تعديل

الشيخ محمد سعيدباصالح

الجمعة، 2 ديسمبر 2016

حلَب والضمير العالمي
٣|٣|١٤٣٨ هجرية
جامع الرحمة بالشحر
الخطيب / محمد بن سعيد باصالح

الخطبة الأولى

أيها المسلمون، حلب.. مدينة الأشلاء والدماء والدموع والمجازرِ اليومية، قصفٌ لا يفرِّق بين المقاتلين والمدنيين، ونيران لا تميّز بين الذكر والأنثى، والكبير والصغير، والصحيح والمريض والقادر والعاجز..

الدماءُ في كل مكان، والأشلاءُ مبعثرةٌ أمام المصوّرين، والجثثُ متراكمةٌ، بعضها فوق بعض، والمباني مهدمة، والدخان يملأ المكان..

الموت الجماعي، والقصف العشوائي، لا يهز الضمير الإنساني، ولا يوقف عمليةَ التفرج على قتل الأبرياء، وعقدَ مؤتمرات جوفاء، واجتماعاتٍ لا تأتي بخير..

المستشفيات عاجزة، وأهل الميت لا يدرون يدفنون الميت أو ينقذون الحي، يسعفون الجريح، أو يحرسون الجثة، وجفت الدموع في عيون الأطفال، من بعد طول البكاء، ولم يعد للبكاء معنى ولا فائدة. لقد ظلوا فترة طويلة يبكون، ينتظرون مسحةَ حنانٍ من المجتمع الدولي، وكلمةَ حق من الأمم المتحدة، ولكن أنى تحَيا هذه بعد موتها !

هذا البطش كله والظلم والإجرام، ونحن في القرن الحادي والعشرين، في زمن الصور الثابتة والمتحركة، والنقلِ المباشر للأحداث، والتوثيقِ السريع للجرائم والانتهاكات.

فلا التوثيق نفع المساكين، ولا الاستغاثات عادت عليهم بخير، لقد بحت أصواتهم بلا جدوى وصدق الله إذ يقول: ( إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ) ( وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) ( إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِين َ).
وصدق الشاعر حين قال:

لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيًا *
ولكن لا حياةَ لمن تنادي

ونارَا لو نفختَ بها أضاءتْ *
ولكن أنت تنفخُ في رمادِ

لقد فقدت منظمة الأمم المتحدة قيمتها, حين تحيزت ضد المسلمين، وطغى عليها التعصب القومي والتطرف الديني، وأصبحت مطية تركبها الدول الكبرى لتحقيق مصالحها، وتلبيةِ رغباتها، وأداةً لقمع الشعوب المضطهدة، ودعمِ السياسات الجائرة، وكسرِ إرادة الشعوب العربية والإسلامية.

أيها المسلمون، إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ، ولو خُيِّل لنا غيرُ ذلك، ولو دامت الدنيا لظالمٍ لدامت لِقوم عاد ( إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ).

إن الله حرّم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرمًا، ( وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِين )َ.

إنه حين يطغى الظالم ويظن أنه لن يقدر عليه أحد، تتدخل القدرة الإلهية، فلا ينفع الظالمَ حينها أعوانُه، ولا يغني عنه سلطانُه، ويهلك كأمسِ الذاهب، حتى يتحير الناس كيف هلك! وأين ذهبت قوته التي ملك!

إن هؤلاء القتلى والجرحى والثكلى لهم رب ينصرهم ويأخذ بثأرهم، وهو القوي المتين، الذي له ملك السموات والأرض ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ) ( وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ), ( وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ).

أيها المسلمون، إن الصمت العالمي تجاه ما يحصل في حلب جريمة عظيمة، تؤذن بعقوبة سماوية تكسر شوكة الظالمين، كما جرت سنة الله في الذين خلو من قبل، فحتى لو ترك الناسُ الظالمَ يفعل ما يشاء، فإن الله لا يتركه؛ لأنه سبحانه خلق السموات والأرض بالحق، وأقام نظام الحياة على العدل.

