المكر السيئ
١٠|٣|١٤٣٨ هجرية
جامع الرحمة بالشحر
الخطيب/ محمد بن سعيد باصالح
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، في الصحيحين أن ورقة بن نوفل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ( لم يأتِ رجلٌ قط بمثلِ ما جئتَ به إلا عُودِي ).
في هذه الكلمة القصيرة تلخيص دقيق للصراع بين الحق والباطل، والخير والشر، والمعروف والمنكر، وعبادِ الرحمن وأولياءِ الشيطان، خلال أدوار التاريخ الإنساني، بين الأنبياء المؤيَّدِين بالوحي من السماء العلية ومتبعي الأوهام والظنون والأهواء النفسية.
ذلك الصراع الذي بدأت حلقاتُه الأولى مع نبي الله نوح عليه السلام، حتى هدّدوه بالقتل ( قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ ) وكادُوا له بأنواع الكيد والمكر ( وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا ).
( وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ ).
( فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ) فاستجاب الله له ونجّاه من الكرب العظيم ( وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ. وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ).
وتجلى هذا الصراع بين إبراهيم عليه السلام وقومه حين أقام عليهم الحجة وحطم الأصنام فصيّرها جذاذًا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون، فأعرضوا عن الحجة والبرهان وغضبوا لآلهتهم المزعومة وطالبوا بقتله شرَّ قِتلة ( قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ. قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ. وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ) ( قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ. فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ ).
واستشاط فرعون غضبًا من دعوة موسى عليه السلام ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ).
وأراد فرعون أمرًا وأراد الله أمرًا آخر، فغلبت إرادةُ اللهِ، القويُّ المتينُ إرادةَ فرعونَ، وحاق المكرُ السيئ بأهله ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ. فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ. إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ. وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ. وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ. فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ. كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ. فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ. قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ. فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ. وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ. وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ. ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ ).
هلك فرعون وجنودُه فلم يحزن عليهم أحد في الأرض ولا في السماء؛ لأنهم لا يمثلون أية قيمة في ميزان الحق والخير والعدل ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ).
ولعب اليهود دورًا في التآمر على عيسى عليه السلام ولفّقوا ضدَّه أنواع الوشايات، وأوغروا عليه صدر الحاكم الروماني، فقرر قتله فكان اليهود له كاليد اليمنى للإنسان، وسعَوا بكل وسيلة ولكن خاب سعيُهم فأصمّهم الله وأعمى أبصارهم ( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ. إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ. وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ).
ونال سيدَ المرسلين وخيرَ خلق الله أجمعين ألوانٌ من الأذى وأنواعٌ من المكر السيئ ( وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ) فنصر الله عبدَه وأعز جندَه وهزم الأحزابَ وحده وجعل كلمتَه هي العليا وكلمةَ الذين كفروا هي السفلى والله عزيز حكيم.
هذا المكر السيئ يتكرر في كل زمان فيطال العلماءَ الأثبات والدعاةَ الثقات والمصلحين في المجتمعَ لتشويه سمعتهم والتنفير منهم والصد عن دعوتهم.
فمن المكر السيئ الذي يتعرض له المصلحون: التحريض ضدَّهم ( وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ ).
ومن المكر السيئ: تشويه السمعة وإطلاق حملات ضخمة للصد عن الدعوة من خلال التهمة بالسحر أو الجنون أو الكذب والافتراء ( وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ. فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ) ( كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ. أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ).
لقد وجّهت كل أمة إلى رسولها تهمةً بأنه ساحر أو مجنون! واتفقوا على ذلك رغم تطاول السنين واختلاف البلدان والزمان! أتواصوا به! بل هم قوم طاغون تشابهت قلوبهم وأقوالهم وأعمالهم.
ومن المكر السيئ: السخريةُ بالمؤمنين والطعن فيهم والتنفير منهم ومن طريقتهم ووصفُهم بالجهل والضلال ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ. وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ. وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ. وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ )
ومن المكر السيئ: الطعن في النيات والمقاصد ( وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ ) أي الذي يدعوكم إليه محمد من التوحيد والإيمان إنما يريد أن ينال به الشرف والرفعة والاستعلاء عليكم.
وهي تهمة قديمة قالها قوم فرعون من قبل ( قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ).
هذا والأنبياء أبعد ما يكونون عن الكبرياء ولكنه التنفير والتشويه المتعمد..
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، ومن المكر السيئ: التآمر للتخلص من المصلحين ( وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ. قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ. وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ. فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ. فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ).
( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ).
ومن المكر السيئ: التضييق على الدعوة بتجفيف المنابع لينفضَّ الناس عن الدعوة ( هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُون).
ومن المكر السيئ: التشكيك في الدين ( وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ. يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ).
ومن المكر السيئ: دعمُ المبطلين وتأييدُهم على الباطل مع المعرفة التامة بأنهم على باطل ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا )..
فهذه نماذج من المكر السيئ عبر التاريخ ( وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ )..
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..
