من أتى امرأةً في دبرها )) وقال: (( من أتى حائضًا أو امرأةً في دبرها أو كاهنًا فقد كفر بما أنزل على محمد )) وقال: (( لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها )).
ورغم أن عددًا من الزوجات من صاحبات الفطر السليمة يأبَينَ ذلك إلا أن بعض الأزواج يهدد بالطلاق إذا لم تطعه، وبعضهم قد يخدع زوجته التي تستحي من سؤال أهل العلم فيوهمها بأن هذا العمل حلال وقد يستدل لها بقوله تعالى: (( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ))، ومعلوم أن السنة تبين القرآن وقد جاء فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه يجوز أن يأتيها كيف شاء مادام في موضع الولد ولا يخفى أن الدبر ليس موضعًا للولد.
ومن أسباب هذه الجريمة: الدخول إلى الحياة الزوجية النظيفة بموروثات جاهلية قذرة من ممارسات شاذة محرمة أو ذاكرة مليئة بلقطات من أفلام الفاحشة دون توبة إلى الله..
نعوذ بالله من المنكرات..
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..
٢٠|١٠|١٤٣٨هالموافق ١٤|٧|٢٠١٧م
جامع الرحمة بالشحر
الخطيب / محمد بن سعيد باصالح
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، آمن لوط عليه السلام بدعوة إبراهيم عليه السلام وهاجر معه من العراق إلى الشام كما قال تعالى: (( فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ: إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي؛ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )) فبعثه الله رسولًا إلى أهل (سَدُوم) وسائر القرى المؤتفكة.
وكان أهل (سَدُوم) من أفجر الناس وأخبثِهم سريرة وسيرة، وأسوأهِم طويّة، وكانوا يحاربون الله وأنبياءه، ويسعون في الأرض فسادًا، ويقطعون الطريق، ويخونون الصديق، ويأتون في ناديهم المنكر جهارًا علنًا دون حياء أو خجل، وما كان فيهم رجل رشيد قال تعالى: (( وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ: أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ، إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ))، وقال: (( وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ: أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ، أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ))، وقال: ((وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ: إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ، أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ )) وقال: ((كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ: أَلَا تَتَّقُونَ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ، وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ، وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ )).
لقد كان قوم لوط يفعلون الفاحشة ويأتون الرجال شهوة من دون النساء ولم يسبقهم بهذا الفعل الشنيع أحد من العالمين، وكانوا في غاية الجهل في السلوك والإسراف في الجريمة، وكانوا يقطعون السبيل ويفعلون المنكرات في المحافل العامة ولا يتحاشون من أحد ولا يستحيون من شيء فجاءهم لوط عليه السلام يدعوهم إلى التوحيد والطهارة والأخلاق والفضيلة وينهاهم عن الفحش والإجرام والخبث والخبائث.. فلم تلقَ دعوتُه آذانًا صاغية ولم يكتفوا بالصدود والإعراض، بل هدّدوه بالإخراج من قريتهم وعلّلوا هذا الإخراج بأنه ومن معه من المؤمنين أناس يتطهرون قال تعالى: (( قَالُوا: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ )) وقال: (( قَالُوا: أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ؛ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ )).
وبلغ الاستهتار عند قوم لوط منتهاه فراحوا يستعجلون عذاب الله قال تعالى: (( وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ: إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ, أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا: ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ, قَالَ: رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ )) قالها لوط بعد أن نفد صبره واستنفد جميع طاقاته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قالها بعد أن ازدادت جرأة قومه على الله، وتمادوا في فجورهم، واستهانوا بكل القيم والأخلاق، قالها وهو مؤمن بأن الله لن يتخلى عنه ولن يخذله؛ لأنه عبده ونبيه.