فهذا فرعون سام بني إسرائيل سوءَ العذاب فذبّح أبناءهم لتقليل عدد الرجال القادرين على المطالبة بالحقوق ومقاومة الظلم، وأبقى نساءهم للخدمة والذل، ورضي بنو إسرائيل بذلك واطمأنوا به، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، فصنع سبحانه موسى على عينه، وربّاه في قصر فرعون، لينشأ على العزة والكرامة، بعيدًا عن الذل والهوان الذي ران على بني إسرائيل، ثم بعثه بشيرًا ونذيرًا إلى فرعون، فكان هلاك فرعون على يده.

وكذلك ما يجري اليوم، له نهاية في علم الله، لا ندري متى هي، ولا كيف هي، لكننا نعلم أنها ستأتي، ونعلم أن مشيئة الله نافذة، وأن ما يصيب المسلمين ما هو إلا امتحان وابتلاء كما قال تعالى: ( وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ).

أيها المسلمون، إن الخذلان العالمي لا يعفينا من المسئولية، ولا يسقط عنا الوفاء بحقوق الأخوة الإسلامية تجاه إخواننا في حلب، فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه.

ومن صميم الأخوة الإسلامية: الدعاء لهم ليلًا ونهارًا، وسرًا وجهارًا، عقب الصلوات المكتوبات، وفي جوف الليل الآخِر، وفي مواضع السجود، وعند نزول الغيث، وعند رقة القلب، وغيرها من مواطن الإجابة.

ومن صميم الأخوة الإسلامية: نشرُ ما يتعلق بقضيتهم عبر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ووسائل التواصل الاجتماعي، وبيانُ حجم الظلم الواقع عليهم، وبيانُ الغاية الحقيقية من الحرب، وهي تهجير أهل السنة، وتغيير التركيبة السكانية؛ وإعادة تقسيم العالم العربي والإسلامي على أسس طائفية ومذهبية؛ تمهيدًا للفوضى الخلاقة، والصراعات الدائمة، والنزاعات المستمرة التي تسبق قيام دولة إسرائيل كما يظنون.

ومن صميم الأخوة الإسلامية: تقديم المعونات المالية وتوفير الغذاء والدواء والملابس وغيرها.

ومن صميم الأخوة الإسلامية: العمل على جمع الطوائف المختلفة والتيارات المتباينة على كلمة سواء، تغلّب المصلحة العامة، وحقن الدماء، وتقضي على الشتات والضعف ولغة التخوين وتبادل الاتهامات.

والله تعالى يقول: ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

أيها المسلمون، جاءت الشريعة الإسلامية لحفظ الضروريات الخمس الكبرى وهي: الدين، والنفس، والعقل، والمال، والعرض.

وفي سبيل المحافظة على النفس البشرية حرم الله قتل النفس بغير  حق، وجعله من أكبر الكبائر، ورتب عليه العذاب العظيم، وشرع القصاص، وحرم أكلَ السموم والمخدرات، وأباح أكلَ الميتة عند الضرورة للمحافظة على النفس، ودعا إلى المحافظة على النظافة وسلامةِ البيئة، ونهى عن تلويث المياه بالنجاسات، وحث على العلاج.

ومما يلفت النظر في الآونة الأخيرة، زيادة معدلات الإصابة بالأورام الخبيثة، وهي ظاهرة مخيفة، تتطلب الوقوفَ عندها، ودراستَها، وجمعَ المعلومات والبياناتِ حولها، ورصدَ الحالات،  وتوثيقَها، والبحثَ عن الأسباب، ووضعَ الحلول والمعالجات.

إن حياة الناس أمانة، يجب على الجميع حمايتُها والمحافظةُ عليها، فيجب على السلطةِ المحليةِ والأطباءِ والباحثين وأهلِ المعرفة والاختصاص القيامُ بدورهم في دراسة هذه الظاهرة، ومعرفةِ أسبابها، ومنعِ كلّ ما من شأنه تعريض حياة الناس للخطر.

حفظ اللهُ البلادَ والعبادَ من كل مكروه.

ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More