تعديل

الشيخ محمد سعيدباصالح

الجمعة، 10 نوفمبر 2017

سيد الشهداء

سيِّد الشهداء
٢١|٢|١٤٣٩هالموافق ١٠|١١|٢٠١٧م
جامع الرحمة بالشحر
الخطيب / محمد بن سعيد باصالح
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، روى البخاري عن جعفر بنِ عمرو بنِ أميةَ الضَّمْري قال: خرجتُ مع عبيدِ الله بنِ عَدِي بنِ الخِيَار - يعني لغزو الروم في زمن معاوية رضي الله عنه - فلما قَدِمنا حِمص قال لي عبيدُ الله بنُ عَدِي: هل لك في وحشيٍّ نسأله عن قتله حمزة؟ قلت: نعم. وكان وحشيٌّ يسكنُ حِمص فسألنا عنه، فقيل لنا: هو ذاك في ظل قَصْرِه كأنه حَمِيتٌ - وهو الوِعاءُ الكبيرُ المملوء شبَّهوه بذلك لِسِمَنِه وامتلاء جسمه - قال: فجئنا حتى وقفنا عليه يسيرًا، فسلَّمنا فردَّ السلام قال: وعبيدُ الله مُعْتَجِرٌ بعمامتِه - يعني مُتلثِّم، من الاعتجار وهو لفُّ العمامة على الرأس وردُّ طرفِها على الوجه - ما يَرَى وحشيٌ إلا عَينَيه ورِجْلَيه. فقال عبيد الله: يا وحشي أتعرفني؟ فنظر إليه, ثم قال: لا والله إلا أني أعلم أن عديَّ بن الخيار تزوج امرأة يقال لها أمُّ قِتَال بنتُ أبي العِيص, فولَدتْ له غلامًا بمكة فكنت أسترضِع له - أي أطلب له من يرضعه - فحملتُ ذلك الغلام مع أمِّه فناولتُها إياه فلكأنّي نظرتُ إلى قدَمَيكَ - وفي رواية " والله ما رأيتُك منذُ ناولتُك أمَّك السَّعدية التي أرضعَتْكَ بذي طُوَى فإني ناولْتُكَها وهي على بعيرِها فأخذَتْك فلَمَعتْ لي قدمُك حين رفعْتُك فما هو إلا أن وقفتَ عليَّ فعرفتُها " وهذا يُوضِّح قولَه " فكأني نظرتُ إلى قدَمَيك " يعني أنه شبّهَ قدمَيه بقدم الغلام الذي حمله فكان هُوَ هُوَ, وبين الرؤيتين قريبٌ من خمسين سنة فدلّ ذلك على ذكاءٍ مُفْرِطٍ ومعرفةٍ تامّة بالقِيافة - قال: فكشف عبيدُ الله عن وجهه، ثم قال: ألا تُخبِرُنا بقتل حمزة؟ قال: نعم، إن حمزةَ قتلَ طُعَيمَةَ بنَ عديِّ بنِ الخيار ببدرٍ فقال لي مولاي جُبَيرُ بنُ مُطْعِم: إن قتلتَ حمزةَ بعمِّي فأنتَ حُرٌّ. قال: فلما أن خرج الناس عام عَينَين، وعينين جبلٌ بِحِيالِ أحد بينه وبينه وادٍ - وإنما قال عام عينين دونَ عام أُحُد؛ لأن قريشًا كانوا نزلوا عنده - قال وحشي: وخرجتُ مع الناس إلى القتال، فلما أن اصطفُّوا للقتال خرج سِبَاع - وهو سِبَاع بنُ عبدِ العُزَّى الخُزاعِي - فقال: هل مِن مُبارِز؟ فخرج إليه حمزةُ بنُ عبدِ المطلب - وفي رواية الطَّيَالِسي " فإذا حمزةُ كأنه جملٌ أورقُ - أي لونُه مثلُ الرَّمَادِ مِن غُبَارِ الحرب - ما يُرفَعُ له أحدٌ إلا قَمَعَهُ بالسيف، فهِبْتُه " وعند ابن إسحاق " فجعلَ يهُدُّ الناسَ بسيفِه " وعند ابن عائذ " فرأيتُ رجلًا إذا حمَلَ لا يَرجِعُ حتى يَهزِمُنا فقلت: من هذا؟ قالوا: حمزة. قلت: هذا حاجتي - قال: فخرج إليه حمزةُ بنُ عبدِ المطلب فقال: يا سِبَاعُ، يا ابنَ أمِّ أنمار، مُقَطِّعةِ البُظُور، أتحادُّ اللهَ ورسولَه صلى الله عليه وسلم؟ قال: ثم أشد عليه فكان كأمسِ الذاهب - وهو كناية عن قتله في الحال وإعدامِه - قال: وكَمَنْتُ لحمزةَ تحتَ صخرةٍ، فلما دنا منّي رميتُه بحربتي، فأضعها في ثُنَّتِه - وهي العانة - حتى خرجتْ من بين وِرْكَيهِ. قال: فكان ذلك العهدُ به - وهو كناية عن موته - فلما رجع الناس رجعتُ معهم فأقمتُ بمكة حتى فشا فيها الإسلام، ثم خرجتُ إلى الطائف، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولًا فقيل لي: إنه لا يَهِيجُ الرسلَ - يعني لا ينالُهم منه مكروه - قال: فخرجتُ معهم حتى قدمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم - وفي رواية الطيالسي " فأردتُ الهربَ إلى الشام فقال لي رجل: ويحك، واللهِ ما يأتي محمدًا أحدٌ بشهادةِ الحق إلا خلَّى عنه قال: فانطلقت فما شعر بي إلا وأنا قائم على رأسه أشهدُ بشهادة الحق " وعند ابن إسحاق " فلم يَرُعْهُ إلا بي قائمًا على رأسه " - فلما رآني قال: " آنت وحشي؟ " قلت: نعم. قال: " أنت قتلت حمزة؟ " قلتُ: قد كان من الأمر ما بَلَغَك. قال: " فهل تستطيع أن تُغَيِّبَ وجهَك عني؟ " قال: فخرجت فلما قُبِضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فخرج مُسَيلِمةُ الكذّاب، قلت: لأخرُجُنَّ إلى مُسَيلِمةَ لعلِّي أقتلُه فأكافئ به حمزة، قال: فخرجتُ مع الناس فكان من أمرِه ما كان، قال: فإذا رجلٌ قائمٌ في ثُلْمَةِ جِدارٍ كأنه جملٌ أورقُ ثائرُ الرأس، قال: فرميتُه بحربتي فأضَعُها بين ثَديَيه حتى خرجتْ من بين كتفَيه قال: ووثبَ إليه رجلٌ من الأنصار، فضربه بالسيف على هامتِه.
قال عبد الله بن الفضل فأخبرني سليمان بن يسار أنه سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنه يقول: فقالت جاريةٌ على ظهرِ بيتٍ: وا أميرَ المؤمنين! قتله العبدُ الأسود.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم..
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، في حديث وحشي من الفوائد: ما كان عليه وحشي من الذكاء المفرط والمهارة في الرماية، وفيه شجاعة حمزة النادرة ودَوره في المعركة ومكانته في الإسلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حمزة سيد الشهداء يوم القيامة " وفي حديث آخر: " سيّدُ الشهداء حمزةُ بنُ عبدِ المطلب، ورجلٌ قامَ إلى إمامٍ جائرٍ فأمَرَهُ ونهاه فقتَلَه ".
وخرج حمزة من الدنيا وليس معه كفن يكفيه.
عن حارثةَ بنَ مُضرِّب قال: " دخلتُ على خبّاب وقد اكتوى ( في بطنه ) سبعًا، فقال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يتمنين أحدكم الموت " لتمنيته.
ولقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أملك درهمًا، وإنَّ في جانبِ بيتي الآن لأربعين ألف درهم! ثم أتى بكفنه، فلما رآه بكى وقال: ولكن حمزة لم يوجد له كفن إلا بُرْدَةٌ مَلْحَاء، إذا جُعِلَتْ على رأسه قَلَصَتْ عن قدَميه، وإذا جُعِلَتْ على قدَمَيهِ قَلَصَتْ عن رأسه، وجُعِلَ على قدَمَيهِ الإذخر ".
وفي الحديث شؤم المعصية فقد تسببت معصية الرماة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل سبعين من كرام الصحابة، وفيه أن الإسلام يهدم ما قبله، وفيه سماحة الإسلام وقبول التائبين ولو فعلوا ما فعلوا، وفيه أن الحسنات يذهبن السيئات فإن وحشي لما قتل خير الناس حرِص على قتل شر الناس لتكون حسنة مقابلة سيئة.. وفيه غير ذلك.
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..  

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More