الغش في الامتحانات
١٦|٨|١٤٣٨هالموافق ١٢|٥|٢٠١٧م
جامع الرحمة بالشحر
الخطيب/ محمد بن سعيد باصالح
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، أقبلت هذه الأمة على الموارد العلمية العذبة والمنابع العلمية الأصيلة فنهلت منها وعلّت وتشبعت من العلوم والمعارف فخلفت لنا ثروة هائلة في علوم التفسير والحديث والفقه والأصول والعربية والأخلاق والآداب والمال والاقتصاد والتاريخ والسير والتراجم والبلدان والأنساب والفلَك والإدارة والسياسة والاجتماع والأدب والطب.
فانظرْ إلى كتب التفسير وشروح الحديث وكتب الفقه والأصول والعربية وغيرها من الفنون تدركْ مقدار الجهود العظيمة والضخمة التي بذلتها هذه الأمة في تحصيل العلوم الشرعية والعلوم الإنسانية.
مما دعا أوربا إلى إرسال فلذاتِ أكبادها لدراسة العلوم في العالم الإسلامي والاستفادة من الكوكب الإسلامي المنير، فأبصرت أوربا بعد العمى وسمعت بعد الصمم وعقلت بعد الجنون ولبست عباءة الأخلاق الإسلامية والأذواق العربية، وانبثق لأوربا من نور العلم والإيمان كَسَمِّ الخياط، فتبدد الظلام الأوربي الدامس وزال سلطان الخرافات شيئًا فشيئًا حتى رأت أوربا الأشياء على حقيقتها بفضل الأمة الإسلامية..
عباد الله، تلك صفحة من تاريخنا الأغر..
ولا عز لهذه الأمة ولا رفعة إلا بالعلم والإيمان، ونحن أحقُّ بالإيمان والعلوم والمعارف وأهلُها، لنا بكل حرف من القرآن حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، ولنا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم النور والبهاء والحسنُ والنضارة مقابل حفظ حديث سيد المرسلينِ وضبطه وروايته: " نضّر الله عبدًا سمع مقالتي فوعاها وحفظها ثم أداها إلى من لم يسمعها ".
ونحن الذين نبَشنا تربة العلوم فأخرجت نباتها بإذن ربها وأزهرت الدنيا بزهرة الإسلام وأزال الماحي صلى الله عليه وسلم خرائب الكفر وآثار الوثنية وسارت شمس الإسلام من قلب الجزيرة العربية إلى أطراف آسيا وأفريقيا وأوربا ولمعت أنوارها في أمريكا اللاتينية خلف بحار الظلمات.
تلك صفحة من تاريخنا المشرق، نَفْضُ التراب من فوق متونها يجلب الأحزان من كل مكان.
أبنائي الطلاب، كان هذا العز بفضل العلم والإيمان؛ بفضل الطاعة والقربة؛ بفضل الأخلاق العالية والروح العلمية الوثّابة، لقد تعلمنا العلوم ونشرناها لخير العالمين، فلم نهلك حرثًا ولا نسلًا ولم نسفك دمًا ولم نسرق ولم نغُل، ومن يغلل يأتِ بما غل يوم القيامة، ولم ننشر الزهو والكبرياء والقهر والذل، بل نثرنا العلم والإيمان والمحبة واللين والرحمة والتواضع والعدل والأمان والسكينة، وعمرنا الأرض فأخرجت بركاتِها وكنوزَها.
أبنائي الطلاب، استعينوا على الامتحانات بالمذاكرة الجادّة والصبر والصلاة والدعاء في جوف الليل وخلف الصلوات المكتوبات واستعينوا بالصدقات وبر الوالدين..