فاستجاب الله لدعوة نبيه فأرسل ملائكة إلى قوم لوط لينفّذوا أمره في القرية التي خلت من الصالحين، ولم ينفع أهلها الوعيد والتهديد، ومر الملائكة في طريقهم على إبراهيم عليه السلام فأحسن استقبالهم وقدم إليهم أفضل ما عنده من طعام مع أنه لم يكن يعرفهم ولما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة فعرّفوه بأنفسهم وأخبروه بالمهمة التي كلفهم بها رب العزة وبشروه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب.
(( وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ: هَذَا يَوْمٌ عَصِيب،ٌ وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ: يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ، قَالُوا: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيد،ُ قَال:َ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، قَالُوا: يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ، فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ, مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ )).
(( سِيءَ بِهِمْ )) أي ساءه مجيئهم لأنه خاف عليهم من قومه.. وبعد أن بلغ الضيق بلوطٍ مبلغَه ولم يجد بين قومه رجلًا رشيدًا بل كانوا جميعًا سفهاء فجرة وبعد أن أضناه التعب في يوم شديدٍ شرُّه عظيمٍ بلاؤه نظر إلى قومه وقال: (( لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ )) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( يرحم الله لوطًا لقد كان يأوي إلى ركن شديد )).
(( قَالُوا: يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ )) أي هوّن عليك الأمر يا لوط فإنهم لن يصلوا إليك وإلى ضيفك بمكروه فقد جاء أمر الله، وعلم لوط أنه في حضرة رسل الله وأن ركنه شديد فاطمأنت نفسه وذهب عنه القلق وقام جبريل عليه السلام فضرب وجوههم فطمِست أعينهم (( وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ, وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ ))..
وفي ثوانٍ معدودة جاءت الصيحة وسقطت البلدة وجعل الله عاليها سافلها وأرسل عليها مطرًا من حجارة صلبة فأهلك القوم كلَّهم جزاءً وفاقًا وجعل مكان تلك البلاد بحيرة منتنة لا ينتفَع بمائها ولا بما حولها من الأراضي المتاخمة لفنائها..
وفي ذلك آية على قدرة الله وعظمته وعزته في انتقامه ممن خالف أمره وكذب رسله واتبع هواه (( وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ))..
إن السنن الإلهية لا تحابي أحدًا، وعذابُ الرب غيرُ مأمون، وانتشارُ المنكرات والإعلانُ بها نذير شؤم على المجتمعات، والله عزيز ذو انتقام..
ومن أسباب هذه الجريمة: الرفقةُ السيئة، وغيابُ الرقابة الأسرية، والأفلامُ الخبيثة، وتفشي الفساد والفتن والإثارة في المجتمع، والمبالغة في الزينة والأناقة، والتشبهُ بالنساء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء )).
أقول قولي هذا وأستغفر الله..
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، بعض ضعاف الإيمان لا يتورع عن إتيان زوجته في دبرها، وهذا من الكبائر العظيمة وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعل هذا فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ملعونٌ من أتى امرأةً في دبرها )) وقال: (( من أتى حائضًا أو امرأةً في دبرها أو كاهنًا فقد كفر بما أنزل على محمد )) وقال: (( لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها )).
ورغم أن عددًا من الزوجات من صاحبات الفطر السليمة يأبَينَ ذلك إلا أن بعض الأزواج يهدد بالطلاق إذا لم تطعه، وبعضهم قد يخدع زوجته التي تستحي من سؤال أهل العلم فيوهمها بأن هذا العمل حلال وقد يستدل لها بقوله تعالى: (( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ))، ومعلوم أن السنة تبين القرآن وقد جاء فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه يجوز أن يأتيها كيف شاء مادام في موضع الولد ولا يخفى أن الدبر ليس موضعًا للولد.
ومن أسباب هذه الجريمة: الدخول إلى الحياة الزوجية النظيفة بموروثات جاهلية قذرة من ممارسات شاذة محرمة أو ذاكرة مليئة بلقطات من أفلام الفاحشة دون توبة إلى الله..
نعوذ بالله من المنكرات..
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..
0 التعليقات:
إرسال تعليق