١٠|٣|١٤٣٨ هجرية
جامع الرحمة بالشحر
الخطيب/ محمد بن سعيد باصالح
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، في الصحيحين أن ورقة بن نوفل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ( لم يأتِ رجلٌ قط بمثلِ ما جئتَ به إلا عُودِي ).
في هذه الكلمة القصيرة تلخيص دقيق للصراع بين الحق والباطل، والخير والشر، والمعروف والمنكر، وعبادِ الرحمن وأولياءِ الشيطان، خلال أدوار التاريخ الإنساني، بين الأنبياء المؤيَّدِين بالوحي من السماء العلية ومتبعي الأوهام والظنون والأهواء النفسية.
ذلك الصراع الذي بدأت حلقاتُه الأولى مع نبي الله نوح عليه السلام، حتى هدّدوه بالقتل ( قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ ) وكادُوا له بأنواع الكيد والمكر ( وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا ).
( وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ ).
( فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ) فاستجاب الله له ونجّاه من الكرب العظيم ( وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ. وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ).
وتجلى هذا الصراع بين إبراهيم عليه السلام وقومه حين أقام عليهم الحجة وحطم الأصنام فصيّرها جذاذًا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون، فأعرضوا عن الحجة والبرهان وغضبوا لآلهتهم المزعومة وطالبوا بقتله شرَّ قِتلة ( قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ. قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ. وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ) ( قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ. فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ ).
واستشاط فرعون غضبًا من دعوة موسى عليه السلام ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ).
وأراد فرعون أمرًا وأراد الله أمرًا آخر، فغلبت إرادةُ اللهِ، القويُّ المتينُ إرادةَ فرعونَ، وحاق المكرُ السيئ بأهله ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ. فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ. إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ. وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ. وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ. فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ. كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ. فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ. قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ. فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ. وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ. وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ. ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ ).
هلك فرعون وجنودُه فلم يحزن عليهم أحد في الأرض ولا في السماء؛ لأنهم لا يمثلون أية قيمة في ميزان الحق والخير والعدل ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ).
ولعب اليهود دورًا في التآمر على عيسى عليه السلام ولفّقوا ضدَّه أنواع الوشايات، وأوغروا عليه صدر الحاكم الروماني، فقرر قتله فكان اليهود له كاليد اليمنى للإنسان، وسعَوا بكل وسيلة ولكن خاب سعيُهم فأصمّهم الله وأعمى أبصارهم ( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ. إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ. وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ).
ونال سيدَ المرسلين وخيرَ خلق الله أجمعين ألوانٌ من الأذى وأنواعٌ من المكر السيئ ( وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ) فنصر الله عبدَه وأعز جندَه وهزم الأحزابَ وحده وجعل كلمتَه هي العليا وكلمةَ الذين كفروا هي السفلى والله عزيز حكيم.
هذا المكر السيئ يتكرر في كل زمان فيطال العلماءَ الأثبات والدعاةَ الثقات والمصلحين في المجتمعَ لتشويه سمعتهم والتنفير منهم والصد عن دعوتهم.
فمن المكر السيئ الذي يتعرض له المصلحون: التحريض ضدَّهم ( وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ ).
ومن المكر السيئ: تشويه السمعة وإطلاق حملات ضخمة للصد عن الدعوة من خلال التهمة بالسحر أو الجنون أو الكذب والافتراء ( وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ. فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ) ( كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ. أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ).
لقد وجّهت كل أمة إلى رسولها تهمةً بأنه ساحر أو مجنون! واتفقوا على ذلك رغم تطاول السنين واختلاف البلدان والزمان! أتواصوا به! بل هم قوم طاغون تشابهت قلوبهم وأقوالهم وأعمالهم.
ومن المكر السيئ: السخريةُ بالمؤمنين والطعن فيهم والتنفير منهم ومن طريقتهم ووصفُهم بالجهل والضلال ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ. وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ. وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ. وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ )
ومن المكر السيئ: الطعن في النيات والمقاصد ( وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ ) أي الذي يدعوكم إليه محمد من التوحيد والإيمان إنما يريد أن ينال به الشرف والرفعة والاستعلاء عليكم.
وهي تهمة قديمة قالها قوم فرعون من قبل ( قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ).
هذا والأنبياء أبعد ما يكونون عن الكبرياء ولكنه التنفير والتشويه المتعمد..
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، ومن المكر السيئ: التآمر للتخلص من المصلحين ( وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ. قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ. وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ. فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ. فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ).
( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ).
ومن المكر السيئ: التضييق على الدعوة بتجفيف المنابع لينفضَّ الناس عن الدعوة ( هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُون).
ومن المكر السيئ: التشكيك في الدين ( وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ. يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ).
ومن المكر السيئ: دعمُ المبطلين وتأييدُهم على الباطل مع المعرفة التامة بأنهم على باطل ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا )..
فهذه نماذج من المكر السيئ عبر التاريخ ( وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ )..
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..
0 التعليقات:
إرسال تعليق