عن أُسَير بن جابر قال: " لما أقبل أهل اليمن جعل عمر رضي الله عنه يَستقرِئُ الرِّفاق فيقول: هل فيكم أحد من قرَن؟ حتى أتى على قرَن فقال: من أنتم؟ قالوا: قرن. فوقع زمامُ عمر رضي الله عنه أو زمامُ أُوَيْس فناوله أحدُهما الآخر فعرفه، فقال عمر: ما اسمك؟ قال: أنا أُوَيْس. فقال: هل لك والدة؟ قال: نعم. قال: فهل كان بك من البياض شيء؟ قال: نعم، فدعوتُ الله عز وجل فأذهبه عني إلا موضعَ الدرهم مِن سُرَّتِي؛ لأذكرَ به ربي. قال له عمر رضي الله عنه: استغفر لي. قال: أنت أحق أن تستغفرَ لي، أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمر رضي الله عنه: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن خير التابعين رجل يقال له أُوَيْس، وله والدة، وكان به بياض، فدعا الله عز وجل فأذهبه عنه إلا موضع الدرهم في سُرّتِه، فاستغفرَ له " وفي رواية: " لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ ".
بَر َّ أويس أمَّه فصار مجابَ الدعوة..
وعن سهل بن بشر قال: حدثنا سُلَيم الرازي أنه كان في صغره بالرَّي، وله نحوٌ من عشر سنين، فحضر بعضَ الشيوخ وهو يلقِّن فقال لي: تقدم فاقرأ. فجَهَدتُ أن أقرأ الفاتحة، فلم أقدر على ذلك لانغلاق لساني، فقال: لك والدة؟ قلتُ: نعم. قال: قل لها تدعو لك أن يرزقك الله قراءة القرآن والعلم. قلت: نعم. فرجعت، فسألتُها الدعاء، فدعتْ لي، ثم إني كبِرت، ودخلتُ بغداد، قرأتُ بها العربيةَ والفقه، ثم عُدتُ إلى الرَّي، فبينا أنا في الجامع أقابل " مختصر المزني "، وإذا الشيخ قد حضر وسلَّم علينا وهو لا يعرفني، فسمِع مُقابلتَنا، وهو لا يعلم ماذا نقول! ثم قال: متى يُتعلَّم مثلُ هذا؟! فأردت أن أقول: إن كانت لك والدة، فقل لها تدعو لك، فاستحييت!
لقد أحرزتْ دعوةُ والدة سُلَيم علمًا غزيرًا وفهمًا ثاقبا وإمامة في الدين..
وفي الحديث: " ثلاث دعوات لا تُرَد: دعوةُ الوالد لولده، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر ".
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم..
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، أولياءَ الأمور حثوا أولادكم على الجد والاجتهاد ووفّروا لهم الجو المناسب للمذاكرة وشجعوهم وازرعوا في نفوسهم الثقة والأمل والاعتماد على النفس..
الإداراتِ المدرسية والمعلمين الكرام، أمامكم مسئولية عظيمة في توفير الجو المناسب للامتحانات ومنع الغش وعدم السماح به؛ فإنه ضرر على الطلاب والمجتمع والتعليم والحياة، فلا تتساهلوا في السماح به وكونوا على مستوى المسئولية واعلموا أن معالجة مشكلة تدني مستوى التعليم يعتمد بصورة كبيرة على منع الغش والقضاء عليه، واعلموا أن إملاء الأجوبة على الطلاب في الاختبار من الغش والخيانة، وفيه مفسدة للأخلاق، وهبوط في مستوى التعليم، وضعف في تحمل المسئولية والقيام بواجبها وذلك حرام كسائر أنواع الغش لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من غشنا فليس منا ".
أبنائي الطلاب، جدّوا واجتهدوا وأكثروا من الدعاء واستعينوا بالله واعتمدوا على أنفسكم، وإياكم والغش؛ فإن الغش حرام في امتحانات الدراسة أو غيرها، وفاعلُه مرتكبُ كبيرةٍ من كبائر الذنوب؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من غشنا فليس منا " ولا فرق في ذلك بين كون المواد الدراسية دينية أو غير دينية؛ فإن الحديث النبوي عام يشمل الغش في البيع والشراء وفي النصيحة وفي العهود والمواثيق وفي الأمانة وفي اختبار المدارس والمعاهد ونحوها سواء كان نقلًا من الكتب أم أخذًا من التلاميذ أم إعطاء لهم كلامًا أو عن طريق الكتابة وتناقلها بينهم أو بغير ذلك من الطرق والأساليب..
نسأل الله لكم التوفيق والسداد والثبات والعصمة..
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..
