الثقــة بالله
[ 16/1/1434هـ الموافق 30/11/2012م ]
[ 16/1/1434هـ الموافق 30/11/2012م ]
...
عباد الله , يقول الله - جل وعلا - : ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [ الذاريات : 5٦ ] . والعبادة نوعان : عبادة ظاهرة كالصلاة , وعبادة باطنة كالخوف من الله . ومن العبادات الباطنة الثقة بالله , وهي التي لقنها الله لأم موسى ﴿ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [ القصص : 7 ] وفعلت أم موسى ما ألهمت حين خافت على ولدها , فوضعته في تابوت , ثم ألقته في النهر تتقاذفه الأمواج ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ﴾ أي ألهمناها ﴿ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [ القصص : 7 ] فكان أن التقطه آل فرعون ﴿ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ﴾ [ القصص : 8 ] , ولكن اللطف الإلهي حرم عليه المراضع , فيسعى فرعون وجنوده وزوجته للبحث عن مرضعة لهذا الرضيع , فرده الله إلى أمه ﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ ﴾ [ القصص : 12 ] وألهم الله أخته أن تقول لهم : ﴿ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ . فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ﴾ [ القصص : 12 , 13 ] .
والله لطيف بالواثقين به ؛ يهديهم ويصلح بالهم , كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس : « احفظ الله يحفظك , احفظ الله تجده تجاهك » .
ومن النماذج على الثقة بالله , ما حدث لموسى - عليه السلام - حين أمره الله أن يسري بقومه ويخرج بهم متجهًا إلى البحر ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾ [ الشعراء : 61 ] أي تراءى الجمعان ؛ جمع فرعون وجنوده وجمع موسى وأصبح موسى ومن معه على مرمى البصر ؛ البحر من أمامهم وفرعون من ورائهم ﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ . قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [ الشعراء : 61- 62 ] , ويأمر الله موسى بضرب البحر , فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ﴿ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ . وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ . ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ . إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ . وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ [ 64-68 ] .
ومن النماذج ما حدث لإبراهيم - عليه السلام - حينما ألقي في النار بعد أن حطم الأصنام وهو يعلم عاقبة فعله , فأضرموا له النار وألقوه من شاهق فقال : حسبي الله ونعم الوكيل , فكانت كلمة أقوى من النار ﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [ الأنبياء : 69 ] , نعم , حسبنا الله ونعم الوكيل .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله , أشهد بأنه قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة , وجاهد في الله حق جهاده فصلى الله عليه على آله صلاة وتسليمًا كثيرًا .
أما بعد , فيا عباد الله , حينما دعا نوح - عليه السلام - ربه - تبارك وتعالى - : ﴿ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ﴾ [ القمر : 10 ] لم يكن بخلَده أن الله سيغرق البشرية كلها من أجله , وينجيه ومن معه في الفلك المشحون , ويجعل ذريته هم الباقين .
وحينما سجن يوسف - عليه السلام - ولبث في السجن بضع سنين وأراد الله له الفرج , لم تنزل صاعقة من السماء لتكسر باب السجن , بل كانت رؤيا منامية تسللت في جنح الظلام لتصل إلى الملِك .
ولما نادى يونس - عليه السلام - في الظلمات ؛ ظلمة بطن الحوت , وظلمة الليل , وظلمة قاع البحر , أمر الله الحوت بنبذه بالعراء فنجا من كارثة محققة .
وحينما قال أبو بكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهما في الغار : يا رسول الله , لو نظر أحدهم إلى قدمه لرآنا , قال : ما ظنك باثنين الله ثالثهما ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ﴾ [ التوبة : 40 ] .
إذا ابتُليتَ , فثِقْ بالله وارضَ بهِ
إن الذي يكشف البلوى هو اللهُ
ثم اعلموا عباد الله أن الله أمركم بأمر بدأه بنفسه , وثنَّى بالملائكة المسبحة بقدسه وثلَّث بكم أيها المؤمنون من جنِّه وإنسه , فقال ولم يزل قائلًا عليمًا وآمرًا حكيمًا : ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [ الأحزاب 56 ] ...
14 التعليقات:
جزيتم خيرا شيخنا.....هذه المدونة المباركة منبر من منابر الدعوة....وارى انها ستكون مع الاستمرار موسوعة فقهية شافعية عظيمة...مع خالص دعائنا لكم بالتوفيق...حفظكم المولى ورعاكم
جزاكم الله خيرًا وبارك فيكم أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعلك هاديًا مهديًا مباركًا أينما كنت وأن يكتب لك التوفيق والسداد ويحفظك ويرعاك ويتولاك ويدخلك في عباده الصالحين
آآآآآآآآآآآآمين ياااااااااااااارب .......واياكم شيخي الغالي
جزاكم الله خيرا يا شيخنا ففي كل يوم ازور مدونتكم ، وعندما لا أرى شيئاً جديداً أصاب بالحزن ، واليوم أسعدت قلبي أسعدك الله .
شكرا شيخنا...كنا قد افتقدنا جديدكم...وهل لكم دروس او ملخصات في المعاملات المالية المعاصرة..من هو ذلك الشيخ الذي عندنا في اليمن يشرح البيوع المعاصرة انسيت اسمه وانا اريد سماع بعضا من محاضراته
شكرًا لكم ما عندي في المعاملات المعاصرة شيء . والشيخ اليمني لم أعرفه .. ربما تقصدون السالوس ؛ السالوس ليس يمنيًا ..
جزاكم الله خيرًا .. إخوة جادون .. أحيانًا انشغل سامحوني .. إن شاء الله نحصل فرصة أكثر في الإجازة الدراسية ..
نعم كنت اقصده....صدقتم هو ليش يمني....وبحثت عن دروسة باسم السنوسي ولم اجد ما ينفع....جزاكم الله كل خير وبارك الله فيكم....فتح الله لنا بكم بابا من العلم
يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين
شيخنا لقد استمعت لما شاء الله من دروس السالوس ووجدت فيها ما يثلج الصدر وجدت شيئا لم اجد مثله في حياتي وسررت بذلك كثيرا وثبت لكم الاجر عند الله وفقكم الله شيخي..
شيخنا محمد هل لكم شرح على المفدمة الحضرمية ؟
** وأتمنى أن ييسر الله لكم أن تشرحون متناً فقهياً في رمضان المقبل على غرار ما فعلتموه في رمضان 1429 هــ في شرحكم الماتع على متن أبي شجاع .
أسأل الله أن ييسر لكم كل خير .
رمضان للقرآن . لكن في الإجازة قبل رمضان بإذن الله
شكرا شيخنا طالما انتظرت الجديد....بارك الله فيكم
وفيكم بارك الله . شكر الله لكم .
إرسال تعليق