تعديل

الشيخ محمد سعيدباصالح

الجمعة، 21 يوليو 2017

خطبة ( المسجد الأقصى في قلوبنا )

المسجد الأقصى في قلوبنا
٢٧|١٠|١٤٣٨هالموافق ٢١|٧|٢٠١٧م
جامع الرحمة بالشحر
الخطيب / محمد بن سعيد باصالح
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، إن لِبيتِ المقدس ومسجدِه الأقصى مكانةً سامقةً في ديننا، ومنزلةً شامخةً في قلوبنا، فهو مَسْرَى نبيِّنا صلى الله عليه وسلم ومنه عُرِجَ به إلى السماء، وصلَّى فيه إمامًا بالأنبياء، كما أنه أولُ قِبْلةٍ للمسلمين، وإليه تَحِنُّ قلوبُ المؤمنين، تُضاعف فيه الصلوات، ويُتَقَرَّبُ فيه إلى الله بسائر الطاعات، دَرَجَ فيه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وبه تعلّقت قلوبُ أهل الإسلام، وتعبَّدَ فيه الأولياء، ورَخُصَتْ من أجلهِ دماءُ الشهداء، وقد جاء في بيان فضلهِ آياتٌ قرآنية، وأحاديثُ نبويةٌ، تُبَيِّنُ مكانتَه وفضلَه، وتُظهِر منزلتَه وقدرَه.
وقد جعل الله سبحانه وتعالى لبلاد الشام عامة وللقدس والمسجد الأقصى خاصةً فضائلَ عتيدة، وخصَّها بخصائصَ فريدة، وميّزها بمزايا عديدة، فهي الأرض التي قدسها الله وطهرها، وأعلى شأنها بين العالمين وأظهرها، قال الله تعالى مخبرًا عن موسى عليه السلام (( يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ )) قال الحسن البصري وقتادة: يعني الشام، وهي مُهاجَرُ خليل الله إبراهيم ولوط عليهما السلام (( وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ )) وهي أرض الشام.
وهي الأرض التي يكون الحشر إليها في قرب القيامة، ويُنشَرُ الناس عليها إذا قامت الساعة، فعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن بيت المقدس: (( أرض المَحْشَر والمَنْشَر )) رواه البيهقي في شعب الإيمان وصححه الألباني.
ومن تلك الأرض المباركة المذكورة، عُرِج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السموات العلى في حادثة الإسراء والمعراج المشهورة قال تعالى: (( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )).
عباد الله، وتلك الأرض المباركة هي مهد أكثر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ومَهْوَى الأولياء والصالحين من الأنام، وهي خيرته من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده، عن ابن حَوَالة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنودًا مجندة، جندٌ بالشام، وجندٌ باليمن، وجندٌ بالعراق، قال ابن حوالة: خِرْ لي يا رسول الله إن أدركتُ ذاك قال: عليك بالشام؛ فإنه خيرة الله من أرضه، يجتبي إليه خيرته من عباده، فإن أبيتم فعليكم بيَمَنِكم، واسقُوا من غُدُركِم؛ فإن الله عز وجل قد توكل لي بالشام وأهله)) رواه أحمد وأبو داود.
وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لها بالبركة إلى بركتها فقال: (( اللهم بارك في شامِنا وفي يمننا )) رواه البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
وهي فسطاط المسلمين ومجتمعهم يوم الملحمة الكبرى في آخر الزمان؛ كما في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( إن فُسطاطَ المسلمين يوم المَلْحَمَة بالغُوطَة إلى جانب مدينة يقال لها: دِمَشق، من خير مدائن الشام )) رواه أحمد وأبو داود.
وفيها أولى القبلتين، وثاني المسجدين في البناء، وثالث المساجد في المنزلة الشمّاء فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أي مسجد وُضِعَ في الأرض أوّلّ؟ قال: المسجد الحرام. قال: قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون سنة، ثم أينما أدرَكَتْكَ الصلاة بعد فصلِّهْ؛ فإن الفضل فيه )) رواه البخاري ومسلم.
وإتيان المسجد الأقصى للصلاة فيه يكفر الذنوب والآثام، ويَحُطُّ الخطايا والأوزارَ العظام، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لما فرغ سليمان بن داود من بناء بيت المقدس سأل الله ثلاثًا: حكمًا يصادف حكمَه، وملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، وأن لا يأتي هذا المسجدَ أحدٌ لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما اثنتان فقد أعطيهما، وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة )) رواه أحمد والنسائي وابن ماجه.