١٦|٨|١٤٣٨هالموافق ١٢|٥|٢٠١٧م
جامع الرحمة بالشحر
الخطيب/ محمد بن سعيد باصالح
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، أقبلت هذه الأمة على الموارد العلمية العذبة والمنابع العلمية الأصيلة فنهلت منها وعلّت وتشبعت من العلوم والمعارف فخلفت لنا ثروة هائلة في علوم التفسير والحديث والفقه والأصول والعربية والأخلاق والآداب والمال والاقتصاد والتاريخ والسير والتراجم والبلدان والأنساب والفلَك والإدارة والسياسة والاجتماع والأدب والطب.
فانظرْ إلى كتب التفسير وشروح الحديث وكتب الفقه والأصول والعربية وغيرها من الفنون تدركْ مقدار الجهود العظيمة والضخمة التي بذلتها هذه الأمة في تحصيل العلوم الشرعية والعلوم الإنسانية.
مما دعا أوربا إلى إرسال فلذاتِ أكبادها لدراسة العلوم في العالم الإسلامي والاستفادة من الكوكب الإسلامي المنير، فأبصرت أوربا بعد العمى وسمعت بعد الصمم وعقلت بعد الجنون ولبست عباءة الأخلاق الإسلامية والأذواق العربية، وانبثق لأوربا من نور العلم والإيمان كَسَمِّ الخياط، فتبدد الظلام الأوربي الدامس وزال سلطان الخرافات شيئًا فشيئًا حتى رأت أوربا الأشياء على حقيقتها بفضل الأمة الإسلامية..
عباد الله، تلك صفحة من تاريخنا الأغر..
ولا عز لهذه الأمة ولا رفعة إلا بالعلم والإيمان، ونحن أحقُّ بالإيمان والعلوم والمعارف وأهلُها، لنا بكل حرف من القرآن حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، ولنا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم النور والبهاء والحسنُ والنضارة مقابل حفظ حديث سيد المرسلينِ وضبطه وروايته: " نضّر الله عبدًا سمع مقالتي فوعاها وحفظها ثم أداها إلى من لم يسمعها ".
ونحن الذين نبَشنا تربة العلوم فأخرجت نباتها بإذن ربها وأزهرت الدنيا بزهرة الإسلام وأزال الماحي صلى الله عليه وسلم خرائب الكفر وآثار الوثنية وسارت شمس الإسلام من قلب الجزيرة العربية إلى أطراف آسيا وأفريقيا وأوربا ولمعت أنوارها في أمريكا اللاتينية خلف بحار الظلمات.
تلك صفحة من تاريخنا المشرق، نَفْضُ التراب من فوق متونها يجلب الأحزان من كل مكان.
أبنائي الطلاب، كان هذا العز بفضل العلم والإيمان؛ بفضل الطاعة والقربة؛ بفضل الأخلاق العالية والروح العلمية الوثّابة، لقد تعلمنا العلوم ونشرناها لخير العالمين، فلم نهلك حرثًا ولا نسلًا ولم نسفك دمًا ولم نسرق ولم نغُل، ومن يغلل يأتِ بما غل يوم القيامة، ولم ننشر الزهو والكبرياء والقهر والذل، بل نثرنا العلم والإيمان والمحبة واللين والرحمة والتواضع والعدل والأمان والسكينة، وعمرنا الأرض فأخرجت بركاتِها وكنوزَها.
أبنائي الطلاب، استعينوا على الامتحانات بالمذاكرة الجادّة والصبر والصلاة والدعاء في جوف الليل وخلف الصلوات المكتوبات واستعينوا بالصدقات وبر الوالدين..
