تعديل

الشيخ محمد سعيدباصالح

الجمعة، 30 ديسمبر 2016

( واجتنبوا قَوْلَ الزور )
١|٤|١٤٣٨ هجرية
جامع الرحمة بالشحر
الخطيب/ محمد بن سعيد باصالح
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، قرن الله سبحانه وتعالى بين عبادة الأوثان وقول الزور فقال تعالى: ( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ).
هذا الاقتران؛ لأن الزور أصل الشرك والانحرافات والضلالات والمظالم، منه نشأت عبادة الأوثان وتشريع ما لم يأذن به الله وتحليل الحرام وتحريم الحلال والعبادات المحدثة والشرائع الباطلة والاعتقادات الفاسدة.
فمن الزور: ما أوحى الشطان إلى قوم نوح أن اصنعوا في مجالس الصالحين تماثيل على صورهم للذكرى والنشاط في العبادة ففعلوا ولم تعبد، ثم أوحى الشيطان إلى الجيل الجديد أن ادعوهم واستغيثوا بهم واستسقوا فإن آباءكم كانوا يستسقون بهم عند القحط ويستغيثون بهم عند الشدة ويدفعون بهم الأضرار ويجلبون بهم المنافع وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل.
ومن الزور: نسبة الأولاد والبنات إلى الله - تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا -.
فقالت اليهود: عزيرٌ ابن الله! وقالت النصارى: المسيح ابن الله! وقال المشركون: الملائكة بنات الله! - تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا -.  
ووافقهم على هذا الاعتقاد الفاسد العدد الكثير والجم الغفير قال تعالى: ( قَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) وقال تعالى ( وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ) وقال تعالى ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ. لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ. يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ. وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ) وقال تعالى: ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا. لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا. تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا. أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا. وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا. إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا. لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا. وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ).
ومن الزور: تحريم الحلال وتحليل الحرام وتشريع ما لم يأذن به الله قال تعالى: ( وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ) وقال تعالى: ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) وقال تعالى: ( مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) وقال تعالى: ( وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ. وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ. وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ. قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ).
فهذا هو السر في الجمع بين عبادة الأوثان وقول الزور.
ومن الزور: الشهادات الباطلة التي تضلل العدالة وتغير الأحكام فتجعل الحلال حرامًا والحرام حلالًا والحق باطلًا والباطل حقًا والمعروف منكرًا والمنكر معروفًا وتضيع حقوق الناس وأملاكهم بتأثير الشهادات الكاذبة ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من شهادة الزور وعدّها من أكبر الكبائر؛ لما يترتب عليها من المفاسد والأضرار والآثار السيئة على الأفراد والمجتمعات.
فشهادة الزور سبب ضياع الحقوق وسلب الأملاك وزعزعة الأحكام وفقد الثقة في القضاء ونشر ثقافة الخداع والغش والالتواء والكذب ووقوع المظالم.
فلهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم منها ففي الصحيحين عن أَبي بَكْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ألاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأكْبَرِ الكَبَائِرِ؟ ) قُلْنَا: بَلَى يَا رسولَ اللهِ. قَالَ: ( الإشْراكُ باللهِ، وعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ ) وكَانَ مُتَّكِئاً فَجَلَسَ، فَقَالَ: ( ألا وَقولُ الزُّورِ ) فما زال يُكَرِّرُهَا حَتَّى قلنا: لَيْتَهُ سَكَتَ!.
غيّر النبي صلى الله عليه وسلم وضعيته من الاتكاء إلى الجلوس وكرّر التحذير من قول الزور وشهادة الزور؛ لخطورتها؛ ولما يحصل فيها من التساهل؛ ولأن بعض الناس لا يتصور ما تحمله من الإثم.
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من اقتطع مال امرئ مسلم بيمين كاذبة لقي الله وهو عليه غضبان ) ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله - جل ذكره - ( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم..

الخطبة الثانية
أيها المسلمون، ومن الزور الوشايات الكيدية التي تطال الصالحين والفضلاء والأعمال الخيرية والمؤسسات الاجتماعية ويتضرر منها الأفراد والمجتمعات والأعمال الخيرية.
فهذه الأكاذيب التي تقلب الحقائق من الكبائر، وفي الصحيح في تفسير الرؤيا النبوية قال الملكان للنبي صلى الله عليه وسلم: ( أما الذي رايته يشق شدقه فكذّاب يحدث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع به إلى يوم القيامة ).
وفي الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود - رضي الله عنه – قَالَ:  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ( عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا ).
فالواجب فحص الأخبار والبلاغات، والحذر من الوشايات والأكاذيب، وتحري الصدق في المنقولات والروايات والأخبار كما قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ).
وما قتل عثمان بن عفان - رضي الله عنه - إلا بالأكاذيب ولا وقعت الفتن في أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا بالافتراءات ولا رُحِّل الشافعي من اليمن إلى بغداد إلا بالوشايات الكيدية.
حفظ الله البلاد والعباد من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More