وهو أحد المساجد الثلاثة التي لا تُشَدُّ الرحال إلا إليها، وأحدُ الأماكن التي لا يدخل الدجال فيها، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجدِ الحرام، ومسجدِ الرسول صلى الله عليه وسلم، والمسجدِ الأقصى )) رواه البخاري ومسلم. وذكر النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن الدجال فقال: (( علامتُه يمكثُ في الأرض أربعين صباحًا، يبلغ سلطانُه كلَّ مَنْهَل، لا يأتي أربعةَ مساجد: الكعبةَ، ومسجدَ الرسول، والمسجدَ الأقصى، والطورَ )) رواه أحمد وإسناده صحيح.
وفي تلك الأرض المباركة ستكون نهايةُ أعظمِ فتنة في الأرض، وهي فتنة الدجال؛ حيث يقتل المسيحُ ابنُ مريم المسيحَ الدجال، عن النوّاس بن سَمعان رضي الله عنه قال: ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الدجال إلى أن قال: (( فيطلُبُهُ حتى يدرَكَه ببابِ لُدٍّ فيقتلَه )) رواه مسلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله..
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، وتلك الأرض المباركةُ مَكْلُوءَةٌ بحِمِى الرحمن، وتحرسها ملائكةُ الملك الديّان؛ كما في حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا حين قال: (( طوبى للشام، طوبى للشام قلت: ما بالُ الشام؟ قال: الملائكةُ باسطو أجنحتِها على الشام )) رواه أحمد وهو حديث صحيح.
ومن فضائلها: أنها مأوى الإيمان عند وقوع الفتن في آخر الزمان؛ كما في الحديث عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( بينا أنا نائمٌ إذ رأيت عَمُودَ الكتاب احتُمِلَ من تحت رأسي، فظننتُ أنه مَذْهُوبٌ به، فأتْبَعْتُهُ بصري، فعُمِدَ به إلى الشام، ألا وإن الإيمان حين تقع الفتنُ بالشام )) رواه أحمد وصححه الألباني.
وهي - زيادةً على ما سبق - مَحَطُّ رِحال الصالحين، ومَقصِدُ الزهّاد والعابدين، فما من نبي من الأنبياء إلا ولِدَ فيها، أو هاجر إليها، أو وطئت قدماه أشرفَ البقاع فيها، وفيها تخرّج علماءُ أفذاذٌ ورجالٌ، وبرَزَ قادةٌ نُجَباءُ وأبطالٌ، وهي مَهْدُ الدِّيانات، وأرضُ الحضارات، وإذا فسد أهلُها - وهم أهل الشام - فلا خير فيمن بقي من المسلمين، فعن معاوية بن قُرّة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إذا فسد أهلُ الشام فلا خيرَ فيكم، ولا يزال ناسٌ من أمتي منصورين لا يبالون من خذلهم حتى تقوم الساعة )) رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن صحيح.
أيها المسلمون، إن أرضًا هذا شأنُها ومنزلتُها، وتلك فضائلُها ودرجاتُها لحقيقةٌ أن تُفْدَى بالنفس والنفيس، وأن يُبذَلَ لها الغالي والرخيص، لِتُخَلَّصَ من براثن اليهود المعتدين، وتُطَهَّرَ من دنس الصهاينة الغاصبين، الذين ما برحوا يُدنِّسون المقدَّسات، وينتهكون الحرُمات، ويبذُلون قصارى جهدهم لطمس معالم القدس الشريف، ونسفِ تاريخهِ المُنيف، ودفنِ الحقائق المشرقة، وإبرازِ مزاعمهم المُخَرَّقة، فلا قيمة - كما يرون - لِكِيانهم المَرُوم، بغير الهيكل المزعوم، إلى حد أن وصل الأمر بالصهاينة إلى أن يمنعوا إقامةَ الصلوات الخمس في المسجد الأقصى في هذه الأيام؛ كما شوهد ونُقِل في وسائل الإعلام، مع إغلاق أبواب الأقصى عن المصلين، ومنعِ المتعبدين من المسلمين، فكان من نتيجة هذه الإجراءات التعسفية مواجهاتٌ بين سُلُطات الاحتلال والفلسطينيين أدت إلى سقوط شهداءَ وجرحى، واعتقالٍ وتعسُّفٍ وتعذيب قال تعالى: (( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ )).
إن جبين الإنسانية والتاريخ ليندَى لما يقوم به هؤلاء من أعمال تخريب واغتصاب لبيوت المقادسة، وتشديدِ الإجراءات ومنعهم من بناء بيوتهم المتهالكة، وعدمِ السماح لهم ولو بترميمها، فأصبح لزامًا على المسلمين في المشارق والمغارب أن ينصروا إخوانهم في فلسطين؛ لإيقاف أعمال الحفريات وشبكات الأنفاق تحت المسجد الأقصى؛ التي يبغون من ورائها هدمَه ونقضَه؛ لبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه، ومن الواجب على المسلمين أيضًا إنهاءُ سائر مخططات الكيد والمكر والعدوان، وتحريرُ المقدسات، وردُّ الحق السليب إلى أهله. وإننا لعلى ثقة ويقين بالنصر والتمكين كما أخبرنا الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلُهم المسلمون، حتى يختبئَ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله، إلا الغرقد؛ فإنه من شجر اليهود )) رواه مسلم...
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More