عن أُسَير بن جابر قال: " لما أقبل أهل اليمن جعل عمر رضي الله عنه يَستقرِئُ الرِّفاق فيقول: هل فيكم أحد من قرَن؟ حتى أتى على قرَن فقال: من أنتم؟ قالوا: قرن. فوقع زمامُ عمر رضي الله عنه أو زمامُ أُوَيْس فناوله أحدُهما الآخر فعرفه، فقال عمر: ما اسمك؟ قال: أنا أُوَيْس. فقال: هل لك والدة؟ قال: نعم. قال: فهل كان بك من البياض شيء؟ قال: نعم، فدعوتُ الله عز وجل فأذهبه عني إلا موضعَ الدرهم مِن سُرَّتِي؛ لأذكرَ به ربي. قال له عمر رضي الله عنه: استغفر لي. قال: أنت أحق أن تستغفرَ لي، أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمر رضي الله عنه: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن خير التابعين رجل يقال له أُوَيْس، وله والدة، وكان به بياض، فدعا الله عز وجل فأذهبه عنه إلا موضع الدرهم في سُرّتِه، فاستغفرَ له " وفي رواية: " لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ ".
بَر َّ أويس أمَّه فصار مجابَ الدعوة..
وعن سهل بن بشر قال: حدثنا سُلَيم الرازي أنه كان في صغره بالرَّي، وله نحوٌ من عشر سنين، فحضر بعضَ الشيوخ وهو يلقِّن فقال لي: تقدم فاقرأ. فجَهَدتُ أن أقرأ الفاتحة، فلم أقدر على ذلك لانغلاق لساني، فقال: لك والدة؟ قلتُ: نعم. قال: قل لها تدعو لك أن يرزقك الله قراءة القرآن والعلم. قلت: نعم. فرجعت، فسألتُها الدعاء، فدعتْ لي، ثم إني كبِرت، ودخلتُ بغداد، قرأتُ بها العربيةَ والفقه، ثم عُدتُ إلى الرَّي، فبينا أنا في الجامع أقابل " مختصر المزني "، وإذا الشيخ قد حضر وسلَّم علينا وهو لا يعرفني، فسمِع مُقابلتَنا، وهو لا يعلم ماذا نقول! ثم قال: متى يُتعلَّم مثلُ هذا؟! فأردت أن أقول: إن كانت لك والدة، فقل لها تدعو لك، فاستحييت!
لقد أحرزتْ دعوةُ والدة سُلَيم علمًا غزيرًا وفهمًا ثاقبا وإمامة في الدين..
وفي الحديث: " ثلاث دعوات لا تُرَد: دعوةُ الوالد لولده، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر ".
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم..
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، أولياءَ الأمور حثوا أولادكم على الجد والاجتهاد ووفّروا لهم الجو المناسب للمذاكرة وشجعوهم وازرعوا في نفوسهم الثقة والأمل والاعتماد على النفس..
الإداراتِ المدرسية والمعلمين الكرام، أمامكم مسئولية عظيمة في توفير الجو المناسب للامتحانات ومنع الغش وعدم السماح به؛ فإنه ضرر على الطلاب والمجتمع والتعليم والحياة، فلا تتساهلوا في السماح به وكونوا على مستوى المسئولية واعلموا أن معالجة مشكلة تدني مستوى التعليم يعتمد بصورة كبيرة على منع الغش والقضاء عليه، واعلموا أن إملاء الأجوبة على الطلاب في الاختبار من الغش والخيانة، وفيه مفسدة للأخلاق، وهبوط في مستوى التعليم، وضعف في تحمل المسئولية والقيام بواجبها وذلك حرام كسائر أنواع الغش لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من غشنا فليس منا ".
أبنائي الطلاب، جدّوا واجتهدوا وأكثروا من الدعاء واستعينوا بالله واعتمدوا على أنفسكم، وإياكم والغش؛ فإن الغش حرام في امتحانات الدراسة أو غيرها، وفاعلُه مرتكبُ كبيرةٍ من كبائر الذنوب؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من غشنا فليس منا " ولا فرق في ذلك بين كون المواد الدراسية دينية أو غير دينية؛ فإن الحديث النبوي عام يشمل الغش في البيع والشراء وفي النصيحة وفي العهود والمواثيق وفي الأمانة وفي اختبار المدارس والمعاهد ونحوها سواء كان نقلًا من الكتب أم أخذًا من التلاميذ أم إعطاء لهم كلامًا أو عن طريق الكتابة وتناقلها بينهم أو بغير ذلك من الطرق والأساليب..
نسأل الله لكم التوفيق والسداد والثبات والعصمة..
ألا صلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين..
0 التعليقات:
إرسال تعليق